تقارب أم تقاسم نفوذ؟!
لكن رغم هذا علاقة الأبوجية مع النظام لا تزال موضع شك بالنسبة للعديد من الأشخاص في الوسط الشعبي الكردي خاصة الناشطين المستقلين، وأيضاً المتعاطفين مع البرزاني، فهم يزيدون حملتهم الإعلامية ضد "الأبوجية" ويصفونهم عملاء النظام عندما تتدهور علاقتهم مع البارازني، ويخف هذا الاحتقان وتزول تلك الاتهامات عندما تكون هناك بوادر التقارب بين البرزاني والأحزاب التي تتبعه في سورية وبين قادة الأبوجية، ويصبح العمل تحت عين نظام الأسد تهمة لا تستحق أن تُثار!!!
المفاوضات التي تجري الآن بين الأحزاب الكردية البرزانية والأحزاب الأبوجية والتي يعتقد بأنها تهدف لتأسيس مرجعية كردية مشتركة، ترمي في الواقع وبمعنى أدق، إلى تقاسم النفوذ في المناطق التي يقولون عنها بأنها "كردية" أو "جزء من وطن كردي"، وذلك على حساب إهمال كامل للمكونات الأخرى في تلك المناطق... وهذا جزء من نشاط يحدث في القامشلي تحت عين النظام، فضلاً عن أنه تم عرض خارطة لمناقشتها بين تلك الأحزاب وتمثل المدن والبلدات التي يجب أن تضمها المناطق الكردية المفترضة في سورية وسنتعرف عليها في الحلقات القادمة بالتفصيل.
أخطاء وقع بها أكراد سورية!
السواد الأعظم من أكراد سورية والمستقلين ايضاً هم من المتعاطفين مع البرزاني، وللبرزاني عندهم قدسية خاصة تشبه قدسية القادة القوميين العرب في الخمسينات والستينات التي نتلمسها في الافلام الوثائقية التي تحاكي مرحلتهم! يعتبرونه القائد الأعلى الجدير بالثقة والزعيم الملهم ويلتقطون كل ما يقوله، ويحاولون تقليد خطابه وتمثيل تجربته، وإسقاطها على الواقع السوري "المختلف بطبيعة الحال" وهذه من المصائب والأخطاء التي وقع بها أكراد سورية، خاصة بعد هبوب الرياح الدولية لصالح البرزاني واشتراكه فيما يسمى "الحرب على الإرهاب" والذي مهدّ له الطريق أمام التوسع في المناطق المتنازع عليها مع الحكومة العراقية المركزية واعتبارها مناطق كردية بحكم الأمر الواقع، وهذا ربما ما سيبقي الباب مفتوحاً لجميع الاحتمالات على اعتبار أن كركوك الغنية بالنفط ضمن هذه المناطق المتنازع حولها والتي يريد البرزاني جعلها ضمن إقليمه وقد صرح بذلك في حزيران 2014 عندما قال " إن دخول قوات البيشمركة الى محافظة كركوك انهى المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها" (1)
لا تجعلوا الدولة الكردية بُعبُعْ الشرق!
سبقَ لي أن كتبتُ مقالاً حزيران من العام الفائت يحملُ هذا العنوان (2) ، وكنتُ أقول قناعاتي في هذا الموضوع وهو أنه في ظل استمرارنا على الانقسام في الشرق على أسس قومية، وعدم مقدرتنا على النهوض بشكل من أشكال الاتحاد على نحو تجربة الاتحاد الأوربي مثلاً ، وفي ظل وجود دول لقوميات الشرق؛ فإن الأكراد من حقهم أيضاً أن يكون لهم الكيان القومي الخاص بهم على الأراضي التي تمثل مناطق توزعهم الطبيعية الذي لا يختلف عليه أثنان . وقد ضربتُ مثلاً على ذلك شمال العراق التي تتوفر في محافظاته الثلاث: "اربيل، السليمانية، دهوك" وهي مناطق الحكم الذاتي، البيئة المناسبة لإقامة كيان كردي، والشعب العراقي الذي تردَّدَتْ على مسامعه لفظة كردستان الجغرافية في شماله منذ مئات السنين هو متقبل للموضوع بل بحسب ما اتوقع ، إلا أن المشكلة تكمن في أطماع الأكراد الممتدة إلى خارج مناطق الحكم الذاتي ، وتتعداها نحو المناطق ذات الاهتمام المشترك والتنوع السكاني وعلى وجه التحديد تلك الغنية بالنفط ، والأطماع بالسيطرة والنفوذ والقوة والثروة هي أمور لا نلوم الأكراد عليه مع ما تمثله كركوك من أهمية بالغة الأهمية في هذا الصدد على المستوى العالمي، لكننا نتحدث عن الإطار "التاريخي" والقانوني الذي ينفي أحقية إقليم كردستان العراق في كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها والتي يشكل الأكراد في بعض مناطقها "أقلية" كنينوى و كركوك .
على خُطى البرزاني
المتتبع للشأن الكردي في سورية والعراق سيلحظُ على الفور مدى التطابق بين خطاب الأحزاب الكردية في سورية المتمثلة اليوم بالمجلس الوطني الكردي وهي أحزاب " برزانية" إذا ما استثنينا جماعة حميد درويش المحسوب على جلال الطالباني ، وبين الخطاب السياسي لأكراد شمال العراق، فالتشابه بالاسماء والمباديء والاهداف وحتى الدعاية الإعلامية التي تبالغ في المظلومية هي ذاتها، واستخدام التهم الجاهزة لكل من يرفض خطابهم هي ذاتها وخاصة إذا كان من قومية أخرى ، فتارةً تهمته "بعثي صدامي" وتارةً "شوفيني" وأخيراً باتت التهمة الأكثر رواجاً هي "داعشي".
أيضاً إرهاصات "الأعداد" للأكراد و نسبتهم في البلدان التي يعيشون فيها تشكل لدى الأحزاب القومية هاجساً وظاهرة سمتها الأساسية المبالغة بالأعداد بشكل مضطرب سواء في سورية أو العراق أو تركيا ، ففي سوريا مثلا يمكنك أن تسمع تصريح لسياسي كردي يقول بأن أبناء جلدته أكثر من مليون ونصف نسمة من سكان سورية وآخر سيقول 3 ملايين بينما ستسمع من يقول أن عددهم 6 ملايين !
التشبث بمصطلحات مُحدثة وذات مدلول سياسي يمكن أن تقرأه في الخطابات والبيانات والأنظمة الداخلية للأحزاب الكردية بشكل متكرر ومتشابه ، فتسمع دوماً بعبارة " الشعب الكردي شعب اصيل يعيش على أرضه التاريخية" ، الفيدرالية مطلبنا ، الحقوق القومية الكردية ، الحكم الذاتي للأكراد، المناطق "الكردية" ، كردستان الغربية ، كردستان الكبرى ...الخ". ثم تتكرر الأسطوانة التي مفادها أن واقع الأكراد الحالي هو نتيجة مؤامرة دولية قُسَّمت بموجبها كردستان الكبرى إلى اربعة اقسام ضمن اتفاقية سايكس – بيكو واتفاقية سيفر سنة 1920 دون أن يستطيع أحد إثبات ذلك من نصوص أي معاهدة. لا ننسى مفردات المظلومية التي يبالغ بها الناشطين الأكراد على نحو يصوّرهم أبداً ودائماً تحت هولوكوست على نحو " قتل الأكراد ، كره الأكراد ، محاربة الأكراد ، اضطهاد الأكراد ، الإبادة العرقية ضد الأكراد" حتى وصل الأمر لبعض الساسة الأكراد ومنهم أحد الأكاديميين إلى اعتبار حادثة حريق سينما عامودا في الستينات "محرقة ضد الأكراد" ، علماً أن شهود تلك المرحلة أكدوا بشهاداتهم ومذكراتهم أن الحادثة وقعت نتيجة عدم أخذ تدابير وقائية ولم يكن شيء منها مدبَّر فضلاً عن أن الضحايا كانوا من جميع مكونات المجتمع من عرب وأكراد و السريان بمن فيهم أبناء ممثلي السلطة في ناحية عامودا آنذاك.
ماذا يريد البرزاني ؟
البرزاني رجلٌ يمتلك كاريزمية مميزة ويحملُ أسماً كبيراً هو أسم والده " ملا مصطفى البرزاني" ، وقد قدَّم كل ما يستطيع تقديمه في سبيل جعل الدولة الكردية أمر واقع.
نشأ مسعود في حُجر والده الملا مصطفى ، وتنقَّل معهُ في الجبال أثناءَ حربه مع صدام حسين ، وكان مرافقا و شاهداً على تواصل والده مع الإسرائيليين في الستينات و تأسيس أولى نواة للعلاقة معهم مستفيداً من موضوع الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة "عدو مشترك" أثناء حربه ضدَّ النظام العراقي. لاشك بأن هناك أنظمة عربية ايضاً بات لها ايضاً علاقات مع اسرائيل بعضها معلن والآخر سري.
بذلَ البرزاني الأبن جهوداً كبيرة لإكمالِ ما ابتدأهُ والده من مسيرة النضال القومي، ولم يدّخر أي جهد أو وسيلة في سبيل بلوغ تلكُم الغاية ، انطلق بعلاقات نحو الشرق والغرب ، ربطته بالنظام السوري قُبيّلَ غزو العراق علاقات جيدة و قام بزيارتها ، تعاونَ مع الأمريكان في غزوها للعراق سنة 2003 و توسعَ في علاقاته مع المحيط الإقليمي سواء مع تركيا أو مع إيران ، عزز صداقته مع إسرائيل بُعيد الغزو و اصدرت إسرائيل في شمال العراق مجلة حملت أسم كرد اسرائيل (3) باللغتين الإنكليزية والكردية واشادت المجلة في بعض اعدادها للعلاقة الإسرائيلية الكردية منذ ايام الملا البرزاني ونشرت تحقيقات ومعلومات ارشيفية في هذا الإطار على اعدادها ، وكل ذلك في إطار توطيد العلاقات وتعويد الشعب الكردي على تقبل اسم و علَم اسرائيل إلى جانب العلم الكردي، المشهد الذي تكرر في السنوات الأخيرة في الكثير من المواقف ، كالمظاهرات المشتركة في أوربا لمجموعة من الشباب الأكراد مع الإسرائيليين ضد حماس في الحرب الأخيرة على غزة ، أو رفع أعلام كردية في مظاهرات إسرائيلية تحت شعار معارك ضد داعش أو تصريحات لمسؤولين أكراد كالسيد شيركوه عباس رئيس المجلس الوطني الكردستاني في سورية والذي صرَّحَ غير مرة لصحف إسرائيلية بأنه يتمنى دعم إسرائيل لإقامة دولة كردية تكون صديقة لإسرائيل في المنطقة وتقف في وجه التطرف السني العربي والإيديولوجي الشيعي.
المراجع
1- مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ في اربيل – الجمعة 27-حزيران-2014
2- مقال على شبكة نوروز الأخبارية بتاريخ 27 حزيران 2014
3- راجع المجلة واعدادها على الموقع التالي: https://issuu.com/kurdisrael
في الحلقة الثالثة من سلسلة (أكراد سورية والعراق) غداً:
- احتلال مناطق متنازع عليها يخرق الدستور العراقي!
- هكذا غدت محاربة داعش مظلة للتوسع الكردي خارج حدود إقليم البارزاني!
- هكذا ساعد العرب الأكراد وأول صحيفة كردية طبعت في مدينة عربية عام 1898
التعليقات (17)