إيران والنظرية الصهيونية

إيران والنظرية الصهيونية
طالعنا الأمين العام لحزب الله اللبناني، في خطابه بمناسبة ذكرى المولد النبوي، بقراءة تفصيلية للواقع البحريني من وجهة النظر الإيرانية التي يسير عليها حلفاء النظام الإيراني بالكامل وفق خطة يضعها مستشارو الثورة الإسلامية لقراءتهم للسيطرة على مناطق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، في هذا الخطاب شبّه نصر الله مشروع النظام البحريني بالمشروع الصهيوني من ناحية التجنيس والتوطين في البحرين، اللذان يغيّران الطبيعة السكانية للبحرين، قائلاً: إن في البحرين اليوم «إسرائيل ثانية»، معلقاً على المواجهة بين المعارضة و الحكومة في ذلك البلد المستقر.

مدهش هو هذا الوعي للتجربة اليهودية الصهيونية في المنطقة، ومدهش أيضاً أن أمين حزب الله الذي ينتشر جنوده في سوريا بكاملها ويمارسون أفعالاً لا تتوقف عند الترحيل والتهجير وإخلاء المدن وممارسة التغيير الديموغرافي القسري، سواءً كان في القصير أو في القلمون عموماً وصولاً إلى ريف دمشق حيث الصراع على أشده. ، و كما يقول المثل كل إناءٍ بما فيه ينضح، و حينما يكون هناك إدراك للمشروع الصهيوني ومحاولة نقله وتطبيقه من وجهة نظره كما يدعي حزب الله، فحتمًا هنالك من يعرف المشروع الصهيوني معرفة وثيقة وتفصيلية وفق دراسة ممنهجة، ومن هنا تبدأ الحكاية.

حينما بدأت الثورة السورية في 2011 ، تعهد رؤوس النظام في إيران ولبنان والعراق بأن سوريا لن تخرج من الرمز الكودي (حلف المقاومة) ويقصدون في الحقيقة الهلال الشيعي كما هو واقع بفعل القوة، وتعددت القراءات لهذه التصريحات فوئام وهاب بوق حزب الله في لبنان تحدث عن مئات آلافٍ من المقاتلين مستعدين للتوجه إلى سوريا للدفاع عن سوريا ويقصد النظام، وحسين عبد اللهيان تحدث عن احتمال التدخل العسكري الإيراني لحماية النظام، وحسن نصرالله تحدث عن تدخل حزب الله في سوريا وهكذا توالت التصريحات من جميع الحلفاء، حتى أتى المسلحون من حلفاء النظام من أفغانستان إلى باكستان إلى إيران والعراق ولبنان وحزب البعث اللبناني وحركات تحرير فلسطين التابعة لإيران والحزب القومي وحزب رفعت عيد وصولاً إلى الحوثيين من اليمن.

ولكن لم تكن هذه فقط هي الخطة الإيرانية، فقد عمل النظام الإيراني على استيعاب تجربة الوكالة اليهودية في بدايات القرن الماضي كاملةً، هضمها وفندها وعرف في صميمه الداخلي أن التجربة الصهيونية في التعامل مع الكتل البشرية الموجودة في فلسطين هي التجربة الأنجح عبر التاريخ، حيث استخدمت الوكالة اليهودية ومن ثم مؤسسو دولة إسرائيل مستشارين من جميع أنحاء العالم قرؤوا التجربة الجنوب إفريقية جيدًا وفندوها و قرؤوا تجربة فرنسا في الجزائر و آسيا.

ومن الوكالة اليهودية إلى الثورة الإسلامية التي قرأت عدوها بشكل جيد لدرجة أنه كان كافياً لفتح جبهة نفسية ضد إسرائيل، ما لبث العداء أن انتقل إلى إعجاب بالتجربة، ونقلها عبر منظري هذا النظام إلى تأسيس كيان يواجه الكيان الإسرائيلي، متضخم وتوسعي مشابه لما فعلته الوكالة اليهودية، ربما قرأ الإيرانيون فكرة أنه لا يمكنك محاربة عدوك إلا بأسلوبه، وهكذا بدأت إيران بادعاء حماية المواطنين الشيعة والمراقد الشيعية في عموم البلاد المحيطة بإيران في سابقة لم تحصل من قبل، إلا في التجربة اليهودية، فالوكالة اليهودية دخلت في البداية إلى فلسطين بحجة حماية المقدسات اليهودية في بدايات القرن وبالاتفاق مع الدول الأوروبية التي كانت تدعم هجرات اليهود.

طبعاً محاولات التمدد الإيراني الاستيطاني امتدت إلى المغرب العربي وحتى إلى مصر التي تحتوي على آثار ومقابرعديدة من الفترة الفاطمية التي يعتبرها نظام إيران الحالي امتدادًا للإمبراطورية الشيعية التي يحلم بها ملالي طهران كبديل للإمبراطورية الفارسية، فالدولة الفاطمية التي كانت تدين بالمذهب الإسماعيلي شيدت المقامات للسيدة زينب والحاكم بأمر الله و السيدة فاطمة والحسين «رضي الله عنهما» أيضاً، وحاولت ضخ المال لتكبير وتجديد هذه المقامات لتدق فيها مسمار التدخل، لولا الرفض الحكومي المصري والعربي لهذا الأمر.

ومن حماية المقدسات انطلقت إيران لدق مسامير جحا في البلدان العربية فكل قبر لأي صحابي أو أحد من آل البيت اعتبرته أرضًا إيرانية وبنت فيه مساجد ومجمعات وحسينيات لتكون موطئ قدم لطلائع التدخل الإيراني، فبنت في سوريا مراقد ضخمة في كل من السيدة زينب وداريا والسيدة رقية، ما أثار استغراب الأهالي المتعايشين مع المقدسات الإسلامية الشيعية منذ آلاف السنين وطبعًا كانت التسهيلات من النظام هي الباب الواسع لهذا الدخول، وكذا الأمر حصل في عراق ما بعد صدام و لبنان وحتى في الأردن قبل تنبه السلطات إلى ما تريده إيران من المراقد في الكرك بعد أن ضاقت الناس ذرعًا بآلاف الزوار الذين بدؤوا بزيارة مرقد الصحابي جعفر بن أبي طالب وخوفًا من تحول الزيارة إلى حماية، كما حصل في سوريا.

فعبر هذه الحجة تدخلت قوات إيرانية نظامية وغير نظامية لحماية مراقد ومزارات دينية موجودة في سوريا أصلاً، منذ آلاف السنين بحماية أهل البلد الأصلي، ولعلم المحرك الإيراني بالجرائم المرتكبة جراء هذه الحماية انتقل إلى المرحلة الأخرى من تطبيق النموذج الصهيوني وهي في ارتكاب مجازر رهيبة في بعض النقاط الهامة جغرافيًا وعسكريًا من أجل إجراء نزوح وتهجير على أساس طائفي بغية احلال عناصر أخرى مكانهم، وهذا ما حصل في السيدة زينب وبيت سحم وببيلا وجسرين في الريف الدمشقي وفي الحولة في ريف حمص وفي مدينة حمص نفسها، وبعد أحداث التهجير الشعبي أدرك المحرك الإيراني أنه لا بد من وقت ما لانتهاء المعارك في سوريا قريباً أو بعيداً، ولا بد في النهاية من حصول اتفاق ما، يعيد الأهالي إلى بيوتهم، وهنا يأتي التكتيك الصهيوني الذي بادر إلى شراء العقارات على طريقة الدفع المبالغ فيه والتصديق في الشهر العقاري النظامي، ليتحول الاحتلال بالقوة إلى احتلال بفعل القانون، وهذا ما فعلته إسرائيل على الأقل في القدس الشرقية وسلوان وفي الجليل الفلسطيني.

وهذا بالضبط ما فعلته إيران والنظام في سوريا أيضًا، فحركة شراء العقارات في الريف الدمشقي وفي دمشق القديمة نفسها أصبحت شبه علنية وكل الناس أصبحت تدرك أن الشاري الإيراني يقوم بدفع أضعاف ما يدفع في السوق العادي لسعر العقار ذاته، فالمال النفطي الإيراني يضخ بالملايين من أجل شراء الأراضي والبيوت القديمة لخلق تغيير في الواقع الديموغرافي المركزي لمدينة دمشق وهو يحقق بشكل من الأشكال التعهد الإيراني في بداية الثورة بأنه لا تخل عن سوريا أبدًا ولن نخرج منها بكل الأساليب والأشكال.

وطبعا التسهيلات من النظام والحكومة السورية كانت هي الباب للدخول العقاري إلى الأراضي السورية عبر التسهيل والتوثيق والتصديق.

يمكن لإيران أن تأخذ الحصان عنوةً إلى الماء، لكنها لن تتمكن أبدًا من إرغامه على الشرب، واستحالة أن تُشعر الشعب السوري بالاندماج مع سارقي الأراضي والبيوت.

التعليقات (1)

    خالد المصري

    ·منذ 9 سنوات 3 أشهر
    أعتقد أن هذه الدراسة هامة للغاية وينبغي لنا أن نتوسع أكثر في الدراسة و التمحص في هذه المقارنة بين الصهيومية والايرانيين
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات