دَرعـَـــــا: مَهـــد الثورة والثوار!

دَرعـَـــــا: مَهـــد الثورة والثوار!
لو خُير لأحد أن ينتقي (شخصية الأسبوع) في ذكرى انطلاقة الثورة، من بين آلاف الصور والوجوه للأمكنة والبشر وتذكارات التضحية والثبات، فلن يجد أفضل من مدينة (درعا) مهد الثورة السورية... كي يرسم لها صورة، ربما تختصر الكثير من ملامح الثورة في شرارتها الأولى... تلك الشرارة التي أطلقت ثورة السوريين عالياً، ونقلته من الهمس إلى الصراخ، ومن الهتاف والتصفيق إلى الجَهر بقول الحق.. ونداء الكرامة!

في الثامن عشر من آذار 2011 بدأت الأحداث بسقوط أول الشهداء فيها (حسام عياش) ثم (محمود الجوابرة)... كان الدم الحر هذه المرة غالياً، بخلاف الدم الرخيص الذي كان يستبيحه النظام في زمن الصمت، في أقبية التعذيب والمعتقلات، حيث يدفن من يقضون بصمت، ويتحاشى حتى أهاليهم الحديث عنهم... هذه المرة قالت درعا: أبناؤنا أغلى من أن نصمت عن المطالبة بهم... وأطفالنا الذين خطوا عبارات التغيير العفوية على جدران مدرستهم، لن نهبهم لجلاديكم كي يتسلوا بإذلالهم... فقد شكل دم الشهيد... نقطة اللاعودة في ثأر الكرامة الحوراني... فما قبل سقوط الشهداء واعتقال الأطفال ليس كما بعدها... ونادت حوران فلبت سوريا كلها النداء!

حمل السوريون في مدنهم المختلفة مظالمهم القديمة، وقهرهم القديم، ومعاناتهم الطويلة مع استبداد وبطش وصلف وجبروت العائلة الأكثر انحطاطا في التاريخ السوري (عائلة الأسد) وقالوا: لبيك يا درعا.. من بانياس إلى حمص فدوما فالمعضمية هتف السوريون لمهد الثورة بالروح بالدم نفديك يا درعا بعد أن كانوا يفدون جلادهم مرغمين لعقود!

(يصرخ ينادي يا هالوقعة

ينده ماهر وشاليش و يجمع زلمه و يسأل جمعه

ويلكم وين علقنا ليش

ولك انت علقان بدرعا)

تختصر تلك الأبيات الشعرية المحكية من قصيدة (معليش درعا معليش) الشهيرة في تاريخ الثورة السورية، والتي تتحدث بلهجة أهل حوران شيئاً من الصراع الذي فجرته الثورة السورية في مهد انطلاقتها درعا... فهذه المرة استفاقت عصبية المظلوم من أقصى أعماق القهر، وصارت وقعة الظالم هي بداية النهاية في وقعة الظلم الأخيرة... مهما استطال بقاؤه!

درعا، المدينة الضاربة في عمق التاريخ (القرن الرابع عشر ق.م) والتي تعتبر من أقدم المدن السورية، تمتد فوق سهل حوران وتعتبر عاصمته وتضم تاريخياً ثلاث محافظات هي درعا والسويداء والقنيطرة، تغنى بها الشعراء قديما باسم (أذرُعات)، وحلّ بها أشهر علماء الأمة كالنووي، ابن قيم الجوزية، وإبن كثير، والشاعر المعروف (أبو تمام).

وجهت درعا صفعة مدوية لنظام الأسد، فمن مدينة يأمن النظام جانبها قبل آذار عام 2011 بأيام قليلة، إلى أول مدينة ثارت في وجهه بكرامة ونخوة أهلها ضد تصرفات (الغول) الأمني للنظام ممثلاً بعاطف نجيب، رئيس الأمن السياسي في المدينة آنذاك، وابن خالة بشار الأسد، الذي نكّل بوحشية مفرطة بأطفال حوران.

أول شهداء الثورة من درعا، وأولى الانشقاقات عن جيش الأسد من درعا، وأول من هتف بإسقاط النظام هم أهل حوران، فاستحقت حمل راية الثورة، وما زالت.

شكلت مدينة درعا درعاً حامياً للثورة عسكرياً، فقد ذابت جميع الألوية والكتائب والجبهات سوية تحت هدف واحد عريض هو "إسقاط الأسد"، ولم تشهد أية خلافات على مستوى مؤثر فقد انصهرت الخلفيات التي يأتي منها كل فصيل في مشهد تحسد عليه درعا، وطالما امتدح السوريون ثوار درعا والذين كتبوا مرارا على صفحات التواصل الاجتماعي وقالوا عبر وسائل الاعلام: "لو توحدت فصائل الثورة المسلحة أسوة بثوار درعا لسقط الأسد منذ العام الأول للثورة".

درعا بوابة دمشق، يخشاها النظام، ولم يعد بمقدوره الوقوف في وجه المد الثوري مؤخراً حين بات وصول الثوار إلى العاصمة قريباً، فأتت الأوامر من ملالي (قُم) الإيرانية بإرسال قائد الحرس الثوري الإيراني ونخبة من ضباطه بالإضافة إلى آلاف المرتزقة الشيعة لمواجهة ثوار درعا، منعاً لربط محافظتي درعا والقنيطرة مع بعضهما وتشكيل جبهة موحدة تطيح بالأسد.

ولكن المدينة التي حُصّنت ذات مرة لمواجهة غزو الفرس في عهد الامبراطور البيزنطي (أنستاسيوس الأول) عام 506م, ما زالت محصنة حتى اليوم لتذيق الفرس ويلات مطامعهم وستبقى كذلك حتى تحرير سورية من الاحتلال الإيراني.

وصف ياقوت الحموي (أذرعات) درعا حالياً، في القرن الثالث عشر في كتابه (معجم البلدان): "حوران كورة واسعة من أعمال دمشــق في القبلة، ذات قرى كبيرة ومـزارع قصبتها بصرى ومنها أذرعات وازرع وغيرهما".

"العمرية" صاحبة المسجد العمري الشهير والذي قصفه الأسد، وهو مسجد منسوب إلى اسم الخليفة الراشدي (عمر بن الخطاب)، الذي أقام قريباً من المدينة في طريقه لتسلم مفاتيح بيت المقدس، ويردد ثوارها كثيرا عبر مقاطع الفيديو: "درعا شعلة الثورة يا أسد.. درعا لن تركع يا أسد.. ستبقى مقبرة لأسيادك الإيرانيين"، حتى أصبحت تلك العبارات مخزونا ثريا من الكرامة والكبرياء السوري.

بعد أربع سنوات مضت... وسنة خامسة تأتي...

درعا ما زالت مهد الثورة والثوار الأكثر نقاء... متماسكة، قوية، حنونة على أبنائها، عصية على قوات الأسد وميليشياته الطائفية الشيعية المساندة له من إيران ولبنان واليمن وأفغانستان، وقد توافدوا إلى قراها ومدنها يحاولون إطفاء الثورة التي حققت إنجازاتها الكبرى في حوران عام 2014 بتحرير العديد من البلدات وقطع شريان النظام فيها.

ما زالت درعا بسواعد أبنائها تقاتل، تذهل أخوتها من السوريين الذين تفرقوا في بعض المناطق، بتوحد فصائلها المسلحة وثوارها تحت راية الثورة... التي استشهد تحتها الآلاف من أبناء حوران وإعلامييها وخيرة شبابها... ورغم كل العوائق التي مرت بها باقي المدن السورية.. فدرعا ما تزال تشع بالأمل الأجمل، والعزيمة الأبقى... عزيمة البدايات حين تكمل القصة وتنهيها!

التعليقات (4)

    أحمد الحوراني

    ·منذ 9 سنوات شهر
    تراب حوران خصب هواء حوران نقي مياه حوران عذبة رجال حوران شجعان حرائر حوران مضحيات اطفال حوران ثوار شيوخ حوران تاريخ مشرف. هكذا ارض طيبة و هكذا شعب مؤمن لاينام على الذل و القهر لابد أن ينصره الله ولابد ان يدحر الجلاد و المعتدين والغزاة الفرس. والله كلما سألت أهلي عن حشود سليماني و مرتزقنه قالوا "الله جابهم الى الموت بارجلهم" الشعب السوري واحد وسينتصر على الغزاة.

    درعا أمي

    ·منذ 9 سنوات شهر
    الله محيي رجالك يا حوران

    عماد الخموي

    ·منذ 9 سنوات شهر
    درعا هي المكان الوحيد الذي زاره الرسول صلى الله عليه و سلم خارج جزيرة العرب و المسجد الأقصى و ما بدأ في درعا عام 2011 سوف ينتهي بفتح القدس و تحرير فلسطين باذن الله قريبا جدا جدا

    سام اوديس

    ·منذ 9 سنوات شهر
    افيقو من هذا الحلم فما يبين الحلم والحقيقه شعره عودو لمحبتكم لتسامحكم لحكمائكم لا زال هناك متسع من الوقت
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات