اليونان الغارقة بالديون: حضارة عريقة ازدانت برغد العيش

اليونان الغارقة بالديون: حضارة عريقة ازدانت برغد العيش
رفض اليونانيون بحزم، تركيعهم أمام شروط الدائنين. وذلك دفاعاً عن كرامتهم كأمة عظيمة دانت لها الحضارة الغربية القائمة أساساً على ساقين هما: الموروثات اليونانية - الرومانية، والديانة المسيحية. ويوماً حدد رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق جاك ديلو هوية أوروبا بأبعاد ثلاثة: الديانة المسيحية، القانون الروماني، ومثُل الفلسفة اليونانية.

إذن فأوروبا برمتها تقر بأنها مدينة لليونان بازدهارها الحضاري الذي يجيء الاقتصاد وجهاً واحداً من وجوهه.

آباء العلم

الحقائق التاريخية القاطعة تؤكد أن الحالة الاقتصادية اليونانية كانت في قمتها خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، حيث كانت أثينا القديمة تمتلك الاقتصاد الأكثر تقدماً في العالم. بما يعني أن دول الاتحاد الأوروبي الراهنة استمدت منها الخبرات وأسباب الازهار الذي كانت تنعم به أثينا دون سواها. ووفقاً لبعض المؤرخين الاقتصاديين، فقد كان اقتصاد اليونان واحداً من أكثر الاقتصادات المتقدمة في عصر ما قبل الصناعة. وثبت هذا من متوسط الأجر اليومي للعامل اليوناني؛ إذ كان يعادل، من حيث القمح، نحو 12 كغم. وقد كان هذا يمثل أكثر من 3 أضعاف متوسط الأجر اليومي للعامل المصري خلال الفترة الرومانية، أي حوالي 3.75 كجم؛ فكيف ينسى العالم هذا كله على حين غرة من الدهر؟!

كان للمدن الإغريقية دور فعال في تاريخ المسكوكات، وظل تراثها في هذا المجال ينتقل عبر القرون حتى امتد إلى جميع أنحاء العالم القديم آنذاك. وكان لغزوات الاسكندر الأكبر (المقدوني) وما استولى عليه من كنوز بمناطق الشرق الأدنى القديم وتحويلها من بعد إلى نقود دوره الأساسي في انتشار النقود اليونانية في محيط البحر المتوسط انتشاراً ملحوظاً.

ديون معدومة

إذا كان بوسعنا أن نهمل هذه الصدارة الاقتصادية لبلاد عظيمة كاليونان ونطالبها عوضاً عن ذلك بالخضوع لابتزاز الدائنين، فكيف يمكننا أن نهمل قيمة الفنون والفكر والفلسفة والآداب التي أسدتها بسخاء للأمم، وفي مقدمتها الشعوب الأوروبية؟ وهي موروثات لا تقدر بالمال.

بكم يمكن شراء ملحمتي الإلياذة والأوديسا لهوميروس، بأثر رجعي؟

بكم قيمة جمهورية أفلاطون وإسهامات المؤسس الطبيب أبقراط؟

وناهيك عن إسهامات سقراط وأرسطو طاليس.. ما ثمن التجارب الأولى للمشاركة الشعبية الباكرة التي علمت البشرية أسس الديمقراطية؟

وما ثمن علوم المنطق والقانون والفلسفة والأخلاق، وهذه كلها سلع إغريقية الصنع في مهدها ومنطلقها؟

وإن العقل الأوروبي المستنير والمتقدم اليوم إنما استمد وعيه ورصيده المميز هذا من الفلسفة اليونانية المبكرة الممزوجة بمسرح سوفوكليس وصبر بينلوب وفكرة حصان طروادة، وحتى الوجدان المثالي الذي رفد هذا العقل بالقيم الأخلاقية الفعالة بما مكنه من تحقيق المعجزات، وبموجب أسس اقتصاديات المعرفة فإن الإنسان الأوروبي مدين لأثينا ديناً لا كفاء له ولا حصر، ولكن كيف يمكن تحصيله حتى إذا استطعنا تقييمه نقداً بأكثر من العبء الذي تئن اسبرطة منه اليوم؟

ماضٍ يشهد

أول عملة سُكّت في العالم القديم تعرف اصطلاحاً بالعملة الليدية / اليونانية من ليديا، وهي مؤرخة بعهد الملك أرديس (652 – 625 ق.م) ونقش عليها صورة أسد فاغر فاه.

كما أن منجزات اسبرطة وعزيمة الاسكندر الأكبر ومقولات أفلاطون وأرسطو وسقراط، والخطوات الباكرة نحو الديمقراطية رصيد إغريقي لا يقدر بثمن.

ثم كيف يتناسى العالم أيام كان يوضع على أولى العملات التي استخدمتها البشرية خاتم باسم ملك ليديا الإغريقي كضامن لها ولقيمتها الموحدة.

التعليقات (1)

    لكل زمان دولة ورجال

    ·منذ 8 سنوات 9 أشهر
    واقع اليونان ليس فقط ديون ومشاكل مادية واقع اليونان ومن بعدها الرومان (اللاتينيين) أنهم الآن يعتبرون عرق أوروبي غير صافي ، بالرغم من كيان الإتحاد الأوروبي إلا أنه في الداخل وبين أوساط الشعوب الأوروبية يعتبر درجة ثانية. لكل زمان دولة ورجال ، العلماء المسلمون أسهموا في تأسيس البحث العلمي التجريبي (الذي يعتمد على التجربة بشكل أساسي) ولا يمكن نكران فضلهم، ولكن ماحال المسلمين اليوم؟ هي نفس الحال التي نجد عليها دول أوروبا المفلسة كاليونان وأسبانيا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات