هذا التذاكي اللغوي الذي حرص الجعفري على تقديمه، طرزه بالكثير والكثير من المقبوسات والمقتطفات من درر الادب العربي والعالمي ، مستخدما اياه في تعزيز خطابه السياسي المتثاقف، مقدماً نفسه على أنه رأس جبل الجليد الذي يواجه بالثقافة والعلمانية و(الحزم)، محيطاً من البربر والغوغاء، من شعبه ومن الشعوب المحيطة.. وهو امر فيه غاية من الاستعلاء والغرور من نظام قمع حرية التعبير في بلده الذي يحكم ومارس أقسى درجات الاقصاء وانعدام التكافؤ بين مواطنيه... فاقتبس فيما اقتبس –الجعفري – مثلا من نزار قباني مجتزئاً المعنى حينما اقتبس من القباني جزءً من قصيدته (من مفكرة عاشق دمشقي) حينما أراد الهجوم على المحيط العربي ل (سوريا النظام)، ذلك المحيط الذي يمثل بيئة الدعم الرئيسية ل الشعب في خياراته ضد الاستقطاب الايراني الذي يريد جذب سوريا من محيطها العربي نحو الفلك الفارسي...فيقتبس من قصيدة نزار (دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي، أشكو اليك العروبة ام اشكو لك العرب).
وفي حركة تخلو من الصدقية تناسى الجعفري أن قائل هذه الابيات عانى اشد المعاناة من ظلم هذا النظام له وقضى منفياً في لندن سنوات طويلة، ومتناسياً أيضاً أن هذه الابيات ليست الا جزءً صغيراً من قصيدة طويلة يبحث فيها الشاعر عن معاوية وعن خالد بن الوليد ويدين فيها نكسة حزيران التي تسبب بها هذا الفريق أيضاً... لم يكتف الجعفري بالاستشهاد برمز سوري كبير كنزار قباني فقط بل استمر في اقتباساته بالأخذ من ايميل زولا صاحب رواية جيرمينال الشهيرة وأحد أعلى الأصوات في فرنسا وصاحب الشهادة الكبيرة التي سماها (إني أتهم) في معرض دفاعه عن الضابط درايفوس.. واقتبس أيضاً من أحد آباء الأدب الالماني (غوته) صاحب ملحمة فاوست ..التي تعد من أهم ما كتب في الأدب العالمي..
طبعا اختيارات الجعفري ليست عبثية، فاختياراته تنوعت بين منابع الوعي الفرنسي الحديث والوعي الألماني كذلك ..متجاهلاً مثلا الاستشهاد بالأدب الاميركي كونه ممانع ومقاوم فمن العيب الاستشهاد بالأدب الاميركي..
وفي هذه الأثناء التي يبني الجعفري لنفسه ولنظامه صورة يريدها عكس الواقع الذي يوجد في بلاده المتخيلة من جهل وعدم اهتمام بالتعليم و بالأدب والثقافة ارتكب غلطة لا يمكن اغفالها.. حينما خرج العسكري القامع من خلف بذته الفاخرة التي يشتريها من محلات الجادة الخامسة في نيويورك.. غلط حينما مارس بكل صلف الرجل الشرقي قمعاً ذكورياً، ضد احد رموز المرأة في العالم الحديث.. النجمة الاميركية أنجيلينا جولي التي مارست أقصى مالديها من أجل انقاذ ما يمكن من أطفال العالم من التبني الى التبرع الى الزيارة والاغاثة والتضامن، حتى في خطابها الشهير في مجلس الأمن الذي وبخت فيه العالم على تقصيره تجاه أزمة اللاجئين السوريين.. وهي كانت قد أعلنت مسبقاً انها بصدد تبني طفل سوري من أجل ضمه الى أسرتها الخاصة..
وما أن انتهت جولي من خطابها القاسي الذي لامت فيه النظام بشكل رئيسي، ما كان من الجعفري الا أن امتعض فهو العارف الأكبر من بين الحضور بأن خطاب جولي كان مؤثرا ويلعب على نفس الوتر الذي كان هو قد لعب عليه تجاه الرأي العام العالمي.. وقبل ان يبدأ كلمته قال مخاطباً العالم بذكورية كبيرة وخطاب تمييزي حاد، قال عن جولي (انها جميلة) واكتفى بهذه الكلمة.. التي تعني فيما تعني انها جميلة فقط وليست أكثر من هذا أي انها لا تعلم عما تتكلم عنه أي شيء، خطاب لا يرى في الأنثى أكثر من وجه جميل يغيب عقلها وعملها وخطابها وهو أمر يسقط عن الجعفري قناعه العصري المنفتح على الادب والعالم والثقافة التي تبني السياسة على حد تصويره، وتقبل الاخر وخصوصاً الجهات الضعيفة مثل الأقليات والمرأة... كلمة الجعفري المختصرة كانت بألف كلمة وبعشرة خطابات... كلمة على رغم انتهاكها رسمية الخطاب في الأمم المتحدة فهي انتهكت أيضاً رأي المرأة في ألية تفكير هذا الرجل الذي لا يقبل ان يسمع رأي امرأة تنتقده، وهذا سلوك ينسجم مع اعتقال عشرات الاف النساء قبل الرجال في سوريا، على الرغم من التعيينات التجميلية التي مارسها النظام في تعيين نجاح العطار نائب لرئيس الجمهورية، وبثينة شعبان مستشارة ولونا الشبل كذلك.. الا أن قمع رأي أنجيلينا جولي يندرج في سياق ممارسات الرجل العقلية تجاه الانثى التي لا تنسجم مع أفكاره فكل ما هو عكس قناعاته هو ارهابي حتى لو كان جميلاً.
التعليقات (4)