بغض النظر عن صحة او عدم صحة هذا الهجوم وهذا النقد، بغض النظر عن المصالح والمعتقدات التي تقف خلفه، المعارضة لم تكن سببا في عدم سقوط النظام. كانت مشكلة تواجه الثورة. مشكلة من ضمن مشكلات عادية واقل من عادية تواجه أي ثورة، خاصة في مجتمع حكم بالفساد على كافة المستويات، والقمع على كافة المستويات أيضا. مجتمع لم تنهب خيراته وحسب بل نهبت انسانيته، بطريقة همجية. المجتمع السوري تحمل كل امراض السلطة الاسدية، كما أنه بالقمع وعوامل أخرى أقل أهمية، انتشرت فيه نتائج طرائق عمل السلطة اللاقانونية، طرائق تشكيل الولاءات وتصنيف البشر على أساس طوائفهم وولاءهم للسلطة. نضيف أيضا آليات عمل السلطة في أجهزة الدولة.
المحسوبيات والرشوة والفساد، علما أن الدولة وقطاعها تمثل رب عمل لأكثر من ثلث الشعب السوري. عندما يتحول الجيش بكل اجهزته ومؤسساته الى بؤرة توليد الفساد والتمييز الطائفي. حيث انتشر الفساد فيه بطريقة هرمية من الأعلى للأسفل، لو ألقينا نظرة على 90% من قادة الجيش وضباطه الذي يشكل 90% منهم من أبناء الطائفة العلوية من هؤلاء القادة والضباط، قد خرجوا من الجيش مليونيرات ورجال اعمال!!. أجهزة الامن أيضا حدث ولا حرج، حيث لم يتقاعد ضابط أمن في الثلاث عقود الأخيرة من عهد الاسدية إلا مليونيرا سواء كان تقاعدا متأخرا أم متقدما. استمراء الفساد والرشوة واللاقانون والتشبيح والتمييز الطائفي والولائي، كل هذا خلق تفسخا في النواة الوطنية الانتمائية للمجتمع السوري. اقصد لهذه السلطة بالذات وهذا المجتمع بالذات. هنا لابد من القول أن المواطن مع مرور عقود الاسدية بما هي تكثيف لكل ما ذكرت أعلاه، أصبحت الدولة بذهنه وسلوكه هي سلطة الأسدية.
هذا جانب من القصة شكل الحاضن لكل مستويات النشاط المجتمعي. الجانب الآخر من القصة هو تعامل هذه الأسدية مع المعارضة. صحيح ان عماد الاسدية في التعامل مع المعارضة هو القمع العاري والمباشر وقطع ارزاق المعارضين ومحاصرتهم هم وذويهم. لكن هنالك أساليب أخرى، مثل التمييز بين المعارضين في درجة القمع وشدته، حسب عدة عوامل تصل لدرجة أنها تختلف من ضابط أمن لآخر. اللعب على وتر الشعارات الجوفاء مع تيارات من المعارضة، خاصة فيما يتعلق بالعداء لإسرائيل والقضية الفلسطينية، والامبريالية!! إضافة لدور السوفييت مثلا في تفتيت التيار اليساري باتفاق مع الاسدية وتوجهات ما يسمى الحرب الباردة. حتى أن قسماً من هذه المعارضة، رغم كل جرائم الاسدية ورغم انكشاف مدى تورط إسرائيل وامريكا في تغطية الأسد وجرائمه، لازالوا يدافعون عن أنه نظام ممانع ومقاوم لإسرائيل!
كما لعب دورا في ذلك دور التيار الإسلامي في العالم العربي. الذي كان يرى في الاسدية سندا لمعارضتهم لأنظمتهم وإسرائيل. نالك مشكلة أخرى هي العلاقة البينية بين النظم العربية، وعلاقة هذا الامر بدعم معارضة النظام الآخر، مثال الصدامية والاسدية، ما جرته على المعارضة من ويلات. في فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات تحولت دمشق إلى مركز لكل المعارضات العربية. ليس المسألة فقط شراء ذمم بل ايديولوجيات، ومصالح سياسية متبدلة بين هذه الأنظمة دفعت هذه المعارضات ثمنها ومنها المعارضة السورية.
كان المعارضين السوريين يهربون من القمع إما للعراق او للمقاومة الفلسطينية واحيانا للاردن. مثال المطب الذي وقع فيه حزب العمل الشيوعي على سبيل المثال عندما دعم حركة انشقاق اسدية ضد منظمة التحرير وحركة فتح بقيادة عض منشقين عن عرفات. كنا كتلة لا نعد على أصابع اليد الواحدة التي وقفت ضد هذا الموقف. ليجد الحزب نفسه وكأنه يخدم الاسدية في صراعها مع المرحوم ياسر عرفات. يمكننا في الآخر تسمية امراض المعارضة كونها جزء من امراض الاسدية، التي تفشت بالمجتمع. على هذا الاساس يمكننا رؤية أن المعارضة السورية، لم تساهم في بقاء الاسد كما يحاول بعضنا ان يشيع، بل هي عبارة عن مشكلة واجهت الثورة كبقية المشاكل، التي يمكن تجاوزها لولا موقف النظام الدولي الاوبامي في حماية الجريمة الاسدية. هنا مربض الفرس في استمرار الجريمة الاسدية وليس مشكلة المعارضة، رغم كل امراضها.
التعليقات (2)