متحف معرة النعمان شهيد البراميل: تاريخ دمّره إرهاب الأسد!

متحف معرة النعمان شهيد البراميل: تاريخ دمّره إرهاب الأسد!
لطالما كان متحف معرة النعمان أو ما يعرف بـ ( خان مراد باشا ) مقصداً للقاصي والداني من المهتمين بالسياحة الأثرية في العالم، لرؤية ما يحتويه من لُقىً ولوحات تختزل حقبا وحضارات عاشتها أرض سوريا ولاسيما شمالها، كون المتحف هو ثاني أهم متاحف العالم على صعيد الفسيفساء، التي كانت وسيلة إبداع الإنسان السوري وطريقته في تأريخ حضارته منذ أربعة آلاف عام أو يزيد.

قصف ببرميلين متفجرين!

أما اليوم، فقد بات المتحف ركاماً، وأثراً بعد عين، إثر استهدافه من قبل طيران نظام الأسد ببرميلين متفجرين، سقطا وسط باحته، ما خلف فيه وفي محتوياته - على أهميتها - دماراً كبيراً لن يعوضه الترميم مهما بلغت درجت حرفيته، كما يقول خبراء!

نال انفجار البرميلين من أغلب اللوحات واللقى الأثرية على تنوعها، بالإضافة إلى تدمير البناء الذي يتوسط باحة المتحف (المسجد سابقاً) ما جعل هذه التحفة الأثرية الفنية التي تعد من روعة فن العمارة الأسلامي وما بداخلها من آثار تندثر من جديد على أيدي همجة هذا العصر بعدما طالتها يد الغزاة العابرين في عصور مضت.

حملة ترميم أهلية!

وكنا قد تناولنا في تقرير سابق نشره موقع (أورينت نت) قبل أشهر بالإضافة لألبوم صور، يظهران فرق الترميم التي حاولت إعادة تأهيل المتحف وترميم بعض لوحاته بعد تحرير معسكري وادي الضيف والحامدية، و التي تعرضت للقصف بفترات متقطعة، وكانت حملة الترميم تلك جاءت بعد جهد من نشطاء المدينة الذين يقدرون تماماً أهمية متحف مدينتهم الذي يحوي حضارات جاورت مدينتهم كـ ( ماري وإيبلا وأوغاريت )، وغيرها من الحضارات البيزنطية والرومانية والإغريقية اليونانية ، فلم تكد تنتهي حملة الترميم، حتى أجهز القصف الأخير على أحلامهم برؤية المتحف يعود لسابق عهده واستقباله للزوار، وإن كان السوريين منهم، نظراً لتوقف السياحة الأثرية بسبب الحرب التي يشنها النظام على المناطق المحررة.

ويحوي متحف المعرة على حولي 2000 متر مربع من الفسيفساء أهمها لوحة (فريكة) والتي تحمل اسم القرية التي وجدت فيها، حيث تحكي هذه اللوحة قصة بناء مدينة روما، رُصفت على أرض المتحف بمساحة 27 متر مريع، ولوحة (هرقل – هراكلس) التي تروي الفسيفساء فيها بسبعة أجزاء (سبعة لوحات) قصة تأسيس الإمبراطورية اليونانية وأسطورة هرقل، وتعود هذه اللوحة للقرن الثاني الميلادي.

بالإضافة للعديد من بوابات القصور والقلاع والتوابيت الحجرية الملكية واللقى النقدية ومكتبة لـ آل شحنة، كتبت جميع كتبها بخط اليد، وهي مجموعة من الكتب الدينية والتاريخية والإنسانية القيّمة، تعتبر بالنسبة للمعراويين إرثاً ثقافياً وأدبياً لا يمكن التخلي عنها.

بناء عمره أكثر من خمسة قرون!

أما المتحف كبناء، فقد بناه (مراد باشا الجلبي) في عهد السلطنة العثمانية عام 1595م وخصص كخان لاستراحة الحجاج بين اسطنبول ودمشق فمكة المكرمة، رغم أنه لم يكن حكراً على الحجاج وحسب، بل كان محطة لمبيت وإطعام أي مسافر وعابر سبيل، حيث كتب على لوحة تتوسط المدخل الرئيسي للمتحف " قد بنى هذه الواحة لوجه الله حامي الدفاتر الديوان السلطانية مراد جلبي فغني منع فقير أو دابة شتى فعليه لعنة الله والملائكة والناس بطرق شتى سنة / 974 هـ/.

وفي عام 1987 تم تحويل هذا البناء إلى متحف ليحوي جميع المكتشفات الأثرية التي وجدت حول المدينة والتي تبعثرت في مدن عدة، لتعود للمنطقة التي وجدت فيها ويكون مركزها متحف معرة النعمان، الذي كان من أهم مقاصد السياحة الأثرية في سوريا.

في منتصف عام 2011، أرسل بشار الأسد قواته إلى معرة النعمان غازية، لوأد الثورة فيها، فاحتلت قوات النظام المتحف في 8 تموز 2011 واتخذت منه ثكنة عسكرية ، فتعرضت العديد من محتوياته ولاسيما تلك التي يسهل حملها، للنهب والسرقة من قبل الضباط الذين كانوا يديرون القوة العسكرية التي احتلت المتحف، وعاث عناصر النظام - الذين لا يقدرون أهمية المتحف - في أورقته ومحتوياته فساداً حتى أثخنوه في ذلك. وبعد عام كامل تمكن الجيش الحر من تحرير المتحف في معركته (الشهيرة) وضع القائمون على الشأن العسكري في المدينة من الثوار، كتيبة أمنية لحمايته من اللصوص والعابثين، لكن تلك الكتيبة لم تستطع حماية مقتنياته ولا حماية أفرادها من قصف معسكري (الحامدية ووادي الضيف) الذي طال العديد من لوحات واللقى الأثرية بداخله، وبعد تحرير المعسكرين سعى نشطاء المدينة لإعادة تأهيل المتحف وترميم لوحاته على بمساعدة خبراء ومختصين تحت إشراف الحكومة المؤقتة، رغم كل القصف من الطيران الحربي والمروحي الذي رافق ذلك، وما إن انتهت عمليات الترميم تلك، حتى سارع النظام لقصف المتحف مدمراً أغلب أجزائه مؤخراً.

معرة النعمان: متحف التاريخ المفتوح!

يذكر أن معرة النعمان مدينة أثرية ضاربة جذورها في عمق التاريخ، والتي تحوي بالإضافة للمتحف، المسجد العمري الكبير الذي كان معبداً ثم كنيسة ثم مسجد، بعد أن فتح المعرة للمسلمين الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وفيها أيضاً القلعة البيزنطية التي أكملت على دمارها براميل الأسد المتفجرة، بعد هجمات المغول والصليبين في عصور مضت، كما يتوسط المدينة ضريح شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري الذي تكنى بمدينته، بالإضافة للمدرسة الزنكية التي تعود للعهد الخليفة نور الدين محمود الزنكي، وقرب المعرة وتحديداً في قرية دير الشرقي يرقد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي يعد ضريحه قبلة للسياح قبل أن تمنع صواريخ وقذائف حقد بشار وقواته حتى الحياة عن تلك الأرض وليس السياحة وحسب. كل ذلك يجعل من المعرة مدينة حضارية وأثرية فيما مضى ، وفي زمن حكم الأسدين كانت المدينة من أوائل المدن التي ثارت على حكم الأب في ثمانينيات القرن الماضي، ونظام الابن خلال ثورة الكرامة 2011 ، ما جعلها تدفع ثمن الحرية كبيرة ، من دماء أبنائها وحجارة حضارتها .

التعليقات (2)

    Majed

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    مقاطع الفيديو ... التي رأيناها ومنها ما يلي 1)- الأمم المتحدة طالبت النظام بمغادرة قلعة حلب للحفاظ على التراث العالمي لكن النظام رفض 2)- الأمم المتحدة طالبت النظام بمغادرة بصرى الشام للحفاظ على التراث العالمي لكن النظام رفض 3)- إسناد مهمة تفجير المنشآت الأثرية لداعش وتدمير التراث .. بالأصل النظام غير مهتم لأ ما نع لدى النظام من تدمير التراث الإنساني ... لأن هذه هي مهمته الأساسية السرقة والتدمير .... ( الأسد أو تدمر البلد ) يعني ما كنا نفهم .....

    العاني

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    وما فعلته الدواعش بالآثار في العراق وسوريا وطالبان في أفغانستان ماذا تسمونه . محافظة على التراث
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات