بعد مرور أكثر من عام عليها: أسباب نجاح هدنة حي (برزة) في دمشق

بعد مرور أكثر من عام عليها: أسباب نجاح هدنة حي (برزة) في دمشق
منذ أيام مر عام كامل على عودة المدنيين إلى داخل حي برزة في دمشق بعد حصار استمر زهاء السنة تخلله معارك طاحنة مع قوات الأسد على مختلف جبهات الحي المحاط بشكل كلي بالثكنات والمنشآت العسكرية وهو ما خلّف عدداً كبيراً من القتلى بين صفوف الطرفين ودمار هائل في مختلف أرجاء الحي وصلت نسبته إلى 75% من الأبنية المدمرة بشكل كامل.

ففي مطلع العام الفائت 2014 نجحت لجنة المصالحة المؤلفة من عدد من وجهاء الحي بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع قوات الأسد، كان أهم بنوده إطلاق سراح المعتقلين وانسحاب قوات الأسد والميليشيات الشيعية من المناطق التي تقدمت فيها وضمان عودة المدنيين ورفع التضييق المفروض عليهم من قبل حواجز النظام والشبيحة في مقابل تعهد المعارضة المسلحة بوقف هجماتها على قوات الأسد وفتح الطرقات التي قام بقطعها والتنسيق مع قوات الأسد لجهة التسويات المفترض عقدها لمن يود ذلك.

هدنة برزة: أوائل الهدن

وكانت هدنة برزة من أوائل الهدن التي عقدت مع نظام الأسد في دمشق وريفها وسبقها إليها هدنة قدسيا وهدنة المعضمية، لكن هدنة برزة كانت دائماً مميزة عن باقي الهدن في مختلف أنحاء سوريا، ففي قدسيا التي تقع غرب دمشق لا تزال الخروقات مستمرة حتى هذا اليوم من عمليات خطف وإغلاق للمدينة ومحاصرتها بالإضافة للقصف الذي يحصل أحياناً والذي خلّف مجزرة كبيرة منتصف العام الفائت بعد الغارات الجوية التي استهدفت وسط المنطقة.

فيما تكاد هدنة المعضمية لا تتجاوز كونها حبر على ورق فالحصار لازال شبه قائم والخروقات شبه يومية حيث تقوم قوات الأسد بقصف الأحياء التي تحاذي مناطق التي يحتلها العلويين على أطراف المدينة، أما في جنوب دمشق فالوضع أسوأ حيث لا يكاد يمر يوم دون ورود أنباء عن سقوط شهداء وجرحى نتيجة قصف قوات النظام لهذه الأحياء ورد كتائب الجيش الحر بمهاجمة بعض نقاط قوات الأسد والدفاع الوطني تزامناً مع إغلاق المعابر بشكل متواصل وفرض إدخال كميات محدودة من الأغذية والأدوية والمساعدات إلى تلك المناطق.

أما في مخيم اليرموك فلم تنجح الوساطات منذ حوالي العام بالتوصل إلى صيغة اتفاق لوقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات إلى عشرات الآلاف ممن يكادون يقضون جوعاً فلا تكاد توقع الهدنة حتى تفشل تماماً.

في برزة كان الأمر مختلفاً تماماً فمنذ توقيع الهدنة تم تعيين لجنة من الحي للتواصل مع اللجان المقابلة المشكلة من قبل النظام للتباحث وحل الإشكالات المتوقع حدوثها وهو ما حصل أكثر من مرة، حيث سجلت عدة حالات اعتقال على أطراف الحي قامت اللجنة بالتوسط للإفراج عنها عن طريق عقد اجتماعات تفضي إلى حل الإشكال وكذلك حصل عندما خرقت الهدنة في ثلاث مناسبات وفي كل مرة سقط عدد من الضحايا بين صفوف المدنيين وصل عددهم إلى سبعة وتم التوصل إلى حل لهذه الخروقات عبر وضع ضوابط لمنع حدوثها مستقبلاً ومعالجة الخلل من الطرفين، لكن لم تكن تلك الخروقات وحدها ما هدد هدنة برزة بل كان موضوع إطلاق سراح المعتقلين القديم الجديد والذي كان على رأس بنود الهدنة والذي يطل برأسه يومياً على واقع الحي إذ يلف الغموض مصير حوالي 350 معتقلاً من أهالي الحي وتتوارد أنباء بين الحين والآخر عن وفاة بعضهم تحت التعذيب الأمر الذي ولد حالة من الغليان عند أهالي المعتقلين الذين يفترض أن تتضاءل أعدادهم لكنها لا تفتأ ترتفع بشكل مستمر بعد قيام قوات النظام باعتقال عدد من أهالي الحي على حواجز بعيدة عن الحي تدعي لجنة المصالحة أنها لا تمون عليها، الأمر الذي دفع الأهالي إلى تصعيد مطالبتهم بالمعتقلين عبر تنظيم بعض النشاطات منها الإضراب السلمي الذي نفذ مطلع الشهر الحالي وجرى خلاله إغلاق بعض الطرقات ما أفضى إلى إطلاق سراح امرأتين كانتا قد اعتقلتا قبل أسبوع وهو ما يقوم به النظام عند تصاعد الضغط عليه من قبل أهالي المعتقلين في أكثر من مرة، وبشكل عام كل هذه الخروقات لم ترقَ إلى خروقات الهدن في المناطق الأخرى إذ لم تسجل أي حالة قصف على الحي منذ توقيع الهدنة بحسب عدد من أهالي الحي، ويأوي الحي حالياً ما يزيد عن خمسين ألف نسمة قسم منهم من المهجرين من مناطق دمشق وريفها وأصبح هؤلاء عاملاً أساسياً على عناصر المعارضة المسلحة الذين لا يزالون يرابطون في الحي أخذه بعين الاعتبار عند حدوث أي طارئ من الممكن أن يؤدي إلى انهيار الهدنة، لكن هل هذا ما ساعد على استمرار الهدنة ونجاحها إلى اليوم؟

موقع برزة الهام

يقول فاروق الشامي أن موقع برزة حساس جداً من الناحية الجغرافية والجيوسياسية إذ يقع الحي شمال العاصمة وتطل مزارعه على أتستراد دمشق حمص وعلى حي القابون اللذين يشكلان الفاصل الوحيد عن جوبر وحرستا وعربين في الغوطة الشرقية، التي كانت يوماً ما أحد خطوط للحي أثناء حصاره، هذه المعطيات تدفع النظام للاستمرار بهدنته مع برزة لتكريس سياسة فصل كل منطقة عن الأخرى ومعالجتها بشكل منفرد، فهو إذ يصب جام غضبه على الغوطة اختار أن يؤمن الأحياء الموالية ذات الأغلبية العلوية عبر عقد الهدن مع المناطق القريبة منها، ففي برزة هنالك عدد من الأحياء الموالية كعش الورور والبيادر وقسم من شارع الحافظ والتي تضم أعداداً كبيرة من العلويين والشبيحة بالإضافة إلى توزع الثكنات العسكرية على محيط الحي كالبحوث العلمية وقيادة الشرطة العسكرية وفرع 211 وقيادة الوحدات الخاصة ومشفى تشرين العسكري كما يخترق الحي شوارع رئيسية تصل دمشق بالقلمون وضاحية الأسد ومشفى تشرين العسكري.

كل هذا ساعد على تكريس الهدنة خاصة مع الأوضاع التي وصلت إليها الثورة حالياً فبات الكثيرون ينظرون إلى ما يجري على أنه لعبة بين قوى إقليمية وقودها دم الشعب السوري، عدا عن تواصل توقيع الهدن ونجاح النظام بفصل المناطق عن بعضها وتحويل الثورة إلى ثورات بفعل الاختلافات السياسية والعقائدية والتي كان آخر نتائجها الحملة التي قادها جيش الإسلام في الغوطة الشرقية والتي قال أن الهدف منها القضاء على جيش الأمة المفسد وملاحقة كافة أعضائه المتهم كثير من أعضائها بالتعامل مع النظام وتهريب المخدرات والحشيش إلى الغوطة بحسب قائد جيش الإسلام.

هذا الحدث سرعان ما تردد صداه في برزة حيث يمتلك جيش الإسلام الذي يقوده زهران علوش كتيبة فيها أصدرت أمراً باعتقال أحد أخطر المطلوبين لقضاء الغوطة ولواء الإسلام بتهمة إدخال سيارات مفخخة إلى الغوطة والتخابر مع النظام الأمر الذي هدد باشتعال المواجهات بين هذه الكتيبة وباقي الكتائب في المدينة بعد اعتقال الكتائب الأخرى لعناصر الكتيبة الذين حاولوا اعتقال الرجل وزجهم بالسجون, وكانت حجتهم تحييد الحي عن حروب الآخرين وتم فيما بعد إطلاق سراح عناصر كتيبة جيش الإسلام والإبقاء على حبس السجين بأمر من المحكمة الشرعية في الحي لثبوت بعض التهم عليه لكن هذه الحادثة أثارت جدلاً واسعاً بين أهالي الحي حول كيفية موافقة قادة أحد الكتائب على إيواء مثل هؤلاء الأشخاص في الحي وحمايتهم.

بعد مرور أربعة أعوام عن اندلاع الثورة السورية ومع انعدام أفق أية حلول سوى بالهدن المنفردة التي يتم عقدها هنا وهناك وكان لها الأثر الكبير في تحول مجرى الصراع فتحولت هذه الهدن إلى ملاذ أخير لدى الطرفين فمنهم من يقول أنها استراحة مقاتل وآخر يقول أنها حقناً للدماء والبعض يعتقد أنها عودة إلى "حضن الوطن", لكن على ما يبدو فإن المبعوث الأممي استشعر أن لا حل في سوريا إلا بعقد هدنة كبيرة على مستوى كل سوريا تتجسد بتجميد القتال وتثبيت حدود المتقاتلين لتجفيف برك الدم المسال وربما الحديث فيما بعد عن مفاوضات بين الطرفين لبحث الخروقات وتكريس الهدنة تماماً كما حصل في حي برزة الدمشقي.

التعليقات (3)

    عايف التنكه

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    من يهادن الاسد وقواته او يقف على الحياد او يلتزم الصمت هو خائن لوطنه خائن لدماء الشهداء من ابناء وطنه خائن لدينه خائن لا يستحق الحياة لن يترك الغلويين مواطن سوري حتى وان كان مسالما ان تقف ايها السوري وانت تحمل سلاحك وتضع بوطك فوق جمجمة جندي اسدي او شيعي خير لك من ان يضعون هم ابواطهم فوق هامتك حياً كنت او ميتاً فأختار لنفسك ما تشاء فإما أن تستشهد بكرامتك وإما أن تعيش تحت الأقدام حياة العبيد تحت امر اسيادك من العلويين اللذين سيعيشون حياة الاباطرة ولهم كل المميزات وانت تسف التراب ذليل

    نورالدين حيجوب

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    هل يمكن أن نلمس من هذا الكلام تحولا في سياسة اورينت ??? هل أصبحت اورينت ترى ان السبيل الوحيد لحل ازمة بلدنا سوريا هي عقد الهدن مع النظام المجرم الذي الالاف من إخوتنا في سوريا ???

    مع الثورة

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    لأا يقوم النظام بهدنة إلا إذا كانت ذات منفعة له. وكل الهدن في بعض المناطق الهدف منها تأمين مواقع استراتيجية تطل عليها هذه المناطق، أو تأمين أوكار الشبيحة المحيطين بالمنطقة. والهدف الخفي هو تخفيف الجبهات المشتعلة للتفرغ لما بقي منها بدون هدنة لعدم قدرة النظام القتال على كل هذه الجبهات. وأقول لكل من وافق على هدنة، أن هذه الهدنة مؤقتة لحين قتل أخوتك في الجبهات الأخرى وبعدها يتم التفرغ لكم. وعندها ستقولون أكلنا يوم أكلت جوبر، ويوم أكلت داريا، ويوم أكلت...
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات