كتاب يحل لغز: أعظم سرقة فنية في أمريكا!

كتاب يحل لغز: أعظم سرقة فنية في أمريكا!
في 18 مارس 1990، طلب رجلان يرتديان زي الشرطة الدخول إلى متحف إيزابيلا ستيوارت جاردنر الشهير في مدينة بوسطن، فاستجاب الحارس الذي يجلس على المدخل الرئيس لطلبهما، إلا أنهما قيداه بالأصفاد. وبكل هدوء قالا له «هذه عملية سرقة، لا تسبب لنا المشاكل، ولن تتعرض للأذى» فكان رده «لا تقلقا، هم لا يدفعون لي ما يكفي لأعرض نفسي للأذى». وتعد هذه العملية من أكبر عمليات السرقة الفنية في التاريخ، فقد تمكن اللصوص من سرقة 13 عملا فنيا يقدر إجمالي ثمنها بنحو 500 مليون دولار، لبعض أشهر الرسامين والفنانين في العالم. ورد الحارس الذي لا يخلو من السخرية كان يعكس مشكلة نقص التمويل، وهي أحد المشاكل الكثيرة التي يعاني منها القسم الأمني في المتحف.

الغطرسة الفيدرالية

وهناك سبب آخر يقول كوركجيان أنه قد يكون عاملا مهما في إعاقة التحقيق، وهي الغطرسة المهنية التي يتميز بها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي. فيكشف كيف أن المكتب استبعد بشكل منتظم ومستمر الجهات الأمنية الأخرى المسؤولة عن تطبيق القانون في المدينة، مثل قسم الشرطة في بوسطن، بالرغم من أن هذه الجهات الأمنية تملك معرفة أفضل بكثير عن كل ما يتعلق بالعصابات المحلية. ويقول الكاتب إن الصحفيين أيضا واجهوا نفس المشكلة، حيث إن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والمسؤولين في القسم الأمني في المتحف رفضوا تماماّ النظر في أي احتمال أو نظرية قدمها كوركجيان أو غيره من الصحفيين الاستقصائيين البارزين في بوسطن حول القضية.

ورغم مرور ربع قرن على الجريمة، لا تزال هناك بعض الأسئلة المهمة مطروحة بقوة: هل سيرى العالم الأعمال الفنية المسروقة مرة أخرى؟ هل مات الشخص/الأشخاص الذين يعرفون مكان وجود المسروقات الثمينة؟ هل تخلص اللصوص من المسروقات الفنية بإحراقها أو تمزيقها خوفا من اكتشاف أمرهم بعد أن فقدوا الأمل في الاستفادة منها؟ هذه بعض الأسئلة التي قد يطرحها القارئ حتى بعد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب المشوق دون أن يحصل على أي إجابات.

حرب عصابات

وأوضح كوركجيان أن ردة الفعل القوية الرسمية والشعبية على عملية السرقة والغضب من تخريب بعض الأعمال الفنية الثمينة أجبرت دوناتي على إخفاء المسروقات في مكان سري لا يعرفه أحد غيره والانتظار حتى تهدأ الأمور قليلا. بعد ذلك تنجح العصابة المنافسة في قتله، وبقيت الأعمال الفنية المسروقة مختفية منذ ذلك الوقت، لذلك فإن أي محاولة للعثور على المسروقات الفنية الثمينة، في رأي الكاتب، يجب أن تأخذ بالحسبان تعقيدات حرب عصابات الجريمة المنظمة في تلك المرحلة.

هذه النظرية ممكنة، رغم أنها قد تقبل الجدل، وقد عرضها كوركجيان على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومسؤول القسم الأمني في متحف إيزابيلا ستيوارت جاردنر أنتوني آمور. فاستبعد المكتب النظرية بحجة عدم وجود أدلة مادية تدعمها، إلا أن أنتوني آمور تعاطف معها.

ويشير آمور في كتابه «فن المحتال» إلى أن اللوحات الفنية الثمينة «نادرا ما يسرقها محتالون يمكن تصنيفهم على أنهم لصوص محترفون للأعمال الفنية والسبب في ذلك بسيط: التحف الفنية الثمينة التي يمكن التعرف عليها بسهولة من الصعب جدا حمايتها». ويوضح بأنه من وجهة نظر اللص، فإن العمل الفني الذي لا يقدر بثمن لا قيمة له، وأن المهارة الحقيقية تكمن في القدرة على بيع التحفة الفنية، وليس في سرقتها.

مساعدة المجرمين

ويقدم كوركجيان نظرية مثيرة للاهتمام حول دوافع السرقة وهوية الأشخاص الذين خططوا لها ونفذوها، ويقول «خلال الفترة التي ازدهرت فيها أعمال عصابات الجريمة المنظمة في بوسطن، كان هناك اهتمام كبير بالفن والأعمال الفنية، وكان جميع المجرمين في المدينة يعتقدون أن المساعدة في إعادة أي عمل فني إلى السلطات في المدينة ينتج عنه تقليص فترة السجن أو حتى إلغاء حكم السجن تماما كجائزة تشجيعية للمجرم، في عام 1989، فكر رجل العصابات الشهير روبرت دوناتي في استغلال هذا العرف السائد بطريقته الخاصة. رجل العصابات القوي فنسنت فيرارا كان قد أدين بجريمة الابتزاز وحكم عليه بالسجن، وكان دوناتي يحتاج إليه لحمايته من عصابة منافسة في بوسطن كانت تسعى لقتله. لذلك قام بالتخطيط لعملية السرقة من متحف إيزابيلا ستيوارت جاردنر وتنفيذها، على أن يكشف لزميله السجين فنسنت فيرارا عن مكان إخفاء اللوحات المسروقة، ليساعد السلطات على استردادها مقابل الإفراج عنه».

حل اللغز

ويقدم الكتاب ملخصا شاملا لكل ما تم كشفه حتى الآن عن القضية -من أصغر التفاصيل مثل الشوارب المستعارة للصوص وصولا إلى العمليات السرية التي قام بها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي- ويحاول الكاتب في نفس الوقت بشكل جدي يثير الإعجاب حل ألغاز الجريمة من خلال إعادة دراسة الأدلة المتوفرة. يفعل كوركجيان ذلك من خلال التركيز على الحوافز المحتملة لعملية السرقة والاعتماد على بعض المعلومات الخاصة.

بلا خبرة

لذلك يقول الكاتب إن هذه العملية لم تكن احترافية من الناحية الفنية، كما يعتقد كثيرون، ولم يكن هناك خبير فني قرر ما يستحق السرقة وما لا يستحق العناء. الصحفي الاستقصائي في جريدة ذا بوسطن جلوب ستيفن كوركجيان، كرس وقتا طويلا خلال العقدين الماضيين في محاولة لمعــرفة اللصوص وما الذي يبحثون عنه بالتحديد.

ولم يكن كوركجيان وحده في هذا المسعى بالتأكيد، فقد صنف مكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت جاردنر على أنها واحدة من بين أهم 10 عمليات سرقة فنية في العالم، ولذلك لم يتوقف الفيدراليون عن التحقيق في هذه القضية على مدى الـ25 سنة الماضية.

ومع ذلك، ورغم الساعات الطويلة التي تم تكريسها لحل لغز هذه السرقة وجائزة الـ5 ملايين دولار التي عرضها أمناء المتحف لمن يساعد في كشف لغز السرقة والقبض على الجناة، لا يزال مصير اللوحات المسروقة مجهولا حتى الآن.

اللصوص أيضا

يبين ستيفن كوركجيان في كتابه «لصوص بارعون» أن العيوب التي كان المتحف يعاني منها قابلها أيضا إهمال اللصوص الذين ألقوا أعمالا فنية مهمة للرسام العالمي رامبرانت، بما في ذلك لوحة «عاصفة على بحيرة طبريا»، على الأرض لكسر الزجاج الذي يغطيها، ومن ثم قاموا بقص اللوحات بسكاكين لفصلها عن الإطارات الخارجية لتسهيل حملها وإخفائها. وشملت عملية السرقة أهم مقتنيات المتحف، بما في ذلك أعمال الرسام الهولندي الشهير يوهانس فيرمير، إلا أن الغريب أنهم تركوا وراءهم أعمالا فنية مهمة، مثل لوحة «اغتصاب أوروبا» للرسام الإيطالي الشهير تيتسيانو فيتشيليو (تيتيان) التي تعدّ من أثمن وأغلى الأعمال الفنية العالمية، وسرقوا عوضا عن ذلك بعض الأعمال العادية والمبتذلة، مثل مزهرية صينية لا تتجاوز قيمتها بضعة آلاف من الدولارات.

تاريخ مهمل

المتحف الذي أوصت به المحسنة الأمريكية إيزابيلا ستيوارت جاردنر، التي كانت مغرمة بجمع الأعمال الفنية، إلى مدينة بوسطن في 1924، كان نادرا ما كان يلقى الاهتمام والتجديد اللائق منذ وفاتها، خاصة أن الوصية وضعت شروطا تمنع إجراء تغييرات كبيرة وأساسية على المتحف. كما أن الحراس لم يتم اختيارهم بعناية: أحد الحراس الليليين كان كثيرا ما يتعاطى الماريجوانا قبل أن يأتي إلى العمل، وشريكه كان يستخدم المتحف الفارغ لممارسة هوايته الموسيقية في التدرب على آلة الترومبون

المؤلف:

ستيفن كوركجيان: واحد من الصحفيين الاستقصائيين البارزين في أمريكا، ويعمل في صحيفة بوسطن جلوب وهو أحد مؤسسي قسم فريق الأضواء في الصحيفة الذي يتولى مهمة التحقيقات الاستقصائية فيها. وحصل على أكثر من 25 جائزة وطنية وإقليمية مهمة، بما في ذلك حصوله على جائزة بوليتزر ثلاث مرات. كما حصل على إجازة في القانون من كلية الحقوق في جامعة بوسطن».

الكتاب:

الكتاب: لصوص بارعون

الكاتب: ستيفن كوركوجيان

الناشر: بوبليك أفيرز، 2015

* المصدر: صحيفة (مكة) 3/7/2015

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات