العقلية الانقلابية: أدونيس والبحث عن الضائع!

العقلية الانقلابية: أدونيس والبحث عن الضائع!
من الطبيعي أن الدكتاتوريات العربية عندما تسقط سيسقط معها العديد من مثقفي سلطة بارزين أجادوا اللعب على حبل الثقافة والسياسة، وأظهرتهم الدكتاتوريات العربية كصروح فكرية مع ادعاء الخلاف فيما بينها في بعض النماذج، كالنموذج الأدونيسي، ومع انهيار تلك الدكتاتوريات ستنهار هذه النماذج وتفقد سلطتها على الشارع الثقافي العربي الذي رسخته الدكتاتوريات بشكل أو بآخر، ونموذج كأدونيس اضطرب وقلق مع ثورات الربيع العربي، واستشعر بداية عهد جديد ستنطوي فيه أسطرته كبعل للحداثة والفكر، وبدأ يعيد ويطرح أفكاره ذاتها التي نادى بها قبلاً، بدأ يتحسس خطورة الوضع الراهن، وقد تكون بعض الأحداث والاختراقات للثورات هي أسباب تدفع بأدونيس للعودة إلى مشاريعه السابقة والدوران حول مسيرة سلطوية جديدة مفادها ضرورة الانتقال والتحوّل، وسيبرز أدونيس هنا على أنه مجدد أداة وفكراً.

أدونيس لا يريد أن يخسر موقعه الذي أوصلته إليه دكتاتوريات العرب والعروبة، وقد عزف على أوتار الأنظمة ذاتها، وكان المسوّغ الكبير بينهم هو التجديد والتقدم ونبذ التقوقع والإرهاب، ومع ارتفاع وتيرة الحديث عن الإرهاب الذي يضرب العالم والثورات العربية تنفّس أدونيس الصعداء وطرح أفكاره من جديد، الحداثة والحضارة والمدنية التي أفرغها على الأوراق الكئيبة عبر مسيرة طويلة من النضال #الحداثي_الرجعي.

بدأ الانقلاب على الرجعية بمفاهيم قومية حداثية، وهذا الانقلاب استخدم أسلحة من قلب الوجع العربي، أي لابد من انقلاب على الماضي والتسلح بنفس أسلحته وتاريخه كأداة فاعلة لحداثة ومدنية وتطور، ونامت الأجيال عقوداً من الزمن بفعل هذا المخدّر القومي الحداثي، واستفاقت مرة واحدة على أصوات الرجل المحترق في تونس (البو عزيزي)، وقامت الشعوب ضد مناضلي القومية ودعاتها ومنظّريها ليجدوا أنها ليست سوى كليشة ذات عنوان عريض تتشّعب تحتها حياة مليئة بالفوضى واللاإنسانية، وبمزيد من الخراب العقلي والثقافي في حين أن الكلّ موهومون بقفزة عربية على سبيل الثقافة والعقل والبناء والسياسة وما إلى ذلك من مصطلحات بتنا نشمئز من سماعها بسبب هذا الزخّ الإعلامي لها من مؤسسات الأنظمة الراعية للحداثة والقومية والمدنية على حد وصفهم.

القومية تنقلب على ما أسموها الراديكالية الإسلامية والحداثة تنقلب على الراديكالية الأدبية والثقافية، أدونيس يضع دستوره "الثابت والمتحول" والقذافي يضع دستوره "الكتاب الأخضر" وحافظ الأسد الأكثر خبثاً يضيف إلى دستور البعث الفاسد إضافات انقلابية قرداحية، فيضع منطلقات نظرية لحزب البعث أصبحت أكثر قداسة من الحزب ومن البعث بمعنييه الحقيقي والمجازي ومن الاشتراكية ومن العروبة، وانحصرت أعمال الجوقات من المطبّلين والمزمّرين في المغالاة بتقديس وترسيخ هذه المقدسات العاجزة، كما دأب رعاة الفكر والثقافة من مخلّفات وتقليعات الأنظمة الدكتاتورية العربية في تقديس المشروع الأدونيسي وتصنيمه.

بدأت عملية التقديس لدساتير الانقلابيين الطغاة، والتقديس هو لازمة وطنية وثقافية وأي انقلاب جزئي عليها يجب أن يكون من تكوين الطغاة الشخصي والنظري، أي من ضمن إطار مؤسسة النظام المهيمن، كأدونيس – مثلاً – الذي ظهر على أنه معارض للأنظمة الدكتاتورية ومنها النظام السوري، فبدأ بمسيرة طويلة يمجّد فيها الحريات، فبارك الثورة الفرنسية الخمينية ضد الشاه، والحلف العالمي ضد صدام حسين، وانتقد النظام السوري، ولكنه – طبعاً – انتقاد حداثي وطني تحت سقف الوطن كما يعبّر شبيحة النظام، وخلافهم هو جزئي عائلي بوصفه ينحدر من نفس المؤسسة الطائفية الثقافية مهما حاول التملّص أو إنكار طائفيته البغيضة، ومهما تستر بثياب العلمانية والليبرالية والتنوير والتحرر، تماماً كالخلاف بين رفعت الأسد مع أخيه حافظ فهو خلاف منزلي سيزول عندما يحدق الخطر بهذا المنزل، فأدونيس مثلاً في إحدى زياراته لدمشق ينتقد من قلب دمشق ومن إحدى مقاهي الشام في حي أبي رمانة وهو يشرب النرجيلة وحوله جمهور من الشباب المقدسين للمشروع الأدونيسي الطوباوي في أدواته ومقاصده، وهو يشرب نرجيلته ضمن جو شبابي يعج بطموحات الشباب وأحلامهم، فأدونيس معارض ولكن لا بأس بقليل من التنباك في المقهى، ولكن الانتقاد الكاذب يجب أن يتجمّل بمكياج ثقافي سياسي يدغدغ الطغاة، كالحديث عن الإرهاب ومخاطره، والحديث عن ضروة التملّص من الفكر الرجعي المتمثل بحجاب المرأة وغير ذلك. هذا عدا استخفافه بالدين الإسلامي بأكثر مقالاته وكتاباته، والويل لمن تسوّل له نفسه بنقد مشروعه التجديدي، فالأصابع ستخرج مشيرة ومنددة بتصريحات غير مسبوقة، فالناقد للدكتاتوريات السياسية هو خائن للوطن ويوهن من عزيمة الأمة، والناقد للدكتاتوريات الثقافية هو خائن للثقافة والفكر وجاهل بهما، فعروش الطغيان الثقافي موازية لعروش الطغيان السياسي، ينحدران من بيئة عقلية واحدة.

وهذا أدونيس اليوم يجد ضالته من جديد مع المنقلبين على الثورات، حيث التناغم والانسجام بينه وبين عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري على الثورة المصرية، ومع ظهور السيسي ومنطلقاته النظرية – كضرورة تجديد الخطاب الديني – وجد أدونيس من يتقاسم معه المجد، فالحرية قد تودي إلى الإرهاب الطائفي لأن الشعوب عقيمة ثقافياً ومتخلفة ويجب النهوض بها، شعارات لايزال أدونيس يطلقها وينظّر لها دون البحث عن سبب واحد لوجودها، شعارات ومشاريع فقط، مناقشتها كفر بالثقافة والفكر، ونقدها إرهاب وجهل، هي هكذا مشاريع عريضة من دون أدوات وعلينا التغني بها في الكتب والإعلام، وليس هناك منظّر للحداثة والتجديد أكثر من علي أحمد سعيد إسبر الذي جدّد أول ما جدّد بالانقلاب على اسمه واتخاذ لقب أدونيس عوضاً عنه، وفي المحصّلة لم يكن ثمة تجديد، فأدونيس لايزال يعيش بمضمون علي أحمد سعيد، ولايزال هذا اسمه في قريته.

الحكاية هي انقلاب بانقلاب ولا تجديد فيها، شرعنة لمشاريع وبرامج ثقافية وسياسية وهمية كالبرنامج السيساوي الانقلابي عندما اكتشف جهازاً لمكافحة الإيدز، وأدونيس عبر مسيرته لم يكن واضحاً إلا مع المشاريع والتحالفات الدولية، فهو لم يؤيد ثورة الخميني إلا بعدما تحالف العالم كلّه لصنع هذا الوهم المسمى بالثورة الإسلامية، ولم يتخذ موقفاً ضد صدام حسين إلا بعدما اتفق العالم على إسقاط صدام وتخريب العراق، ناهيك عن أسباب أخرى هي من قلب العقلية الأدونيسية، عقلية التحيّز الطائفي والحقد الديني الأعمى، فلا تكاد تخلو مقالة له دون الاستهزاء أو نقد للدين وللحضارة العربية على أنها حضارة فقهية تقليدية عاجزة، والآن صمت دولي على جرائم النظام الأسدي ولم يتم أي تحالف دولي لاقتلاع الأسد، وبالتالي الموقف الأدونيسي يتناغم مع هذه الإرادة الدولية مبرّراً ذلك بتبريرات غير منطقية مردّها إلى نفس اللحن القديم الجديد، جهل الشعوب وعقمها ثقافياً، وتجاهل كل الخراب والإجرام لنظام الجريمة الإرهابية المنظمة لإيران وروسيا وأداتهما بشار، وكذلك إن المجتمع الدولي شرعن الانقلاب العسكري في مصر، وبالتالي تناغم أدونيس مع هذا التحالف الدولي، فامتطى جواده التجديدي ثانية ليقدّم مشروعه الفكري - في إطار التنظير فقط - لزعيم الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي متجاهلاً الدم الذي أزهقه السيسي لمئات المصريين وما قد يجرّ البلاد إليه من خراب ودمار ثقافي وفكري، وحينها سيخرج أدونيس مجدداً ليحدّثنا عن الانهيار الثقافي من دون النظر إلى رعاة الخراب في البلدان العربية.

إن أدونيس مثقف محافل وعقود دولية، لم يكن يوماً مع الشعوب لا تنظيراً ولا تطبيقاً على سبيل الأدب والفكر، والمحافل الأدونيسية كثيرة، فعندما تستدعي الحاجة للكفر بالعروبة كان يكفر بها، تماماً كما فعل بمحاضرة له في كوردستان العراق سنة 2009 عندما وسم الحضارة والثقافة العربية بمرحلة الانقراض، وهذا تصريح ملائم للقهوة الكردية حينذاك، وعندما تستدعي الحاجة للكفر بالأديان كان يكفر بها، فالمدّعي العام للحريات واحترام الآخر السيد أدونيس قد قاوم الحجاب في فرنسا أكثر من البرلمان الفرنسي ذاته، باستثناء المذهب الشيعي، فأدونيس لم يتم تسجيل موقف له نقد أو تفوّه بكلمة على المذهب الشيعي، بل ثورة شيعة فارس هي ثورة مقدسة، وزعيم الملالي هو مقدّس لا يجوز المساس به على عكس الكثير من علماء العالم الإسلامي السني تحديداً فهؤلاء مشاع لشتمهم بأخس الألفاظ.

والآن البيئة السيساوية في مصر ملائمة جداً للعقل الأدونيسي، السيسي يقدم مشروعاً عسكرياً مدمراً بذريعة مكافحة الإرهاب الديني، وأدونيس يقدم مشروعه ذاته بذريعة البحث عن فكر علماني متنور لمناهضة الإرهاب الديني.

مسيرة طويلة لعلي أحمد سعيد (أدونيس) وباءت بالفشل، فشل أخلاقي أبرزته للعالم الثورة السورية العظيمة، وفشل أدبي فكري تناوله العديد من الكتُّاب العرب، وفشل إعلامي ضخم كفشله بالحصول على نوبل للآداب على الرغم من تحسّس كل السُبل دون جدوى. إنها مراحل الخطورة لأدونيس، فانفلات الشعوب من سطوة القائد الواحد والنموذج الثقافي الواحد والبعل الواحد سياسياً وثقافياً ... كلّ هذا يهدد عرش أدونيس، والمسألة لا تعدو سوى مشاريع جوفاء تدّعي أنها تمتلك الأدوات، وتبرّر لمنهج عروشها تبريرات أدونيسية كالطلاسم تارة، وعسكرية إجرامية كالأسدية السيساوية تارة أخرى.

التعليقات (7)

    وليد حبي

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    من هو أدونيس؟ من فضلك لاتقل لي, فقد سمعت عنه مايكفي. قصيدة عقوبة إبليس للشاعر أحمد مطر طمأن إبليس خليلته : لا تنزعجي يا باريس . إن عذابي غير بئيس . ماذا يفعل بي ربي في تلك الدار ؟ هل يدخلني ربي ناراً ؟ أنا من نار ! هل يبلسني ؟ أنا إبليس ! قالت: دع عنك التدليس أعرف أن هراء ك هذا للتنفيس . هل يعجز ربك عن شيء ؟! ماذا لو علمك الذوق ، و أعطاك براءة قديسْ و حباك أرقّ أحاسيسْ ثم دعاك بلا إنذارٍ … أن تقرأ شعر أدونيس ؟!

    سوري درعاوي

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    عادة سبب تغيير الاسم ينجم عن فقدان الشخصية للإنسان وليجعل لنفسه مكانة، ولذلك يقوم باختيار اسم غريب او مميز بلفظ غريب عن المجتمع الذي ينتمي اليه ليملأ الغراغ الذي كان سببه ضعف في شخصة ذلك الانسان.

    خالد الناصير

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    من هذه الناحية لا تقلق يا سيدي، فهو باع نفسه أيضًا لدُبي من خلال حملة "العلاقات العامة" للإمارة الخليجية عبر مجلة دُبي الثقافية حيث يكتب لها بشكلٍ مُنتظم، علمًا بأنه يُسوق نفسه أيضًا كواجهة ثقافية - علمانية للانظام اﻷسد هذا ما عُلم والمخفي سيكون أعظم بالتأكيد. أخيرًا وإسقاطًا على طائفيته نحن نُسميه (قدونيس) وقهلا.

    نزار جديد

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    يبدو أن الكاتب نفسه يدافع عن طائفيته الخاصة. لا شك بأن أدونيس والى السلاطين، ولكنه هاجم الأسد أكثر مما هاجمه الكاتب نفسه، والأكيد أن أدونيس فوق الطائفية بالتأكيد. ولا شك بأن العروبة شبه منقرضة، وبأن الإسلام يمر الآن مع مواجهة شاملة مع مجمل الحضارة البشرية والحداثة، مما لا يستطيع أي كاتب أو مثقف الآ يراه. وعلى الإسلام بدوره أن يعيد النظر بذاته. أي كما فعلت الديانتان اليهودية والمسيحية عندما قامتا بالمراجعة والتطوير توافقا مع التطور البشري، تجنبا للانقراض، مثلما نمر به نحن الآن.

    الصوت والصدى

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    أدونيس يتنفس طائفية... وهو بالتأكيد لم يهاجم الأسد لا بأكثر من هذا الكاتب أو سواه... وكفى أكاذيب أرونا نصوصا صريحة وواضحة يذكر اسم بشار أو أبيه... ولا ينتقد النظام بالعموم كما يمكن لفيصل عبد الساتر أو غسان جواد أن ينتقد "النظام" أحيانا أرونا النصوص التي هاجم فيها الأسد... أرونا كلمة كتبها عن مجزرة الكيماوي... أو عن صواريخ سكود الأسد أو عن البراميل... ثم ليقل ما يشاء عن الثورة التي لا يحبها لأنها خرجت من الجوامع. أدونيس عار وطائفي مكشوف...

    لمعظم المعلقين في تلك الصفحة

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    كفى مزاودة و بهورة و تَشَطْرُن ـ آباءكم و طفولتكم ترعرعتم تنافقون في المدارس قائلين بالروح بالدم نفديك يا حافظ وأنتم وآباءكم كنتم خانسين مبخوعين وهذه الأبيات سلاماً أيّها الأسدُ ..... سلمتَ ويسلمُ البلدُ‏ وتسلمُ أمةٌ فخرتْ ..... بأنكَ فخر من تلدُ‏ منقوشة في ذاكرتكم إخرسوا جميعاً كلنا كنا جبناء وصرامي ونتعامل مع بعضنا على مبدأ فخار يكسّر بعضو والفضل لعاكاكيز النظام من خوارنة ومشايخ ومعاهد الأسد لتحفيظ القرآن ومعهد النور والمعاهد الشرعية وفيالق الحج وكفتارو والبوطي وغيره كلهم وإياكم بإشراف النظام

    الحجاب الإسلامي السياسي الذي ارتضاه المستبدين بشعوبهم

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    كي يسهل على المخابرات معرفة بيئة هذا الشاب أو ذاك الرجل والذي لا يعرف هذا الحجاب فها هو [ تم حذف الروابط لا يسمح أورينت نت بنشر روابط في تعليقاته] تقليد بدأ في المدن فتبعه الريف
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات