الثوار أمام تحدّي إدارة الشمال السوري

الثوار أمام تحدّي إدارة الشمال السوري
بدأت التحوّلات العسكرية الأخيرة في الشمال السوري تُظهر إشكاليات عدة، لناحية إدارة قوات المعارضة مناطق سيطرتها الجديدة. ولا يقتصر الأمر على الملفات السياسية فحسب، بل الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، التي تنعكس إما سلباً وإما ايجاباً على الوضع السياسي. وقد أدّى تطوّر الأوضاع وسيطرة المعارضة على مناطقٍ جديدة، إلى بروز إشكالات عدة تحتاج للمعالجة سريعاً، ومنها ملف المحروقات. وجاءت الأزمة غير المسبوقة التي تعاني منها مناطق سيطرة المعارضة السورية في الشمال، لتضعها أمام تحدّي إدارة المناطق بكفاءة عالية، تُمكّنها من تقديم نفسها للسكان، على أنها بديل حقيقي للنظام السوري.

ويزداد عبء المهام على عاتق المعارضة، بفعل إحكامها السيطرة أخيراً على مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وأريافها، لكن معركتها الحقيقية تكمن في قطاع الخدمات، لأن النظام السوري ما يزال يقدّم الحد الأدنى من الخدمات للسكان في مناطق سيطرته.

ومن الأسباب التي تمنع المعارضة من تقديم الخدمات، هو منع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مرور المحروقات من منبعها في مناطق سيطرته إلى مناطق المعارضة السورية في الشمال. ووضع ذلك قوات المعارضة أمام ضرورة تأمين بديل، يغطي النقص في المحروقات، الذي تسبب بإيقاف عمل كثير من المؤسسات الخدماتية والطبية، فضلاً عن التسبّب بارتفاع غير مسبوق في أسعار المحروقات وفقدانها من الأسواق.

ومع تمكن قوات المعارضة من استعادة السيطرة على قرية البل، الواقعة قرب بلدة صوران في ريف حلب الشمالي مطلع الشهر الجاري من "داعش"، قرّر التنظيم منع مرور أي منتجات نفطية من مناطق سيطرته الغنية بالنفط، إلى مناطق سيطرة المعارضة. مع العلم أن مناطق المعارضة هي سوق الاستهلاك الرئيسي للنفط، الذي تضخه آبار دير الزور والحسكة، ويتم تكريرها في مصافِ بدائية، تعمل على التسخين في مناطق سيطرة "داعش".

وأغلق "داعش" الطريق الذي يصل مناطق سيطرته بمناطق سيطرة المعارضة شمال حلب، عبر بلدة أم حوش بشكل نهائي، وفتح طريقاً جديداً للركاب فقط، من دون البضائع، عبر بلدة الوحشية شمال حلب أيضاً، مانعاً تجار المشتقات النفطية من نقلها إلى أسواق المحروقات في مناطق سيطرة المعارضة.

ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على أسعار المحروقات، التي بدأت ترتفع في مناطق سيطرة المعارضة، ووصلت إلى مستويات قياسية أخيراً في حلب وريفها. كما وصل سعر برميل الديزل إلى 320 دولاراً، بعد أن كان سعره قبل منع "داعش" تصدير المحروقات إلى مناطق سيطرة المعارضة، حوالي 65 دولاراً فقط.

في إدلب وريفها، ارتفعت الأسعار أكثر، ووصل سعر برميل الديزل إلى نحو 425 دولاراً، بعد أن كان سعره لا يتجاوز نحو ثمانين دولاراً. كما تضاعفت أسعار البنزين والكاز والفيول والكيروسين أيضاً، بسبب نقص كميّاتها.

وانعكست أزمة المحروقات سلباً على منظومة الإسعاف والطوارئ، التابعة لمديرية الصحة، التي تديرها المعارضة السورية في حلب. وأعلنت المنظومة، مساء الأربعاء، في بيانٍ مشترك مع مستشفيات ميدانية عدة وجهات خدماتية أخرى، أنها ستتوقف عن العمل في مدة أقصاها ثلاثة أيام، في حال لم تقم قوات المعارضة بتأمين الديزل اللازم لمواصلة عملها.

وتوقف العمل في العديد من الأفران في مناطق سيطرة المعارضة في حلب وإدلب وريفيهما، وفي أرياف اللاذقية وحماة الشمالية، بسبب عدم توفر مادة الديزل لتشغيلها. أما الأفران المتبقية، فقد واصلت عملها، بعد رفعها أسعار الخبز لمستويات قياسية. ووصل سعر الربطة التي تزن نحو كيلو ونصف إلى أقلّ من دولار واحد، بعد أن كان سعرها أقلّ من ربع دولار.

لم تنجُ خدمات المياه من الأزمة أيضاً، فشبكة المياه العامة في إدلب توقفت عن العمل، أما المياه التي يشتريها السكان من تجار يقومون بإيصالها بخزانات متنقلة إلى البيت، فتضاعف سعرها، بسبب نقص عمل مضخّات المياه في الآبار، لاعتمادها على الديزل، شأنها شأن شاحنات وجرارات نقل المياه أيضاً.

ويُنذر كل ذلك بأزمة غذائية تلوح في الأفق، فالأراضي الزراعية الواسعة في مناطق سيطرة المعارضة شمال سورية، باتت بخطر مع فقد مادة الديزل وارتفاع أسعارها. وفي ظلّ الانقطاع الدائم للمياه، بدأ الجفاف يضرب الأراضي الزراعية، ما سينعكس سلباً على أزمة السكان المعيشية في الشمال.

وبالنسبة إلى الحلول، فإن فصائل المعارضة تملك مستودعات محروقات ضخمة في مناطق سيطرتها، إلا أنها مخصصة أصلا للأغراض العسكرية، لحاجة قوات المعارضة لكميات من المحروقات، لمواصلة المعارك ضد قوات النظام وضد "داعش". لذلك لن تتمكن من التفريط بمستودعاتها لتغطية احتياجات السكان والمؤسسات الخدماتية في مناطق سيطرتها، رغم أنها تقدم كميات بسيطة للمؤسسات، ذات الحساسية العالية كالمستشفيات لمواصلة عملها بالحدّ الأدنى.

لذلك يسعى ممثلو المعارضة في تركيا منذ أيام، لإبرام عقود لتوريد المحروقات إلى مناطق سيطرة المعارضة من الأراضي التركية، لكن جهود الحكومة السورية المؤقتة في هذا السياق لم تثمر عن نتيجة إيجابية حتى الآن.

وأشار مصدر مقرّب من الحكومة السورية الموقتة لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة التركية تتحفظ على توريد المحروقات إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال بسبب الصعوبات القانونية التي أنتجتها قرارات مجلس الأمن المتعلقة بتجفيف منابع الإرهاب وفرض حصار اقتصادي على داعش وجبهة النصرة في سورية".

وبعد فشل التعامل مع الحكومة التركية، بدأت الاتصالات مع الشركات الخاصة، وأشار المصدر، إلى أن "ممثلي فصائل المعارضة اتصلوا بممثلي شركة كادأويل النفطية التركية، وتم التفاوض على توريد الديزل إلى سورية، بقيمة 0.80 دولاراً لليتر الواحد".

لكن أمام قوات المعارضة في الشمال خيارين أخيرين، قد يُشكّل واحدهما حلاً نهائياً لانهاء أزمة المحروقات. يقضي الحلّ الأول، في محاولة الهجوم على منابع النفط الرئيسية في سورية، في محافظة دير الزور، وطرد "داعش" منها، ومن سورية بشكل كامل، وهو أمر يبدو مستبعداً في المدى القريب، ليبقى الحلّ الثاني.

تملك المعارضة خياراً تكتيكياً يتجسد بمهاجمتها منطقة شاعر، الغنية بآبار النفط والغاز في ريف حمص الشرقي، والتي تُعتبر قريبة نسبياُ من مناطق سيطرة المعارضة في منطقة الريهجان، في ريف حماة الشرقي. وهو الخيار الأنسب لمعالجة الأزمة بصورة فورية.

التعليقات (1)

    هيثم الشامي

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    لعنة الله على البعث العراقي ( داعش ) الخائن الذي عطل النصر و أساء للاسلام
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات