لا أحد يعرف شيئاً عن المنشق (قيصر)، الذي غدا اليوم أشهر مصوّر في تاريخ المخابرات السورية وسجلها الوحشي الأشد سواداً في العالم كله... لا أحد يعرف شئياً عن اسمه ولا عمره ولا مكان ولادته، سوى كونه من (الطائفة العلوية) إذ يصعب على نظام الأسد الطائفي أن يوكل مهمة على هذا النحو من الخطورة، إلا لأحد أبناء طائفته الذين أثببت غالبيتهم ولاءهم الشديد له... إلا أن صور الشهداء تحت التعذيب جعلت العالم أجمع متلهفاً لجمع المعلومات عن الشخص الذي فضح ممارسات نظام الأسد، من آخر مكان يمكن أن يخطر على بال هذا النظام، أن فيه من يمكن أن يسرّب فضيحة بهذا الحجم، وبهذا الدوي الهائل، وبهذه الوقائع المثبتة التي لا يرقى إليها الشك، وخصوصاً بعد عرض الصور على شركة محاماة بريطانية شهيرة، للتثبت من صحتها... حيث أفادت تقاريرها أن الصور لم تخضع لأي عمليات تعديل أو "فبركة" ما منح هذه الصور حصانة، ضد كل من يشكك بها، وخصوصاً أن (كارتر روك) الشركة البريطانية الذائعة الصيت، مستعدة لمقاضاة من يطعن في مصداقية تقاريرها أمام القضاء.. أي من يسيء لسمعتها!
(قيصر) وهو بلا شك اسم مستعار لما تقول المعلومات القليلة الشيحيحة المتوافرة عنه، عنصر عادي في الشرطة العسكرية عمل فيها لمدة 13 عاماً, منها عشرة قبل اندلاع الثورة حين كان عمله يقتصر على تصوير الجرائم المدنية التي تحصل أثناء جمع الأدلة, لكن نقلة نوعية حصلت على عمله منذ بداية الثورة عام 2011 حين أضحت مهمته تصوير ضحايا الأفرع الأمنية تحت التعذيب بعد نقلهم إلى مستشفى في العاصمة دمشق لم يُعلن عنه من قبل اللجنة التي أكدت صحة ما جاء في صور قيصر. ظل (سيزر) في مهمته هذه لمدة ثلاث سنوات وكان يقوم بحفظ تلك الصور على جهاز كمبيوتر محمول في بطاقة تخزين (ذاكرة). قبل أن يقرر الانشقاق عن النظام وتهريب الصور عن طريق بطاقة التخزين التي خبأها داخل جاربه أثناء خروجه من سوريا, كأي شخص آخر دون أن يُثير الشكوك حوله من قبل النظام.
وصل (قيصر) إلى الولايات المتحدة الأمريكية لعرض شهادته داخل قاعة اجتماعات لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الكونغرس), وقد ظهر مرتدياً لباس الغوص الأزرق وطاقية بالإضافة إلى قناع لوجهه خوفاً من الكشف عن هويته, وجلس الصحفيون وراءه كي لا يتم تصوير وجهه, وأدلى بشهادته بعد أن كشف عن أكثر من 23 ألف صورة. علماً أن قيصر يملك أكثر من 55 ألف صورة تخص 11 ألف شهيد قضوا في سجون النظام تعذيباً حتى الموت, بمعدل وصل بين 50-60 جثة يومياً.
قصة (قيصر) او (سيزر) بدأت عندما علم فريق التحقيق، المؤلف من أعضاء يتواجدون بين المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، عن معلومات وصلتهم من قبل شركة "كارتر-روك وزملاءه" الحقوقية البريطانية، أن هناك منشقاً عن النظام، كان يختبئ بإحدى دول العالم الثالث، لديه تلك الصور المذكورة لأشخاص "تعرضوا للتعذيب والقتل على يد عناصر من النظام السوري الحالي منذ بدء اندلاع الثورة ضد نظام الأسد في آذار 2011". واجتمعت اللجنة مع (قيصر) في دولة لم يُذكر اسمها حرصاً على سرية التحقيق ثلاث مرات أوائل العام الماضي.
يذكر (قيصر) أن أسباب التقاط الصور في معتقلات الأسد الوحشية الرهيبة تعود لسببين:
- الأول: من أجل إصدار وثيقة وفاة من دون الحاجة للرجوع إلى العائلة، وبالتالي تجنب قيام حكومة النظام بإعطاء معلومات دقيقة حول سبب الوفاة.
- الثاني: من أجل الحصول على دليل حسي على تنفيذ الأوامر التي أعطيت للفروع الأمنية بتصفية المعتقلين خوفاً من هروب أحدهم عن طريق الرشوة, بحسب ما قاله جيفري نايس عضو لجنة التحقيق.
رغم أن جرائم النظام توثق لحظة بلحظة إلا أن شهادة قيصر وصوره المسربة قد تكون الحبل الذي سيلتف على رقبة من سيتبقى من نظام الأسد بعد سقوطه.. وهي بلاشك شهادة أكثر موثوقية عن عملية إبادة جماعية، تمت على مرأى من العالم.
التعليقات (6)