تدهور الثروة النباتية: لعنة الأسد تلاحق القمح والفستق الحلبي!

تدهور الثروة النباتية: لعنة الأسد تلاحق القمح والفستق الحلبي!
استكمالاً لموضوع الثروات الطبيعية السورية التي عبث فيها نظام الأسد والتي قامت أورينت نت بنشر ملفين موسعين عنها، الأول: عن الثروة السمكية والثاني: عن الثروة الحيوانية، نسلط الضوء في هذا الملف على بعض الثروات النباتية التي تزخر بها سوريا وكيف تعامل معها نظام الأسد، وفرط بها في خضم مراهناته السلطوية والسياسية، قبل الاقتصادية!

من الوردة الدمشقية إلى الزعفران الإيراني!

روى لي العالم السوري الراحل الدكتور محمد عدنان قطب وهو أستاذ علم الفاكهة في جامعة دمشق – كلية الزراعة، لما سألته عن إمكانية إقامة مشروع لزراعة الوردة الدمشقية (Rosa damacena)، أنه أثناء مغادرته مطار (صوفيا) في بلغاريا في أواسط سبعينات القرن الماضي (بعد انتهائه من زيارة علمية برفقة عدد من أساتذة كلية الزراعة) قام رجال الجمارك البلغار بإيقاف الوفد السوري لعدة ساعات بناء، على تعليمات من وزارة الزراعة البلغارية وجرى تفتيشهم تفتيشاً دقيقاً، والسبب ورود معلومات لوزارة الزراعة البلغارية بأن الوفد السوري قد أخذ من بلغاريا بعض أقلام هذه الوردة التي غير أسمها البلغار من الوردة الدمشقية إلى الوردة البلغارية، والتي أيضاً يعتبرونها كنزاً بلغارياً يمنع إخراجه خارج بلغاريا، نظراً لما تدره تلك النبتة من دخل عن طريق زيت الورد، الذي قد يصل سعر الكيلو غرام الواحد منه لأكثر من عشرين ألف دولار أمريكي.

وفي نهاية عام 2011 كثفت إيران من إرسال الوفود إلى سوريا لطمأنة النظام السوري بأنها تقف خلفه، وفي أحد تلك الاجتماعات الفنية في وزارة الزراعة السورية، وكان الاجتماع ما بين وفد اتحاد الغرف الزراعية السورية الذي كنت مديراً له و بعض مسؤولي وزارة الزراعة الإيرانية، وبعض مدراء الشركات الخاصة الزراعية الإيرانية، وتناول الاجتماع العديد من القضايا مثل تصدير الحمضيات وزيت الزيتون إلى إيران، وعرض الجانب الإيراني استعداد بلاده لتقديم المساعدة لسوريا في شتى القضايا الزراعية، هنا طرحتُ إمكانية مساعدة إيران لسوريا في زراعة نبات الزعفران التي تشتهر به إيران، لا سيما وأن الظروف المناخية لإنتاجه متوفرة في سوريا (وحقيقة كان طلبي هذا، طلباً خبيثاً لأنني أعرف موقف الايرانيين من تلك القضية) عندها تجهم وجه كافة أعضاء الوفد الإيراني، وحاول الوفد تجاهل السؤال وكأنه لم يسمعه، فأعدت السؤال مرة أخرى، فقال نائب وزير الزراعة الإيراني بأن (الزعفران) خط أحمر بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن إيران على استعداد لتقديم أي مساعدة باستثناء المساعدة في زراعة الزعفران!

أذكر هاتين الحادثتين لأبين للقارئ كيفية حماية الدول لثرواتها، وكيف تصنع من سلعة زراعية ثروة قيمة لها، فالوردة الدمشقية تعتبر ثروة لبلغاريا كما الزعفران بالنسبة لإيران، ولأقارن كيف تعامل نظام البعث على مدار خمسين عاماً من حكمه بالثروات السورية.

القمح السوري: العبث الاستراتيجي!

بداية لا بد من التأكيد على أن القمح السوري يعتبر أهم الثروات النباتية فقد عُرفت سوريا منذ القدم بأنها "خزان قمح الإمبراطورية الرومانية" التي كانت تبسط سيطرتها على العالم القديم، وعرف المزارع السوري بالإنتاجية العالية وعمله الدؤوب لزيادة إنتاجيته.

وقد أدرك حافظ الأسد بعد استيلائه على الحكم بإنقلاب 16 تشرين الثاني عام 1970 أن القمح من أهم مفاتيح تثبيت سلطته وسلطة عائلته من بعده، فوضع يده على تسويق القمح عن طريق مكتب تسويق القمح الذي أنشأه في قصره الجمهوري، وأعطى أوامره بالتشجيع على زراعة القمح والتوسع به كيف ما كان، وهذا من الناحية الإقتصادية جيد لو أنه كان بهدف تأمين الرفاهية للشعب، ولكن وجهة نظرحافظ الأسد كانت تهدف إلى تأمين مادة الخبز للشعب بأرخص الأثمان من أجل تثبيت سلطته وإيهام الناس بأنه يحقق الاستقرار الاقتصادي لهم، فبدأ بالتوسع بزراعة القمح الطري على حساب القمح الحوراني القاسي الذي تم إقصاؤه تدريجياُ مع العلم بأنه يمتلك مواصفات تخزينية وغذائية أفضل من القمح الطري، وبدأت الحكومة بخلط الطحين المقدم للشعب بنسبة 75% قمح طري و25% قمح قاسي اعتباراً من تسعينات القرن الماضي وذلك بزيادة تصدير القمح السوري القاسي والاحتفاظ بالقمح الطري كمخزون إستراتيجي لإنتاج الخُبز.

ونتيجة هذه السياسة بدأ الإنتاج الزراعي السوري من القمح الحوراني القاسي بالتراجع على حساب القمح الطري من ناحية ومن ناحية أخرى تدهور صنف القمح القاسي الحوراني نتيجة تعرضه خلال الزراعة أو التخزين أو التسويق إلى عمليات خلط أدت لظهور أصناف غير نقية منه مما أفقده قليلا من ميزاته وبالتالي أدى لإنخفاض أسعاره التصديرية.

إلا أن خطورة هذه التوجيهات تكمن في التوسع في زراعة القمح الطري بعلاً وفي مناطق الإستقرار الرابعة والخامسة (أي ذات المعدلات المطرية المنخفضة) في سوريا، وذلك نتيجة التشجيع الحكومي للمزارعين، وبطريقة تساوي تقريباُ ما بين مزارعي القمح المروي والقمح البعل حيث تحدد الدولة سعر متقارب جداُ لكلا المحصولين (المروي والبعل) مع العلم بأن 35 % من تكاليف زراعة القمح المروي تخصص للري إما عن طريق شبكات الري الحكومية أو عن طريق الطاقة (ديزل أو كهرباء) بالنسبة للري بمياه الآبار، وبذلك فإن المزارع الذي زرع القمح بعلاً تكون تكلفته أقل من المزارع الذي زرعه مروياً.

الفستق الحلبي: ضحية ولاية الفقيه!

يرجع تاريخ زراعة الفستق الحلبي إلى عهد بعيد جداً، وقد ذكر علماء النبات بأن زراعة الفستق الحلبي عُرفت منذ عهد الآشوريين، ويُعتقد بأن سوريا والمناطق الجنوبية من آسيا الصغرى هي الموطن الأصلي للفستق الحلبي، ومنها انتشرت إلى المناطق الحارة الجافة للبحر الأبيض المتوسط، و تشير بعض المراجع إلى وجود أشجار الفستق الحلبي في منطقة غرب آسيا وبلاد الشام منذ أكثر من /3500/ سنة قبل الميلاد وهي من الأشجار المعمرة وأنواع الفستق الحلبي تزيد على عشرين نوعا واسمه نسبة إلى حلب، كمنطقة عرفت هذه الزراعة منذ القديم بالرغم من وجود أشجار معمرة في منطقة عين التينة في ريف دمشق تقدر أعمارها بـ/1800/ سنة ،كما نجحت زراعته في المناطق الجافة.

تتميز شجرة الفستق بقدرتها على تحمل الحرارة العالية في الصيف، والمنخفضة في الشتاء وهي ذات مردود اقتصادي جيد تقاوم ملوحة التربة بشكل نسبي، وتعتبر ثمارها مصدرا هاما للفيتامينات وتشكل غذاء هاما للإنسان ، وتعتبر شجرة الفستق الحلبي من الأشجار ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للاقتصاد السوري، ووفقاً لبيان منظمة الأغذية والزراعة (FAO) احتلت سورية المرتبة الرابعة عالمياً في إنتاج الفستق الحلبي بعد إيران والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ويشكل إنتاجها نسبة 10% من الإنتاج العالمي.

من الناحية النظرية والإحصائية فقد ازدادت المساحة المزروعة بأشجار الفستق الحلبي وبالتالي كان هناك زيادة بالإنتاج، وهذه الزيادة أتت نتيجة الجهود الخاصة للمزارعين، حيث لم تهتم الحكومات السورية بهذا المحصول السوري بامتياز والهام بالنسبة للاقتصاد السوري الاهتمام اللازم، فعلى سبيل المثال لم تُحدث دائرة خاصة للفستق الحلبي سوى عام 2006 عندما أحدث وزير الزراعة والإصلاح الزراعي عادل سفر قرار بإحداث مكتب الفستق الحلبي في حماة، إضافة لعدم الاهتمام من قبل مراكز البحث العلمي بشجرة الفستق الحلبي وأمراضها و الحشرات التي تصيبها، وعدم وجود وصل بين مناطق زراعته والمراكز العلمية ، ودراسة أسباب ظاهرة موت ويباس أوراق الفستق الحلبي حاليا ، ووجود ظاهرة المعاومة، وعدم إجراء تحليل التربة اللازمة من قبل المزارعين ما يؤدي إلى سوء توزيع في المعادلة السمادية اللازمة للشجرة ، والرش العشوائي للمبيدات الزراعية يؤدي إلى القضاء على الحشرات النافعة والمفيدة في المكافحة الحيوية والى ظهور سلالات مقاومة من الحشرات الضارة ، وعدم وجود المكننة اللازمة لمحصول الفستق الحلبي ( فرز ـ تقشير ـ تجفيف ـ تغليف ).

وعلى الرغم من أن شجرة الفستق الحلبي أصبحت مصدر اهتمام ورزق العديد من المزارعين إلا أن استمرار إهمال الدولة لهذه الشجرة وإنتاجها لم يتوقف، ولعل أهم مشكلة تصادف مزارعي الفستق الحلبي هو تسويق إنتاجهم، في ظل زيادة الإنتاج الذي يسبب تدني الأسعار لما دون التكلفة ، الأمر الذي يؤدي بالمزارعين للعزوف عن هذه الزراعات واستبدالها بزراعات أخرى ذات مردود أعلى حيث وصل التفكير ببعض المزارعين بشكل جدي لقلع الأشجار من البستان الذي بذل عليه من الجهد والمال كثيرا ليصبح بستاناً كاملاً ولكن لا يسد الرمق. ومن المفارقات بالنسبة لتسويق الفستق الحلبي هو اعتماد هذا المحصول الهام على سوق وحيد لتصريف المُنتج وهو سوق مورك في محافظة حماة، حيث تعتبر مدينة مورك عاصمة الفستق الحلبي في سوريا إلا أن سوقها لم يحظَ بالاهتمام الملائم لسمعة الفستق الحلبي، فيعاني هذا السوق من الازدحام نتيجة صغر مساحته وزيادة أعداد المزارعين والتجار وكثرة الآليات، كما يشهد السوق يومياً في أوقات الموسم حوادث مرورية, ومشاجرات, لعدم وجود خطة سير منظمة, تحدد جهات الذهاب والإياب، فيضطر الكثير من السماسرة لشراء الموسم صباحاً ولا يستطيعون تحميله إلا مساءً, بسبب الازدحام الشديد وكل كيلو من الفستق الحلبي يخسر حوالي عشر ليرات كلما تأخر وصول الإنتاج للسوق.

والمستغرب بالأمر هو عدم ظهور أي اهتمام حكومي بوقف استيراد الفستق الحلبي من خارج سوريا لتخفيض العرض وبالتالي زيادة الأسعار، ولكن عندما نعلم بأن استيراد الفستق الحلبي موضوع سياسي أكثر من كونه اقتصادي يزول الاستغراب حيث أن المورد الخارجي الوحيد لسلعة الفستق الحلبي هي إيران، وقد بلغت واردات سوريا من الفستق الحلبي الإيراني في عام 2010 ما يقدر بـ /5782/ طن بقيمة /14.9/ مليون دولار أمريكي (حسب إحصائيات التجارة الخارجية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء). حتى في حال تصدير الفستق الحلبي فإن غالب عمليات التصدير تتم لتجار لبنانيين تابعين لشريحة معينة من المجتمع اللبناني يقدم لهم تسهيلات كبيرة، يقوم هؤلاء التجار بشراء الفستق الحلبي بأرخص الأثمان وشحنه إلى لبنان وتوضيبه وإعادة تصديره إلى أوربا كمنتج لبناني، وبهذا لا يستفيد مزارعي الفستق الحلبي من أي قيمة مضافة ناتجة عن عمليات التصنيع، كما أن الحكومات المتعاقبة لم تفكر أن تشجع أي مشروع صناعي لتوضيب وتعبئة الفستق الحلبي، ولذلك لم يتقدم أي مستثمر بمثل تلك المشاريع منذ صدور قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991.

الغابات الطبيعية: مسلسل الحرائق الطويل!

تنتشر الغابات الطبيعية في سوريا بمناطق عديدة وتمتد في شمال سوريا والوسط والجنوب وبعض مناطق شرق سوريا مكونة غابات رائعة يتخللها الكثير من ينابيع الماء والأنهار والبحيرات ومساقط المياه والشلالات، والغابات السورية غابات متوسطية (غابات البحر الأبيض المتوسط)، وتمتد الكثير من الغابات من ساحل البحر إلى أعالي الجبال كما في منطقة رأس البسيط في محافظة اللاذقية.

تتنوع في الغابات السورية الأشجار الحراجية كالأشجار عريضة الأوراق مثل البلوط والمخروطيات وأشجار السنديان والبطم وأشجار اللزاب والشوح والأرز، وتعتبر الغابات السورية موطناً طبيعياً للكثير من الحيوانات والطيور البرية مثل الخنزير البري و الثعلب والذئب والضبع المبرقع والغزلان والقط البري والنسر الأقرع والعقاب وغيرها، كما تحتوي غابات سوريا على الكثير من المواقع الأثرية وبعض القلاع ربما أشهرها قلعة الحصن.

بشكل عام تعتبر سوريا من البلاد الفقيرة نسبيا بالغابات الطبيعية تبلغ مساحة المناطق الحراجية في سوريا حسب إحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2010 / 582503/ هكتار، وتعتبر تلك المساحة من أراضي أملاك الدولة أي لا يجوز التعدي عليها أو التصرف بها أو تقليل رقعتها. وتمثل نسبة 3.14% من مساحة سوريا، وتحتل محافظة الحسكة المرتبة الأولى بنسبة تبلغ 15.91% من إجمالي مساحة الغابات، وتحتل محافظة اللاذقية المرتبة الثانية بنسبة تبلغ 14.64%.

بينما تحتل محافظة القنيطرة المرتبة الأخيرة من حيث مساحة الحراج بنسبة تبلغ 0.58%. ولكن في واقع الأمر فإن أرقام وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي تشمل الغابات الاصطناعية التي قامت الدولة بتشجير معظمه بشكل عشوائي مثل زراعة جبل قاسيون بأشجار الصنوبر التي تحتاج لنسبة رطوبة أكثر من 85% بينما تبلغ أعلى نسبة رطوبة سجلتها دمشق لا تتجاوز الــ 40%.

في حين تبلغ مساحة الغابات حسب إحصائيات وزارة الزراعة لعام 1991/ 731412/ هكتار أي انه خلال /20/ عام انخفضت مساحة الغابات حوالي /149/ ألف هكتار أي ما نسبته 20% من المساحة الإجمالية للحراج. وفي دراسة عن تراجع الغابات في سوريا أعدها بعض المختصين بينت بأن مساحة الغابات الطبيعية في سوريا تراجعت ما مقداره 30 % مقارنة عما كانت عليه في أوائل القرن العشرين أي أن ما فقدته الغابات السورية على مدار 20 سنة من حكم البعث يبلغ ثلثي ما فقدته الغابات السورية على مدار مئة عام.

أما عن الأسباب الحقيقية وراء تدهور المساحات الحراجية بالإضافة لإهمال تلك الثروة الوطنية فهو الحرائق، فعلى سبيل المثال وبحسب إحصائيات مديرية الحراج في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بلغت عدد الحرائق التي اندلعت في عام 2009 / 439/ حريق التهم /2555/ دونم من الغابات والحراج، أما في عام 2008 فبلغ عدد الحرائق /384/ حريق التهم /1891/ دونماُ، وكان عام 2007 الأشد وطأة بالنسبة للحرائق حيث اندلع /585/ حريقاً التهم /31/ ألف دونم من الغابات والحراج وغالبية تلك الحرائق مفتعلة في مناطق اللاذقية وطرطوس والغاب من قبل سكان القرى المجاورة لتلك الغابات، أما عن أسباب افتعال تلك الحرائق فهو بالدرجة الأولى التشجيع غير المباشر لنظام الأسد لأهالي تلك القرى من خلال تحويل أراضي الغابات التي تحترق لأراضٍ زراعية يتم زراعة الأشجار المثمرة فيها مثل الزيتون والحمضيات، (قبل أن يمنع هذا الأمر قانون الحراج رقم 7 الصادر عام 1994) وبذلك حظي أهالي تلك القرى بفرصة لزيادة ممتلكاتهم على حساب الغابات وأراضي أملاك الدولة، وبالدرجة الثانية الاستفادة من نتائج هذا الحريق وهو الفحم الذي يباع في الأسواق لزوم الاستخدام المنزلي بعملية تسمى التفحيم، وطبعاً تلك الحرائق تمتد في غالب الأحيان لمساحات كبيرة يصعب السيطرة عليها، بسبب إهمال حكومي في دعم جهاز الإطفاء في تلك المناطق فعلى سبيل المثال لا يمتلك هذا الجهاز أي طيران يساعد في إخماد الحرائق التي يصعب الوصول إليها، ولولا مساعدة الجانب التركي في إخماد الحرائق التي تندلع على حدودها لكان من المستحيل على جهاز الإطفاء السوري إخمادها، بسبب انتشارها الكبير الذي يعود إلى مادة الراتنج التي تعمل عمل المحروقات و تطاير مخاريط الصنوبر المشتعلة لمسافات طويلة.

بالإضافة لعمليات الحرق المفتعلة، استباحت طبقة رجال الجيش والأمن والمسؤولين من أهالي تلك المناطق تلك الغابات لتبني لنفسها قصوراً وفللاً في قلب الغابات فأصبح زائر المناطق السياحية في جبال اللاذقية مثل مصيف سلمى و رأس البسيط وكسب يرى قصوراً وفللاً تعود لضباط أمن ورجالات جيش ومسؤولين.

حجب وإخفاء المعلومات عن (الفاو)!

ولأجل إخفاء الحقائق فإن الحكومات السورية تمتنع عن تزويد منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة /FAO/ بأي معلومات عن الغابات السورية على عكس باقي دول العالم التي تزخر قاعدة بيانات تلك المنظمة بمعلومات عن غابات تلك البلدان.

وتكمن مشكلة حرائق الغابات وانحسار رقعتها بأن تأثير ذلك يكون على المدى الطويل ويمس الأجيال القادمة لسوريا، وأن محاولات إعادة تلك الغابات لما كانت عليه مهمة شبه مستحيلة، حيث ينجم عن زوال الغطاء النباتي العديد من المشاكل البيئية مثل التصحر وانجراف التربة والفيضانات السطحية وزيادة ترسبات في الأنهار والبحيرات، هذا غير الخسائر الاقتصادية الحالية التي تسببها حرائق الغابات، التي تعتبر من الدخل الوطني لأي دولة لما تشكله منتجات الغابات من قيمة مرتفعة سواء في الأسواق المحلية أم في الأسواق التصديرية.

ورغم ذلك وفي خلال الثورة السورية لم يتوانَ النظام عن استخدام أبشع الأسلحة في معاركه ضد الشعب الثائر في مناطق الغابات السورية، حيث أقدم متعمداً على قصف غابات الوطن والعمل على حرقها، وربما يذكرنا ذلك بالاحتلال الأمريكي لفيتنام الذي أحرق غاباتها ليكشف مواقع الثوار الفيتناميين، ولكن الجيش الأمريكي كان يقصف غابات بلد أخر غير بلده أما جيش النظام فإنه عندما يتسبب في حريق غابة فهو يحرق مستقبل البلد وحق الأجيال القادمة في بيئة نظيفة صحية، ولكن من رفع شعار "الأسد أو نحرق البلد" لن يتردد في حرق بضعة ألاف من الهكتارات.

وفي الختام هذه عينات بسيطة لما سببته هذه العائلة من دمار في هذا الوطن الجميل.. ولعل هذه الأمثلة غيض من فيض عن الثروات التي تدهورت في زمن هذه الأسرة التي ابتليت فيها سوريا، والتي عملت في المحصلة على تدمير الإنسان السوري ماضيه وحاضره ومستقبله.. فكانت هذه من أبشع جرائم هذا النظام التي لابد أن تُساق للمحاكم العادلة التي سيقيمها الشعب السوري الذي انتفض عن بكرة أبيه لينقذ ما يمكن إنقاذه من سوريا ويكاد المرء أن يجزم بأن تكلفة بقاء هذه الأسرة لعقود قادمة هو حتماً أكثر بكثير من التكلفة التي ندفعها في ثورتنا العظيمة للتخلص من هذه الأسرة.

* مهندس زراعي سوري

التعليقات (2)

    kl

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    ومن الأسباب أيضا التي لم يركز عليها المقال والتي تقف سببا رئيسا وراء هذا السلوك بتخفيض أسعار الفستق الحلبي والذي يصب في الأسباب السياسيه هو أماكن توزع زراعة هذا المحصول ووانتماءات أبناء هذه المناطق . ومهما حصل لاتجد نعويضات للمزارعين إلا من أصحاب البيوت البلاستيكه . وليس سوق الفستق هو المهمل بل كامل منطقة زراعته قياسا لما تقدمه للاقتصاد

    باهي

    ·منذ 9 سنوات شهرين
    شكرا لاورينت على هذا التقرير الرائع وننتظر المزيد من هذه السلسلة لثروات سوريا النفطية والغذائية
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات