وقد تحمس الشباب السوري مثل تحمس أي أوروبي هزته المجزرة، دون مبالغة أو ادعاء، أحدهم قال لأورينت "أنا سأنزل للمشاركة، وسأرفع علم سوريا الحرة"، وآخر ألتقط صورة من بعيد وكتب تحتها "هذا رأس أنجيلا ميركل"، وأخر قال "يا الروعة أنها تقف بجانبي"، وأخر كتب "إننا نسمع القرآن في ساحة برلين وكلمة ميركل التي لا نفهم منها شيئا ولكننا نصفق بقوة".
حماس السوريين بهذا الشكل للتظاهر سواء في هذه المظاهرة أو في المظاهرات المضادة لـ (بيغيدا)، هو الحماس الثوري الذي لم يجد مكانه في سوريا، والذي لم ينجز مهمته هناك، ولكنه لم يخبو هنا، يريد أن يظهر في أية لحظة، ولكن ليس لأي سبب، أسباب الحرية والكرامة لازالت هي المحرض الأساسي. والتي إذا أحسن السياسين استغلالها فسيرسمون سياسة لاندماج السوريين في المجتمع الألماني مختلفة تماما عما سبق.
ومن جهة أخرى تفاعل السوررين مع الأحداث بهذه الطريقة، يبشر بالخير، لجهة قدرتهم على الاندماج في المجتمع والتفاعل معه وقدرتهم على إيجاد مكانا خاصا بهم ضمن مكوناته المتنوعة.
ليس لأغلبهم وقتا طويلا في ألمانيا، حتى تمكنوا أن يصبحوا جزءا من حراك الشارع ومعنين به، يخبرون بعضهم بأمكان التجمع وبأهمية الحضور، رمزية شارلي أصبحت قضيتهم دون أن يتسلقوا على هذا، هم القادمون من سوريا، يدركون معنى قهر الحريات وخاصة حرية الاعلام ولدينا مثل قريب على قهر رسام الكاريكتور علي فرزات، ونحن السوريين لدينا أمثلة لا تحصى عن قتل حرية التعبير و كسر الأقلام وتحطيم كاميرات التوثيق وحرق الصحف وذبح الصحفيين. ونحن قبل غيرنا من الشعوب نفهم مرارة تلك الجريمة، ونقدر حجم الألم.
يقول أحمد "مرت مواقف كثيرة في سوريا، كانت تتطلب تضامن العالم معنا، نعم العالم خذلنا، ولكننا لن نخذل أحد، سنتظاهر ضد الجريمة"، وآخر يعلق "التظاهر بحد ذاته فعل حضاري، خلال تظاهري للمرة الأولى مع اليسار الألماني ضد حركة (بيغيدا)، عاودتني جميع مشاعر الرعب التي كانت تنتابني حينما كنا نتظاهر في سوريا، وفي لحظة شعرت أن هذا هو الفرق الوحيد بين نظام الدكتاتور ونظام الديمقراطية، حرية التظاهر".
قد يعلق ساخرا أن السوريين يتظاهرون ضد الجريمة، وماذا عن الجرائم التي ترتكب في بلادهم؟ ليست تلك الجرائم أقل تعذيبا للضمير السوري، والسوريون في الخارج لطالما تظاهروا ضدها، حتى فقد التظاهر ضدها أي معنى. ولكن تظاهر السوريين ضد الجريمة في فرنسا، له معاني مختلفة، هي تأكيد على أن السوري ليس عنيفا، ولا يقبل العنف، وتأكيدا على أنه جزءا من المجتمع الجديد الذي أتى اليه، والأهم أن السوري قادر على التظاهر السلمي عندما لا يوجه المدفع في وجهه، لقضاياه العادلة وقضايا الآخرين، مشاركة السوريين في مظاهرات أوربا، هي تمثيل جديد له، فليحافظوا عليه ويتمسكوا به.
التعليقات (5)