هذا التعريف المختصر كان يرافقه دائما جدال عميق وعقيم بآن معا ينتهي غالبا بعدم وجود وسيلة إعلام محايدة أو موضوعية, إنما هناك وسيلة أقرب للحياد وأخرى أقرب للموضوعية كوكالة (رويترز) على سبيل المثال لا الحصر.
تابعت معظم الإنباء القادمة من وكالة (رويترز) خلال فترة دراستي الجامعية بما يخص قضايا العالم العربي عموما, والشرق الأوسط خصوصا ( حرب لبنان 2006- الصراع العربي الإسرائيلي - الغزو الأمريكي البريطاني على العراق - حصار غزة) باعتبارنا وصلنا لنتيجة تقارب كطلبة مع الكادر التعليمي حول مهنية الوكالة.
مع انطلاق شرارة الثورة السورية من مدينة درعا أخذت (رويترز) على عاتقها نقل تلك الاحتجاجات, واستمرت في تغطيتها الأقرب للموضوعية والحياد بنقل وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة للثورة بطريقة احترافية تترك للقارئ العربي والعالمي قرار الحكم على روايتي المعارضة والنظام.
تابعت رويترز على هذا الخط في التغطية عبر موقعيها العربي والانكليزي لمدة أربع سنوات تقريبا, ولم ألحظ خلال السنوات تلك أي شي يثير الاهتمام أو الدهشة من نقل مجريات الثورة بشقيها السلمي و المسلح.
مع دخول الثورة السورية عامها الخامس انقلبت الوكالة رأس على عقب في التغطية الصحفية، حتى مسلمات تركيب الخبر وصياغته لم تسلم من ذلك الانقلاب وخاصة بعد سيطرت الكتائب الإسلامية على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، فادلب وريف حلب وجزء شاسع من أرياف حماة وحمص وريف دمشق والقلمون واللاذقية بات تحت سيطرة الكتائب الإسلامية متمثلة بجبهة النصرة وحركة احرار الشام و جيش الاسلام وغيرهم.
بينما سيطرت "داعش" على الرقة ودير الزور وتدمر وجزء من أرياف حلب والحسكة و القلمون, وأصبح الجنوب السوري بقبضة الجيش الحر متمثلا بتشكيلات الجبهة الجنوبية مع تواجد جيد للكتائب الإسلامية فيها وتعاون مستمر بين الطرفين ضد قوات الأسد.
هذا التغير الكبير في تركيبة السيطرة على الأراضي السورية، وتقهقر النظام وميليشياته بشكل متسارع، رافقته (رويترز) بتغيير جذري في السياسة التحريرية، حيث أضحى للثوار مسمى جديد هو " إسلاميون متشددون " و نسفت عبارة الجيش الحر من صياغة أخبارها، كما باتت وكالة سانا للأنباء ومرصد رامي عبد الرحمن المصادر الرئيسية للخبر السوري وتصريحات المعارضة تأخذ بجزء بسيط جدا في نهاية الخبر دون ذكر المصدر.
عند إجرائي لتحقيق استقصائي حول الأمر، تبين لي مجموعة من الأمور الهامة حول هذا التغير المفاجئ, لعل أهمها أن أحدهم في مكتب بيروت قال حرفيا للمؤسسة الإعلامية التي أعمل ضمن إدراتها: "أن أخباركم مضللة وفيديوهاتكم كاذبة كما معظم وسائل إعلام الثورة باستثناء المرصد السوري لحقوق الإنسان (المختص بتقليل عدد شهداء الثورة السورية و تغطية أخبار داعش بطريقة غير منطقية ) بينما لازالت وسائل إعلام النظام تتمتع بقدر كبير من المصداقية".!
الأمر الهام الآخر أن مكتب بيروت هو الأساس في نقل أخبار الملف السوري، ولفت انتباهي أيضا حالة الفوضى التي يعيشها المكتب، حيث أن بعض المحررين مستاءين من السياسة التحريرية الجديدة فمنهم، من قدم استقالته وآخرين في حالة تململ وفقا لما أخبرني به احد الزملاء العاملين في (رويترز) والذي رفض الإفصاح عن اسمه.
هذه (رويترز) يا أساتذتي في جامعة دمشق التي تغنيتم بموضوعيتها وحيادها ها هي تتلون كالحرباء، تماما كما فعل معظمكم عندما اصطف إلى جانب النظام المجرم، وقبل بممارسة التشبيح على الطلبة متناسيا رسالته الإعلامية التي يدرسها للأجيال الإعلامية القادمة!
التعليقات (5)