تغيّر الـ"دي أن أي" السوري

تغيّر الـ"دي أن أي" السوري
ليبحث مصائر البلاد على الصعيد الاستراتيجي خبراء الاستراتيجيا، وليحلل أهل السياسة الراسخون في العلوم السياسية والعلاقات الدولية التشابكات السياسية، وليغُص علماء الاقتصاد السياسي والجيوبوليتيك بقراءة الميزانيات وثمن البارود والنفط والنووي والدخل القومي للقارات، وليعد من يريد قراءة "فوكوياما" و"صموئيل هنتنغتون" ويخرجون لنا بنهايات مختلفة للتاريخ وصراع الحضارات.... كل هذا لا أريد ان أعرفه؛ ولا أمتلك القدرات النظرية التحليلية للغوص فيه؛ ما يعنيني هنا هو أن أنقل شريطا سجلته عيوني لحقائق تفقأ العيون وأصواتاً وجدت طريقها إلى أذني في دويّ لا يزول.

لقد دفع السوري ثمناً بلاحدود:

* قتل مستمر مساحته الزمنية أربعة سنوات دون توقف أو استراحة... تفنن الظلاّم بممارسته؛ يندر أن تجد له مثيلا بتاريخ البشرية.

* دمار ما شهدته البشرية إلا في الحرب العالمية الثانية؛ وحقائق سياسية صادمة تتكشف، تكاد تجعل المرء يعتقد ان دماغه كان في مكان آخر غير رأسه.

* عالم لا يغيب ذكر إجرام هتلر ونازيته عن لسانه؛ ولكنه يشهد ما هو أمر وأدهى دون أن يرف له جفن.

* عصابة برمجت اهل سورية طيلة عقود ليكرهوا إسرائيل وأمريكا وأهل النفط والرجعية و..و... و....؛ ليكتشف أهل سورية أن من أُريد لهم كرههم هم حماة قتلتهم.

* عصابة تسببت بكل هذا الخراب، ولا تزال تعتقد انها منتصرة. عصابة رئيسها رهينة بيد المحتل الايراني، ولا تزال تتحدث عن "حب الشعب".

* شعب - بما فيه من لا حول ولا قوة له الا الاستسلام لإرادة العصابة المريضة- لم يعد يتعرف على مفردة الحب أو ما تعنيه.

بعد أربع سنوات، ينظر السوريون إلى أنفسهم وكأنهم يرون أنفسهم للمرة الاولى... بالكاد يتعرفون على هذه الروح الجامحة التي بدت لها الكرة الارضية وكأنها كرة قدم لطمتهم على وجههم، ولا زالوا في حالة دوار.

ينظرون إلى قاتلهم يرونه خلطة من الداعشية القديمة والحديثة والمستجدة.

ينظرون الى دكانة بان كيمون فيرونها ماخوراً يبيع لحما مترهلا وسللاً غذائية متعفنة وقبعات زرقاء مصنوعة من الكلور والسيرين المجاني، ينظرون الى مخيماتهم فيسمعوا انينا بلون رائحة سقيفة بني ساعدة وحكاية آل عمران. لقد سقط سقف سقيفة بني ساعدة، عندما تم التآمر على آل عمران بوعد بالجنة مقابل الصبر.

طوّر السوري فهما واحساسا وحساسية خاصة تجاه مشتقات مفردة "وطن" الى درجة المرض . هتك العرض بالنسبة له كالمس بوطنيته، ولكن عبارة إعادة توطين resettlement”" في الداخل وكذلك في الخارج تتحول إلى هاجس بفضل نسف الوطن.

ربع مليون سوري حولتهم العصابة الى مقيمين في مقابر يسميها معتقلات. كل واحد من الربع مليون يشكّل نغصة وإذلالا لعشرات؛ هكذا وجدت العصابة الطريقة الأفعل لكسر إرادة اهل سورية. كل يوم يقضي بعضهم تحت التعذيب؛ تصل اخبارهم للأهل فيدفنون انفسهم مع بطاقة الهوية التي يذهب اخ او أب الشهيد لجلبها من عند ابطال " المقاومة والممانعة " وتصل أخبارهم للعالم ويكون منشغلاً بنووي الملالي ونتنياهو وبوتين.

ما أمتلك أحد مخيلة أو قدرات خارقة ليتصور أو يتوقع كل هذا.

***************

بعد أربعة أعوام وبمن بقي على قدمين أو بقي تحت سقف ... له أو استعارة... داخل الوطن أو خارجه؛ وبعد آلام ومواجع بلا ضفاف، لازال السوريون يستهلكون من أوكسجين الكوكب أضعاف ما كانوا يحتسونه بالقطارة. لا زالوا الاغنى؛ والكل دائن ومدان: دفعوا فاتورتهم وحاسبوا عن عقود قادمة من زمن الحرية والبناء والازدهار لبلد لا يعرف الموت ولا يعترف به. دمشق التي شهدت وطوت حضارات وحاضرات غير قابلة للموت. زادت خلايا السوريين، وشيفرة (الدي أن أي) عندهم تحتاج الى دراسة جديدة. لابد من تفصيل إنسان الغد كسوري.

السوري الجديد هذا دَرَسَ ملف الفلسطيني والعراقي والفيتنامي إضافة إلى ملفات كل الانبياء؛ وسيخرج بتوليفة تمر على ساحة طهران وتنظر باحتقار الى صورة الخميني، وتشد على يد الايراني الذي آن الاوان ان يقول للملالي ذبحتمونا نريد ان نعيش لنكون سوريين. سيمر على الضاحية الجنوبية في لبنان ويستذكر ان في هذا المكان في الزمن الغابر كان هناك من اعتدى على الله وتكنّى باسمه، ولكنه التحق بعاد وثمود. وسيمر ببغداد ويجدها قد هدأت بعد رحيل الملالي وبائع الالبسة الداخلية. سيحضر أعراسا في بعض الدول العربية ويجد فرحا بلا عرسان؛ واهل الفرح يحنون رؤوسهم خجلا منه.

الاهم من كل ذلك سيعرف كيف ينتصر على محتل ارضه لأنه حر. سيعرف كيف يطالب ويحصل على حقه. لن يهدد او يتوعد أو يشتم العدو فوق الطاولة؛ وتحتها يتمتع بتسخيمه لمجرد أنه يبقيه على الطاولة. سيصادق بنبل ويحصل على حقه بشرف لأنه حر. ولأنه حر، سيفكر ويخطط ويعمل ويتكلم ويعيش بشكل مختلف . كل ذلك كان ممنوعا عليه. ناله، ولم يُوهب له. ناله بدمه بدموعه بصبره بعمله بعقله بقوة الله. لن يكون قابلا إلا للتألق.

آن أوان التخرّج.

التعليقات (5)

    د. فـراس حـمــدان

    ·منذ 9 سنوات شهر
    نـعـم ، يـا دكـتـور يـحـيـى ، تـلـك هـي مـلامـح الإنسـان الـسـوري الـجـديـد ، بـعـد أن شــوهـها الـمـغـرضـون وطـمـروهـا بالـشـعـارات الخـلّـبيـة مـن أجـل أن يـغـطـوا حـقـيـقـتـهـم الاسـتـبـداديـة الـنـهّـابـة لـلـبـلاد والـشــعـب . أعـانـك اللــه ياشـعـب ســوريـا وأنـت تـواجـه نـظـامـا لا حـدود لاسـتـعـداده للـقـتـل والـتـدمـيـر والتهـجـير.

    سوري اخر

    ·منذ 9 سنوات شهر
    لك تسلملي يا يحيى بيك وهي بوسة على قول دكتور اخر : تموت الدنيا ولا يموت اهل الشام

    ابو ناصر الشامي الاموي

    ·منذ 9 سنوات شهر
    بارك الله بالانامل الالماسية التي كتبت هذا المقال الصادق المعبر والنابع من قلب فطره الحزن والاسى لما يحدث في منبع الحضارة الانسانية بسبب مجرم معتوه سايكوباث غطى وحمى اجرامه رئيس دولة عظمى وهي ليست روسيا بل امريكا برئيسها [المهدي المنتظر للملالي] والذي لا يهمه الا ابرام اتفاق نووي ولو اضر بمصالح اصدقاء امريكا وحليفتها اسرائيل فمشكلتنا كسوريين هي مع اوباما [فاقد الضمير] والحامي الحقيقي لمعتوه القرداحه

    سوري

    ·منذ 9 سنوات شهر
    الطاغية سيزول ,السوريون سيعودون الى ديارهم ,الظلام سيزول ,وشمس بلادي ستسطع ,لقد وضع السوريون تاريخ ثورات العالم خلفهم ,وعلموا العالم كيف يهلك الطواغيت كما علموهم الابجدية الاولى

    عمار الحلبي

    ·منذ 9 سنوات شهر
    لافض فوك .....تسلم هل الانامل بارك الله فيك عاشت سورية حرررررة ابية بدون الاسد عاشت سورية ومات الاسد الانسان السوري الجديد
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات