منغصات وخروقات!
مسارات المصالحة لم تكن دون منغصات و كثيرا ما تعرضت لخروقات أعادت أجواء الحرب والقصف كان آخرها ما حدث في نهاية نيسان و بداية حزيران "الماضيين" من تجدد للقصف و الاشتباكات على محاور ببيلا / بيت سحم . اضافة لحرق الميليشيات المساندة للنظام مساحات من الأراضي الزراعية على خطوط التماس في البلدتين . لترد فصائل المعارضة بتفجير نفق حفرته قوات النظام في حي الأندلس ما خلف 9 قتلى على الأقل في صفوف الأخير , إلا أن تلك الخروقات لم تؤد إلى انهيار التهدئة حتى اللحظة على الأقل.
ركب المصالحة في جنوب دمشق حسب كثير من المراقبين كان مقررا له أن يشمل كافة المناطق التي تضم إضافة للبلدات الثلاث أحياء"الحجر الأسود/ القدم/ عسالي/ مخيم اليرموك/ التضامن" الأمر الذي لم يتم مع دخول جزئي للتهدئة في أحياء القدم عسالي. العثرة الأساسية في مشروع المصالحة الشاملة جنوب العاصمة تمثل في مخيم اليرموك الذي فشلت كل المحاولات الرامية لإبعاده عن نيران الصراع في سوريا.
ضرب المناطق الثائرة ببعضها!
فشل "المصالحة" في المخيم المحاصر أرجعه بعض المحللين إلى عدم جدية النظام السوري للمضي بمشروع تحييد المخيم، واستكمالا لسياسته في ضرب المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة بعضها ببعض. الأمر الذي نجح إلى حد بعيد في دمشق, وهو ما تدل عليه حالة الحرب التي اندلعت بين جبهة النصرة وفصيل شام الرسول في بيت سحم وامتدت إلى بقية البلدات في أذار و نيسان الماضيين وانتهت بانسحاب النصرة إلى مخيم اليرموك دون التوصل إلى اتفاق ينهي حالة العداء بين الفصائل المتقاتلة.
النظام من جهته استمر في ممارسة ذات اللعبة "حرب على الأرض / مصالحة على الإعلام" لتبقى الأحياء الثلاثة "الحجر الأسود/ مخيم اليرموك/ التضامن" تئن تحت وطأة الحصار والقصف والتجويع بحجة سيطرة "المتطرفين " وعدم انصياعهم لمطالب الأسد.
مراقبون اعتبروا أن أخطر ما في المسألة يتمثل في نجاح النظام "مرحليا على الأقل" بإحداث حالة من الفرقة المناطقية داخل الأحياء الخارجة عن سيطرته وهو ما يهدد أهم مبادئ الثورة السورية التي ارتكزت على تشكيل هوية وطنية جامعة كبديل لهوية النظام المبنية على المحاصصة الطائفية والمناطقية.
مصالحات هشة وعقلية متحجرة!
المصالحات الهشة بكل الأحوال، لن تغير من عقلية وسياسة النظام, لكنها نجحت إلى حد ما بإحداث تحولات على مستوى الوعي والذهنية الحاكمة لمقاربة هذه المسألة من جهة المعارضة والثورة, نظرا للظروف الموضوعية المحيطة بالملف السوري وعدم وجود اختراقات كبرى اقليما ودوليا.
نظام الأسد تلاشى إلى حدود "ميليشيا" تقاتل من أجل مصالح جماعة أو طائفة وربما فرد بالتالي سيسعى بكل ما لديه من أدوات لإزاحة الثورة من الحيز الوطني إلى أزقة العرقية / الطائفية/ المناطقية البغيضة لسببين أساسيين
الأول يتمثل في كونه نظام خدمات يرغب في إرسال إشارات واضحة تتماشى مع الرؤى الاقليمية الدولية لخرائط المنطقة الجيوسياسية.
الثاني محاولة النظام اضفاء غطاء شرعي لحرب الإبادة التي يقودها ضد الشعب السوري منذ ما يزيد على الأربعة أعوام . من خلال مسار المصالحة لخلق حالة عداء على المستوى الشعبي بين البلدات والمناطق المحاصرة معتمدا على الحصان الأسود "تنظيم الدولة" كقوة ضاربة.
مراقبون اعتبروا أن النظام حقق بعض المكاسب استنادا على مشاريع المصالحة أهمها
- أولا .. فصل مناطق جنوب دمشق عن بعضها نظرا لموقع حي الحجر الأسود "معقل التنظيم" الذي يفصل أحياء القدم/عسالي عن بقية أحياء ومناطق الجنوب الدمشقي.
- ثانيا.. استفحال حالة العداء بين الفصائل العسكرية من جهة وجبهة النصرة التي اعتقد البعض أنها مساند لتنظيم الدولة في المنطقة.
ترسيم حدود مناطقية!
الوضع الحالي في جنوب دمشق أقرب إلى كانتونات منفصلة تئن بين مطرقة النظام وسندان التنظيم الذي بدأ يتمدد هناك على حساب قوات المعارضة وليس النظام ما قد يؤدي إلى صراع مفتوح في أي لحظة الأمر الذي يهدد كافة جبهات دمشق.
السياسة التي ينتهجها الأسد من خلال المصالحات تتجاوز حدود شق صفوف التشكيلات التي تتقاسم السيطرة على جنوب العاصمة إلى ترسيم حدود مناطقية تماشيا مع السيناريوهات التي تنضج في كواليس السياسة الدولية و تتمحور حول انتاج خرائط مصالح و نفوذ جديدة للمنطقة برمتها مبنية على أسس عرقية طائفية ملعب النظام الأفضل.
سيناريو المصالحات يبقى معلقا على خطوط التماس الملتهبة في أغلب جبهات القتال, يؤشر بطريقة أو بأخرى إلى توافق اقليمي دولي باتجاه اخراج قلب دمشق من خارطة الصراع والمعارك حاليا, لجهة دعم مسار سياسي ربما يؤدي إلى حل ما في المسألة السورية. هذه الاحتمالات بانتظار نضج دولي لبلورة حلول جذرية يدفع ثمنها أولا وقبل أي شيء المدنيين المحاصرين في الجنوب والذي يبدو أنه ما من مخرج قريب لمأساتهم الإنسانية على الأقل.
التعليقات (4)