نظام الأسد.. وبيع البلد على مراحل!

نظام الأسد.. وبيع البلد على مراحل!
ما زلت أذكر قبل سنوات خلت الأعداد الضخمة من نازحي الجنوب اللبناني الذين توزعوا على كل أنحاء محافظتي إدلب، والمخيمات التي أقيمت لهم في معسكر المسطومة، الذي كنا نحسبه معسكراً لترفيه الأطفال، بحكم تسميته بمعسكر الطلائع، ليتضح فيما بعد أنه ثكنة لتصدير الموت إلى الريف الإدلبي بأسره!

يومها تعاطفت الغالبية العظمى من الناس مع مأساتهم الإنسانية، وكثيرون فتحوا بيوتهم لاستقبالهم..ما يثبت أن السوريين لم يكونوا طائفيين يوماً، بل على العكس، كانوا يتعاملون مع كل الوافدين إلى سوريا بمنتهى اللطف ..بصرف النظر عن الانتماء الطائفي أو العرقي للآخر.. حين ضاقت السبل في وجوه السوريين، اكتشفوا فجأة أنّ "حسن النية" لم يعد أمراً مقبولاً في كثير من الأحوال، فجميع من يفد إلى تركيا على سبيل المثال، يلحظ التقسيمات الطائفية، حيث يتجنّب الكورد أحياء العرب، وأحياء "العلويين لا يسكنها أبناء الطائفة السنية، الأمر الذي يستهجنه غالبية السوريين، لأنه غير مألوف لديهم!

هذه اللاطائفية لدى السوريين، هي من جعلت النظام يستغلّ سذاجتنا في هذا المجال ويستورد على حسابنا "شبيحة" يسفكون دماءنا، نحن الذين لم نكن يوماً نحاسب اللاجئ العراقي على انتمائه الطائفي أو العرقي، ولم نكن نعرف أن مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين الذين توافدوا إلى سوريا منذ الثمانينيات، سيعودون يوماً ما إلى العراق ليرسخوا معالم "ولاية الفقيه" فيه، ويعودوا إلى سوريا من البوابة الخلفية، ليمارسوا القتل على شعبها باسم تلك الولاية، فنوري المالكي وهوشيار زيباري كانا من أبرز الوجوه السياسية في العراق، ممن استقبلوا كلاجئين من قبل الشعب السوري، ومع ذلك لم تحل هذه الحفاوة دون قيام الميليشيات الشيعية العراقية بقتل السوريين في وطنهم، والتنكيل بهم في كل أنحاء البلد، كما يعرف أكراد سوريا جيداً مقدار التمييز وحتى حالات الإذلال بحق اللاجئين السوريين، الذين هم في الغالب من الأكراد، في مخيمات "كردستان العراق".

لم يكن هذا الشعب يوماً ينظر إلى سكان "الضاحية الجنوبية" إلا على أنهم أخوة لبنانيون يعيشون مأساة سببها "العدوّ المشترك إسرائيل"، ومن هذا المنطلق فهم أصحاب أحقية في أرضنا "العصية على إسرائيل"، ومع أن الأبواب فتحت لاستقبالهم في كل أنحاء سوريا- بصرف النظر عن الهوية الطائفية أو العرقية لهذه المنطقة أو تلك- إلا أنّ هذا لم يمنعهم من تبادل أطباق البقلاوة، في كلّ مرة يراق فيها الدم السوري!

على الضفة الأخرى، كان النظام يلعب لعبته الطائفية الدنيئة، لم تكن هنالك حالات علنية تشير إلى نوايا النظام، ولكن ثمة قضايا كانت تجري في الخفاء، أبسطها إعطاء مزايا استثنائية للأقليات على حساب الأكثرية،. وجرياً على عادات زبانية النظام، فالامتيازات التي تعطى كانت للمقرّبين ممن كانوا في الغالب من أبناء الطائفة، أو "المدعومين" بسبب صلاتهم الأمنية التي لا تعترف على الطوائف؛ لقد كانت "لاطائفية" النظام تتجلى بأبهى حللها فيما يتعلق بالتشبيح والمهام الأمنية، فلا مشكلة مع رجال الدين، ولا الأكراد، ولا حتى اليساريين ماداموا في خدمة كرسي السيد الرئيس..

صحيح أن تصرّفات النظام لا تسوّغ، في حال من الأحوال، التعامل مع القضايا من منطلق ردات الفعل، ولكنه واقع الحال، خاصة مع تواجد عوامل كثيرة تذكي نيران هذا المنطق، فالظلم الذي مورس على المدن والبلدات التي تقطنها الأكثرية، هو أضعاف ما شهدته المدن التي تقطنها الأقليات، كل هذا ضمن لعبة مدروسة من قبل النظام لإثارة النعرات الطائفية، ومع استعانة النظام بحلفاء له ممن يمثلون ذات اللون الطائفي الذي ينتمي إليه، تمكّن النظام من تطييف الحالة السورية، فيما يخدم أجندته..

هم ذاتهم الذين استقبلوا بحفاوة وتكريم من قبل الأهالي الذين تعاطفوا مع محنتهم، من وجهوا بنادقهم إلى صدورهم، معتبرين أن هؤلاء الأهالي ما هم إلا أدوات استخدمها "القائد المفدّى"، وأن لا منة لهم ولا فضل، ولأن السوريين لا يعرفون جيداً التركيبة الديموغرافية اللبنانية أو العراقية، ويعتبرون أن الآخرين يتعاملون مع الانتماءات بنفس المنطق الساذج الذي نتعامل به، فقد وقعوا في الفخ سريعاً، غير أنهم لم يستقبلوا بذات الحفاوة، حين دارت الدائرة عليهم، فـ"القائد الملهم" الذي "يمتلك "البلاد والعباد، والذي يعمل كمحافظ لدى الإيرانيين، لم يعط الأوامر باستقبالهم!

من يتتبع ما يجري اليوم على الأرض السورية، يدرك تماماً أن ما حصل هو حصيلة ثلاثين عاماً من التواجد السوري في لبنان لتجذير وترسيخ طائفية النظام، من سيطرة على وسائل الإعلام التي تشتهر بكونها الأهم عربياً، خاصة وأن لبنان يصنف على أنه الأهم عربياً من ناحية مقاييس حرية التعبير، وانتشار وسائل الإعلام الخاصة فيه، ما منحه مصداقية أكبر لدى المتلقي، الأمر الذي ما كان النظام ليسمح بتواجده في سوريا، كي لا يخرج البلد من سيطرة قبضته الحديدية..

من جهة أخرى، عمل النظام على عزل سوريا عن الحاضنة الشعبية العربية، من خلال مقاطعة مصر إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد، علماً أن مجريات الأحداث أوضحت أن إسرائيل – التي قوطعت مصر بذريعة الصلح معها- كانت حريصة على نظام الأسد أضعاف حرصها على نظام مبارك الذي تركته لمصيره !

يتمّ هذا بالتزامن مع القطيعة مع العراق، في أعقاب الحرب العراقية – الإيرانية، ومن بعدها دول الخليج العربي بذريعة مساندة وتمويل تنظيم الأخوان المسلمين، ما أسفر عن حصار اقتصادي شديد واجهه الشعب السوري، جعله يتحول إلى لقمة سائغة في فم إيران وحلفائها الاشتراكيين، من أمثال كوريا الشمالية و الاتحاد السوفييتي السابق، في مواجهة الدول العربية وحلفائها "الإمبرياليين" من أمريكان وأوروبيين..

ولأن الشعب السوري لم يكن طائفياً، لم يتنبه أن النظام كان يدفع به دفعاً إلى حضن إيران، بل اعتبر أن الموضوع عبارة عن اختلاف في المصالح السياسية، خاصة بفي ظلّ وجود إعلام الممانعة، وعمليات غسيل الأدمغة، مدعومة بشواهد عن الدعم الإيراني "لمعركتنا العادلة"..

كلّ هذا تفسره حادثة رواها لي ذات يوم أحد الأصدقاء ممن كانوا يعملون في الهلال الأحمر، في أعقاب حرب تموز 2006، ومفادها أن أحد "اللاجئين اللبنانيين" طلب منه دخاناً، وهو ما لا يمكن إدراجه ضمن المعونات، فاشترى له من حسابه الشخصي باكيت "حمراء طويلة"، حينها تذمر "اللاجئ اللبناني" وقال له :" ما هذا؟ دخاني أجنبي!"

يومها أجابه صديقي: "أنا سوري وأدخن الحمراء..لست أفضل مني!"..ما كان ذلك اللاجئ من النبطية ليتصرّف هكذا، لو لم يكن يعرف تماماً أنه سيعود كصاحب حق إلى هذه الرقعة من الأرض يوماً ما، وليس لاجئاً!

التعليقات (2)

    ثورية برثم التثليم

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    المراجعة بالقرداحة

    إذا انتصرت الثورة وطار النظام

    ·منذ 8 سنوات 10 أشهر
    لن يتورّع النظام ـ سليل الخدم والعبيد ـ عن تفخيخ السيارات والدراجات و الحمير و البغال وطير الزاجل ـ لأنه هالعسكر ما عم يستوعبوا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات