الخلاف الاسرائيلي الأميركي.. هل هو حقيقة أم تنسيق جديد

الخلاف الاسرائيلي الأميركي.. هل هو حقيقة أم تنسيق جديد
ربما تفاجأ الكثير من المتابعين لقضايا الشرق الأوسط حينما شاهدوا الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن في الفترة الأخيرة.. حينما تجلّى الخلاف الاسرائيلي الاميركي بأعلى صوره... ولكنها ليست المرة الأولى التي تصطدم السياسة الأميركية الخارجية بالسياسة الاسرائيلية الداخلية... فعبر أكثر من سبعين سنة من عمر دولة اسرائيل ورعاية الولايات المتحدة لها... وقع الطرفان في أكثر من خلاف.. إثر العديد من المنعطفات السياسية في المنطقة عموماً.. من مثل حرب 56 وحرب لبنان والاجتياح الاسرائيلي وأزمة الانتفاضة الثانية..

ولكن يبقى الثابت الأميركي المقدس واضحاً، ألا وهو أن أمن اسرائيل هو الخط الأحمر الذي يجب على جميع سياسيي أميركا من الحزبين الرئيسيين وغيرهما الوقوف عنده مطولاً..

ولكن يبدو للمراقب الخارجي بأن الخطين السياسيين المتعايشين منذ عقود قد بدأا بالافتراق، فخطاب نتنياهو الأخير في الكونغرس الاميركي أمام الطبقة السياسية الحاكمة في اميركا والعالم وعدم حضور الرئيس الاميركي باراك اوباما للخطاب الذي عادة ما يحضره الرئيس نفسه مترافقا مع غياب نائبه جو بايدن الذي يتولى رئاسة الكونغرس وأكثر من ستين شخصية من قيادات الحزب الديمقراطي نفسه، بل ذهب الشقاق الى تصريح الرئيس نفسه عن أنه لم يشاهد الخطاب بل قرأ نصه المكتوب ولم يجد فيه أي شيء جديد.

ولكن بقراءة متمعّنة في الخطاب الاسرائيلي الذي ألقاه نتنياهو في مبنى الكابيتول من وجهة النظر المعادية للسياسة الايرانية في المنطقة العربية، أي من حلف الاسلام المعتدل الذي يضم عدداً من الدول العربية والمعارضة السورية، يجد أن هنالك تطابقاً في الرؤى يكاد يكون كاملاً ففي التفاصيل تحدث نتنياهو عن أن النظام الايراني نظام توسعي عدواني يحتل أربعة عواصم عربية وسيحتل المزيد منها إن لم نوقفه عند حده، تحدث أن تنظيم داعش والنظام الايراني هما وجهان لعملة واحدة وأنهما نظامان ارهابيان يريدان نشر الفتنة والدمار في المنطقة، ينتهكان حقوق الانسان على حد سواء... تحدث ان ترك المجتمع الدولي لإيران في سعيها لامتلاك قنبلة نووية لن يفيد إلّا في دعمها في التخريب والتدمير الممنهج للمنطقة.

ورغم كل هذا، فإن (إدارة) باراك اوباما الذي يعمل تحت رقابة الدولة العميقة الاميركية والتي تعمل بدورها بإشراف اللوبيات اليهودية المسيطرة على الاعلام والاقتصاد ومراكز البحوث والقرار في الغرب عموماً.. لا يزال يدعم الاتفاق النووي مع ايران.. والذي لن يتطرق حسب خطاب نتنياهو الى سلاح الصواريخ الايراني ولا الى تفكيك أو تدمير البنية التحتية الايرانية في المجال النووي، بل الى تركها هذه البنية رهينة أيّ تطوير بسيط لإنتاج القنبلة النووية التي يراد منها جعل ايران كوريا شمالية جديدة غير قابلة للمس وفرض شروطها كافة على المنطقة.

إن إدارة باراك اوباما تعلم علم اليقين نوايا ومخططات ايران، ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة نفسها تنسّق مع ايران في العديد من القضايا مثل قصف داعش عندما اقتربت من أربيل والتنسيق الأمني الكبير في الحرب ضد طالبان وضد التنظيمات الاسلامية في سوريا والعراق.. ويقول آخرون إن اوباما يبحث عن شرطي اقليمي جديد لضبط المنطقة أمنياً في مواجهة الارهاب.. ويقول آخر إن تصريحات جون كيري وزير الخارجية الاميركي بأن اميركا مضطرة للتحاور مع بشار الاسد في نهاية المطاف من أجل ايجاد حل سياسي للأزمة في سوريا.. تصب في نفس النظرية التي تنص على أن أميركا تقبل حالياً أن تلعب دور الشرطي السيئ تجاه شعوب المنطقة التي لا تحبها ولا ترتاح لها أصلاً في مقابل أن تلعب اسرائيل دور الشرطي الجيد الذي ينضم الى شعوب المنطقة ويكون هو الرجل القوي في مواجهة المغامر الايراني الطائفي الذي لا يمثل شعبه وإنما هو نظام ديكتاتوري إرهابي يجب إسقاطه.

إن تركيب هذه المعادلة يجعل الامور تصبح جلية وواضحة في فهم الخلاف الاميركي والإسرائيلي الذي لا يقنع طفلا صغيراً ولا يصدقه عقل أي طامح مراهق يعول على مواجهة اميركية اسرائيلية بسبب الملف النووي الايراني ، وإنما الامر لا يتعدى كونه تنسيق أدوار بين حليفين وثيقين، تلعب فيه إيران دور البطل الشرير من أجل إيجاد حل واحد واضح وجذري لمعضلة الشرق الأوسط التاريخية والمتمثلة سطحياً بالصراع العربي الاسرائيلي العسكري ومنهجياً بالعقلية العربية الكارهة والرافضة للكيان الاسرائيلي حتى لو وقعت الانظمة العربية اتفاقيات سلام دون موافقة شعوبها... كما حصل في مصر مثلاً.

إن الادارة الاميركية الحالية هي من أذكى وألمع الإدارات الاميركية المعاصرة والتي تعمل على تغيير آلية التفكير العربية من الجذر لمعالجة الأمور من الداخل بدل اللجوء إلى حلول سطحية قسرية تقوم على جلب الحصان إلى الماء، ولكنها لا تقدر ان تفرض عليه شرب الماء الاسرائيلي، بينما حينما تجد الشعوب العربية أنه ليس في المنطقة جهة قوية تقف معها في مواجهة المذابح التي ترتكبها ايران في المنطقة في سوريا ولبنان والعراق واليمن والتهديدات المتوقعة في البحرين والسعودية ومصر تحت نظر وسمع اميركا نفسها، بل حينما تجد الشعوب العربية ان الولايات المتحدة التي تدّعي المواجهة مع ايران ستبيعها في الصفقة النووية التي ستسمح لإيران بالسيطرة على المنطقة في مقابل تنازلات نووية ورفع العقوبات الاقتصادية التي تنهك الاقتصاد الايراني.. وأن اسرائيل الدولة العدوة تاريخياً هي من تقف الى جوار هذه الشعوب اليتيمة المظلومة، لا بل وتعارض هذا الاتفاق من على أهم منبر في العالم يحدد السياسة العالمية..اأا وهو منبر الكونغرس الاميركي.. فإن تلك الشعوب ستبدأ في مراجعة مفاهيم ومسلمات تربت عليها متعلقة في ترتيب أولويات العدو والصديق والحليف والداعم..

إن سياسة الولايات المتحدة تعمل بعمق ومنهجية وصبر على بلورة العقل العربي من جديد، هذا العقل الذي ترك نهباً لأفكار أحزاب شمولية قمعت الشعوب عسكرياً وتركت له مخارج دينية بحتة تفضي الى ذات الاستبداد.. ولكن بشكل جديد.

التعليقات (2)

    ثناء الامام

    ·منذ 9 سنوات شهر
    مقال جد مهم .. قراءة استشرافية ممتازة

    msm

    ·منذ 9 سنوات شهر
    الذي حدث مع داعش يحصل الآن مع الدول العربية يضيقوا عليهم ويتصور العرب انة يوجد خلاف بين us و اسرائيل ليضعوهم في الزاوية بدون مساعدة امام ايران حتى يجبروهم للتعاون مع إسرائيل. الذي يتعاون مع اسرائيل ضد ايران يكون من اغبى الأنظمة ليسوا بحاجة لإسرائيل لمحاربة ايران عندهم العدد و العدة و لكنهم بحاجة للقرار و ان لايخافوا من احد, كم نتمنى ذلك ؟
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات