4 سنوات على رحيله: حينما فكك عمر أميرالاي شيفرة النظام مبكراً!

4 سنوات على رحيله: حينما فكك عمر أميرالاي شيفرة النظام مبكراً!
تمر هذا الشهر الذكرى الرابعة للمخرج التسجيلي السوري البارز عمر أميرلاي: (1944- 2011) الذي رحل عن عالمنا في الخامس من شباط / فبراير عام 2011، قبل أن يشهد حلم التغيير الذي طالما حلم به، بعد أن فاضت أفلامه بأعمق التحليلات عن الواقع السوري الرث في ظل حكم البعث وديكتاتورية الأسد!

(أورينت نت)

في سلوكه اليومي لم يكن الراحل عمر أميرالاي سينمائيًا وحسب، بل كان أشبه بمنظّر عام للفن والمجتمع والسياسة، تحت عنوان أثير إلى قلبه ألا وهو السينما، حينما بدأ عمر أميرالاي مسيرته الطويلة مع السينما لم يكن في بلد ذي تقاليد فنية راسخة ومفهومة، بل كان من جيل اختلطت لديه وعليه المفاهيم طويلاً، مفاهيم كرست لسنوات وسنوات وتعرضت لانقلابات وتغيرات شتى ومتنوعة، فكانت مصيبة سوريا هي الكفر بكل ما جاء سابقاً هي المشكلة التي واجهت جيل الوعي السوري، ذلك الجيل الذي جاء إلى الدنيا في فترة الأربعينات والذي منه أتى أغلب مثقفي عصر سوريا الحالي.

اختلاط المفاهيم ذلك والتسليم بالمسلمات التي يأتي بها السياسي كانت هي المواجهة الأولى لأميرالي السينمائي فالرجل الذي واجه منذ البداية الشعارات وأراد ردها إلى معناها الصحيح وطرد الوهمي منها واجه الجدار عاريًا، فسوريا التي تعرض شعبها عبر السنوات الطويلة منذ فترة الاستقلال إلى غسيل مستمر ومنهجي للدماغ، اختلط الأمر لدى مثقفيها حينما حاولوا بداية تفكيك المجتمع لاستنباط واستنتاج فهم الذي يفترض أن ينبع من تجربة شعبهم، فما هي الثورة مثلاً؟ وما هي الحرية؟! و ماهو الاستقلال ومن هو القائد؟! ومن هو الحزب القائد؟! وماذا تعني الاشتراكية أو الوحدة؟!

ما هي هذه القيم في بلد شهد ثورة كبرى، يرى البعض أنها لم تفض إلى استقلال وطوّب أبطالها رموزًا للشعب، وشهد استقلالاً منقوصاً، وأكبر عدد من الانقلابات في العالم العربي والمنطقة ربما، وكل انقلاب في اتجاه سياسي وتوجه فكري، من الإمبريالي إلى السوفييتي إلى العروبي، إلى الوطني الديكتاتوري... ومع كل ميلان كان المجتمع يميل مع السلطة ، ومع كل منع وإلغاء كان المجتمع يخسر مكونًا من ثقافته المنفتحة أصلاً.

في فيلم (الحياة اليومية في قرية سورية ) 1974 يواجه عمر أميرالاي كمخرج وسعدالله ونوس كمعد، مسلمات المجتمع السوري التي كانت في بدايات تكريسها، فسنة إنتاج الفيلم كانت بعد 11عشر عامًا على إنجاز البعث ثورته في سوريا، تلك الثورة التي كان القائمون عليها مثل النطفة الأقوى التي استطاعت الدخول إلى قلب بيضة المجتمع إن صح القول، بعد عدد لا متناهي من النطاف السابقة المتمثلة بالانقلابات السابقة الكثيرة التي تعرض لها المجتمع السوري، وما إن وصلوا إلى التمكن من مفاصل المجتمع حتى حاولوا استيلاد جنين دولتهم على مقاسهم الخاص، مقاس أدركوا أن المجتمع لن يستكين لهم إلّا بضمان عنصرين أساسيين هما التعليم والجيش، أي الأستاذ والجندي، وكل ما عداهما هو معركة سهلة التحقق، سهلة الإنجاز.

ومن هنا حاول أميرالاي تشخيص الداء قبل إيجاد الدواء، فعرض في عدد من أفلامه الأسلوب التلقيني المباشر الذي يعتمد النقل وليس العقل في التعليم في سوريا الحديثة، ومن أوضح هذه الإدانات لمؤسسة التعليم التي واجهها أميرالاي، كانت في فيلمي (الحياة اليومية) و (طوفان في بلاد البعث )، حيث يشرح المخرج في الفيلمين تلك الشيفرة الداخلية التي زرعها البعث عميقًا في قلب المجتمع، في تجربة (ريادية) في كيفية الاستحكام بالمجتمع وقولبة عقليته من الجذر، من الأصول، فحينما يردد أساتذة المدارس عبر عموم البلاد نفس الشعار ونفس المقولات، يرددونها دونما هوادة آلاف لا بل ملايين المرات لخلق جيل يردد شعارات سياسية صباح كل يوم مدرسي، يرددون دروسهم كأستاذ فيلم (الحياة اليومية) مثل مانشيت عسكري رتيب، أو كمنهجية أستاذ فيلم (الطوفان) الذي يتحدث عن إنجازات الثورة العلمية والتقنية في غرفة لا يوجد فيها سوى صناديق حواسيب مرمية قرب الحائط الفارغ إلا من صورة الزعيم.

التعليم، ذلك (البعبع) الذي انتبه إليه دريد لحام فجسده على أنه عنصر الثورة في مسرحياته المرضي عنها من النظام، هو المحرض وهو الطرف الواعي للظلم وللحقوق.

استطاعت ثورة 1963 تدجينه بصمت ونجاح، واستطاع أميرالاي بحرفية ودهاء مبكر فك شيفرته الفاسدة التي أفضت إلى أجيال مؤدلجة سياسيًا أو دينيًا، أفضت إلى ما وصلنا إليه.

لم يكن عمر أميرالاي ليستخدم السينما إلّا لفهمه أن بث تلك الأفكار جهارًا سيؤدي إلى كوارث حصلت مع غيره، ولكنه بشجاعة لا سابق لها استطاع فهم أن السينما في بلادنا هي الأداة الوحيدة القادرة على مجابهة "ذكاء"، أراد من كل المجتمع أن يتحول إلى صدى لأفكاره!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات