دراما الفبركة الأمنية
عندما نعود بالزمن قليلاً إلى الوراء لنتذكر كيف كان يتم إخراج الموظفين وطلاب المدارس والجامعات قسرياً في مسيرات مؤيدة لحافظ الأسد ووريثه بشار في كل مناسبة وطنية أو قومية. لكن المشكلة ليست هنا فالأمر طبيعي طالما أنه بالعصا الأمنية الغليظة ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في طريقة التسويق التلفزيوني عندما يُكتب على الشريط التلفزيوني وبالخط العريض (المسيرات العفوية الداعمة لمواقف السيد الرئيس). أو كما كان يتبجح المذيع بالفم الملآن فيقول:" خرجت جماهير شعبنا العظيم بشكل عفوي في مسيرة تأييد لمواقف سوريا وقائدها المفدى". رغم أنك إذا نزلت إلى تلك المسيرات العفوية وقمت بسؤال ذلك الشعب العظيم عن سبب المسيرة فكن على ثقة بأن ما يزيد عن النصف قد لا يعرف مناسبة المسيرة.
لم يتوقف النظام عند هذا الحد فقد وظف خبراته في الدراما السورية التي برع فيها فيما بعد ضد كل من يحاول الخروج ويشق عصا الطاعة. كالتفجير الذي استهدف عماد مغنية قبل الثورة مثلاً. أما بعد انطلاق الثورة السورية وضع النظام السوري كل جهده وخبراته التلفزيونية والدرامية في مواجهة الثورة للتلفيق عليها ومحاربتها بداية من درعا حيث ظن أنه قدّم قنبلة إعلامية من الحجم الثقيل حين قام بعرض لقطات من درعا تُظهر كيف أن بعض المسلحين يقومون بإطلاق النار على الأمن السوري. دون أن ينتبه مخرج المقطع إلى أن طريقة التصوير كانت تشبه طريقة تصوير المسلسلات التلفزيونية من تقريب للكامير أو إبعادها دون أن ينظر الممثلون إليها!! أما ما حصل في تفجيرات دمشق في الـ 2011 فهو نوع متطور من الفبركة حيث استُهدِفت عدة مناطق من العاصمة دمشق رغم أن الجميع كان يعلم أن الثورة سلمية ولم تكن مسلحة في تلك المرحلة. زيادة على ذلك فإن الإخراج التلفزيوني لتلك الأحداث كان غبياً جداً إلى درجة لا تُصدّق وضعيفاً فيه العديد من الثغرات. كأن توضع أكياس الخضار والفواكه بجانب ضحايا التفجير لنرى كيف أن قوة التفجير مزقت الأجساد ولم تمزق كيس النايلون الذي بداخله كيلو بندورة أو خيار!!!
تمثيليات من بطولة مذيعي التلفزيون!
وخلال سنوات الثورة الأخيرة نشر الناشطون فيديو عن أحد المنشقين من التلفزيون السوري يفضح في التمثيليات والمسلسلات التي هي من تأليف فروع الأمن وبطولة مذيعي التلفزيون حين بث التلفزيون مقابلة مع فتاة تدّعي أنها تعرضت للاغتصاب على يد الجيش الحر. ولكن المضحك في الأمر أن استيعابها ضعيف ولا تستطيع الحفظ فعذّبت المخرج كثيراً حتى تمّ إنهاء التسجيل. وحين عرض الناشطون الشريط لم نرَ من مسؤولي التلفزيون أية ردة فعل ربما لأن النظام مؤمن إيماناً مطلقاً بغباء مؤيديه وتبعيتهم العمياء له ولآلته الإعلامية الحمقاء.ثم بثه لاعترافات معتقلين تحت التعذيب وبالإكراه وعلى شاشات التلفزيون.
ومن عجائب النظام أيضاً حين يظهر لنا بطل مغوار أشوس من الجيش العربي السوري في لقاء حصري وكيف أن هذا البطل المغوار المدحار الذي لا ينام ليلاً ولا نهار قتل ما أعداداً لا تحصى من الإرهابيين وهم يركضون أمامه هاربين في تخيلات تُظهر مدى تأثره بأبطال هوليود التي لا يموت فيها البطل حتى لو قطعوا رأسه فتظن أنك أمام سوبرمان الجيش العربي السوري أو باباي بعد أن يأكل السبانخ.
اتهامات النظام للثورة والثوار بالفبركة!
لم يتوانَ النظام عن إطلاق مصطلح الفبركة الإعلامية على كل ما يدينه ويفضح جرائمه فبدأ منذ الأيام الأولى لتسريب مقاطع الفيديو التي تظهر وحشية رجال المخابرات مع المتظاهرين بإطلاق حملة الاتهامات بالفبركة, لكنه في بانياس سقط سطقة تبين مدى سذاجة مؤيديه إلى حد الغباء أو غسيل الدماغ وأنه رغم حمقه وغبائه يمتلك جمهور المصدقين لكل ما يقول وسيقول. فبعد أن تسرب شريط الفيديو من قرية البيضا عن تعذيب المدنيين ثم ظهور الشاب أحمد البياسي قام التلفزيون السوري باتهام الناشطين بالفبركة والكذب وأن هذا الشريط من العراق وتحديداً كما قال البوق طالب إبراهيم أنه للبشمركة العراقية بمن فيه الشاب المدعو أحمد البياسي.ثم نراه بعد اقتحام القرية للمرة الثانية يعتقل البياسي ويجري معه مقابلة لينكر فيها تعرضه للضرب وينطق بما يريده رجال الأمن وقد ناقضوا أنفسهم وكذّبوا ادّعاءاتهم السابقة.
اما اتهاماته للثورة بالفبركة كانت وما زالت مستمرة ولا يهمه حجم الكذبة التي يطلقها لمؤيديه فاتّهم مظاهرات ادلب وحماه المليونيتين بالفبركة في قطر وإعداد ساحات مخصصة للتمثيل. ثم اقتحم جيشه حماه وادلب ولم يتساءل مؤيدوه لماذا توقفت فبركات الثوار من قطر؟!!
وبعد أن تسلّحت الثورة وظهر الجيش الحر لم يتوقف النظام عن اتهاماته رغم أعداد القتلى الكبيرة من جنوده. ففي الساعات الأولى من تحرير مدينة ادلب روّج بعض المؤيدين بأن ما ظهر على قناة أورينت في لحظات التحرير الأولى من أمام مبنى المحافظة إنما هي فبركات ومجسمات أُعدّت مسبقاً في قطر لمبنى المحافظة والأمن العسكري والتربية وساحة هناونو متناسين المساحة الحقيقية لدولة قطر الشقيقة والتي ربما تكون بمساحة محافظة ادلب أي أنه يجب على سكانها الرحيل من أجل إعداد المجسّمات المطابقة.!!
الفبركة من الناحية النفسية!
تسمى هذه الحالة في علم النفس بالإسقاط وتعريفه هو: حيلة دفاعية ينسب فيها الفرد عيوبه ورغباته المحرمة والعدوانية أو الجنسية للناس حتى يبرئ نفسه ويبعد الشبهات عنها؛ فالكاذب يتّهم معظم الناس بالكذب بناءً على حالة الإسقاط.
يقول الخبير النفسي الأستاذ عبد الله الزيدان (29 عاماً):" الكثير من المتابعين لوسائل الإعلام يعتقدون أن ما يفعله النظام هو كذبٌ فقط . لكن الحقيقة أنه كذب وتبرير وبالنتيجة تكون أسباب الإسقاط والتبرير والكذب هي التورط في جريمة. وما يقوم به النظام من فبركات هو تجميع متكامل لوسائل دفاعية مقبولة عند جمهوره وغير مقبولة من الطرف الاخر ، خصوصاً إذا كان ذلك الطرف ضحية. حتى الجمهور الموالي لفبركات النظام الذين يديرون فبركاته في العقل الواعي يعرفون أن هذا كذب وتبرير ولكن صفة الطائفية أو المكسب من هذا النظام تجعلهم قي قرارات العقل الباطن / اللاوعي / يؤمنون بأن هذا صدق."
الفشل المتوالي في مسلسل الفبركات
لكن بالرغم من كل الجهود التي يبذلها النظام وأزلامه لتشويه الحقائق واللعب بالوقائع، إلّا أنه كان يفشل دائماً، وتصبح أخباره محط سخرية وسائل الإعلام العربية والعالمية، ويتندر الجميع ليس على صفاقته في الكذب، بل على فشله في صناعة الكذب أيضاً.. فقد أصبح مكشوفاً للجميع كالنعامة التي تضع رأسها في الرمل لتتخفى!
التعليقات (3)