هذا وصفٌ مختصر لما حدث في العراق ومايحدث في سورية، وهذا اختصارٌ أيضاً لسيرة مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان الحالي، الذي حصد حلم أبيه القائد الثوري الكردي (الملا مصطفى البرزاني).
قد لايروق لبعض الأكراد وخصوصا السوريين منهم، الجملة المختصرة المدونّة أعلاه، لكنها ربما تكون مقدمة منطقية لفتح الباب وتحليل نهج أبرز شخصية كردية حصلت على نتائج من خلال عملها "الثوري"، على عكس الزعيم الكردي الأخر (عبد الله أوجلان) الذي يقبع في سجون تركيا لارتكاب حزبه مايقول عنها الأتراك "جرائم إرهابية"، دون أن يحقق نتائج إلا التهدئة تارة،ً والانقلاب على اتفاقيات التهدئة تارةً أخرى
الشخصتيان رغم وجود رديف لهما في العراق أيضاً وهو جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني والذي وصل إلى سدة الحكم في العراق، لكنهما بقيا مؤثران تأثيراً واضحاُ في أكراد سوريا، نظراً لغياب شخصية قيادية لها مشروعها وجذرها التاريخي في سوريا، وأما صالح مسلم في العرف الشعبي السوري، ماهو إلا عنصر من عناصر "أوجلان" ولم يُهضم ضمن صيغة أخرى حتى الآن.
موقف البرزاني الحقيقي: ندد أم أيّد؟!
(أورينت نت) كانت قد تحدثت في (شخصية الأسبوع ) في أسابيع مضت عن سيرة حياة عبد الله أوجلان الذي غدر به حافظ الأسد، هاهي اليوم تفتح جزءً من نهج (البرزاني) تجاه الأحداث التي ألمت بالمنطقة وخصوصاً في سوريا ونبدأ من أخرها، بعد الضربات التركية التي استهدفت معاقل حزب العمال الكردستاني في العراق وجناحه في سوريا، حيث تضاربت الأنباء عن موقف (البرزاني) من تلك الضربات، فهناك وسائل إعلام نقلت عن الرجل إدانته لتلك الضربات، وأخرى نقلت عنه ترحيبه بتلك الضربات.. إلى أن جاءت أخبار تقول أن البرزاني تحدث مع رئيس الوزراء التركي (أحمد داود أوغلو) وعرض عليه التوسط للرجوع إلى اتفاق التهدئة. لكن حزب حزب العمال الكردستاني أو ما يُعرف بـ"PKK" أعلن بعد عرض البرزاني الأخير عن انتهاء اتفاقية وقف إطلاق النار مع تركيا، والتي تم التوصل إليها في العام 2013.
ولعل ما يحسم الجدل هو بيان السيد (مسعود برزاني) الذي نشر أخيراً، وعبّر بوضوح عن موقفه مما يجري بالقول:
"اذا نظرنا بواقعية الى وضع تركيا، نرى أنه قبل مجيء حزب العدالة والتنمية، كان اسم الكرد وكردستان وكافة رموز الكرد ممنوعة. حاولنا كثيراً تكوين ارضية لعملية السلام في تركيا. بعد المحادثات واللقاءات ظهر لنا ان حزب العدالة والتنمية وشخص السيد اردوغان لديه رؤية وسياسة جديدة مختلفة عن الأحزاب التركية السابقة تجاه الكرد. لذلك حاولنا مع حزب العمال الكردستاني المشاركة في المحادثات، والتعامل مع السيد اوجلان كطرف رئيسي في محادثات السلام والانفتاح. وكان ذلك تطوراً كبيراً، لأنه رأينا ان الحكومات التي سبقت حكومة العدالة والتنمية كانت تتعامل باستخفاف ودونية مع السيد اوجلان. أدى ذلك الى نتائج جيدة وأصبح سبباً لتوفير المجال للمحادثات المباشرة، سارت عملية السلام في المرحلة الاولى بشكل جيد، ولكن مع الأسف ظهرت عراقيل كثيرة بعد ذلك. لكن ومع ذلك، ظلت العملية موجودة، خاصة وان الدولة التركية، السيد اوجلان وحزب الشعوب الديمقراطية (HDP) اعلنوا التزامهم بالعملية واستمراريتها، لذلك كنا نتمنى ايضاً ان تتخطى العملية تلك العراقيل، وأبدينا استعدادنا لتقديم اي مساعدة بهذا الخصوص للطرفين. والآن أيضاً ندعوا الى ان تبدأ العملية من جديد و يتمتع الشعب الكوردي بحقوقه و يستقر الامن والأمان.
البرزاني ساخراً: لن تزول تركيا بقتل شرطيين!
لينتهي البرزاني في بيانه بلغته الواقعية الساخرة إلى القول:
"بالنسبة لموقف تركيا وحزب العمال الكردستاني ايضاً، نحن لانرسم سياسة تركيا ولسنا مسؤولين عن سياسية حزب العمال الكردستاني. كل مابوسعنا عمله هو فقط مساعدتهم على الحوار والتقارب. وأقول ذلك للتاريخ، رأينا مواقف واشارات و خطوات ايجايبة بخصوص الحل السلمي من الحكومة التركية، لكن مع الأسف لم تستوعب بعض الاطراف ذلك، ولاحظنا انه اصابهم الغرور. أرسلت العديد من الرسائل الى حزب العمال الكوردستاني ليبقوا هادئين، لان السلام عملية صعبة ويحتاج نجاحها الى نفس طويل. قلت لهم انهلن تزول تركيا بقتل شرطيين، الآن هناك اكبر فرصة متاحة لاستمرار النضال السلمي عن طريق صناديق الاقتراع والاقلام والحوار والسياسة، لان ذلك النتاج الكبير يتحقق بتلك الطرق، ولن يتحقق عن طريق السلاح ابداً. حتى الان نرى ان يتفق حزب الشعوب الديمقراطية مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة الجديدة في تركيا، لان ذلك نصرٌ كبير للكورد وعموم تركيا والمنطقة".
البرزاني في واشنطن!
ماقبل الضربات مرّت زيارة البرزاني إلى واشنطن قبل شهرين من الآن دون تعليق من وسائل الإعلام والناشطين الأكراد، حيث صرح حينها تصريحاً في غاية الأهمية، حينما أشار إلى الحلم القديم لدى الأكراد بأن تكون لهم دولتهم المستقلة (ربما شعر أن الدعم الأمريكي للتحركات الكردية في سوريا سيكون غير محدود وأنهم يدعمون قيام الدولة الكردية هناك، سيما أن دعماً لم يلقاه أحد من الجهات المقاتلة في المنطقة من قبل واشنطن ، أو ربما كان قصده الدولة الكردية في العراق دون غيرها لأن جلّ حديثه كان عن وحدة العراق التي وصفها بأنها اختيارية وليست اجبارية، وبأن الأكراد ليست لديهم خطط عاجلة للانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد)!
لكن على العموم ماحدث قبل شهرين من الآن، محاه التحرك التركي مؤخراً باستهداف حزب العمال الكردستاني، لكن ماقبل هذا التحرك بأيام قليلة كانت هناك زيارة لم تفسرها وسائل الإعلام بشكل جيد، وهي زيارة وزير الخارجية القطري خالد العطية إلى أربيل، ولايمكن أبدا فصل الحليف القطري عن تركيا الأردوغانية، فبيما كان البارزاني في واشنطن، كانت لجنة معنية في البرلمان التركي تصادق على اتفاق عسكري بين تركيا وقطر يسمح بنشر قوات مشتركة بين البلدين عند الحاجة، وبنشر قوات تركية في قطر أو قطرية في تركيا حسب الضرورة.
زيارة العطية لن تفهم في ظل هذه التحالفات، وفي ظل هذه الأوضاع، إلا لإيصال رسالة تركية مفادها أننا سنقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، وأن الصبر نفد! ...لكن يبقى السؤال لماذا لم يتم إيصال الرسالة عن طريق الأتراك أنفسهم؟ هل لمسوا رفضاً من البارزاني على هذه الضربات وأرادوا إخباره فقط؟ أم أن الأتراك لهم موقف سلبي معتبرين أنهم خدعوا عندما مرروا عناصر البشمركة إلى عين العرب ومن بعدها غدرت بهم عندما تركت وحدات حماية الشعب الكردية أوعناصر حزب أوجلان (الجناح السوري) يسرحون ويمرحون ويطردون العرب والتركمان من القرى السورية العربية ؟!
علاقات لا يمكن التضحية بها!
على العموم يمكن سرد بعض الأحداث المهمة حول علاقة الاتراك بكردستان العراق مؤخراً والتي لايمكن لبرزاني التضحية بها، فقبل أسبوعين من التحرك التركي، أكّد المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان العراق (سفين ديزايني) أنّ إدارة الإقليم قرّرت متابعة عملية تصدير النفط عبر الأراضي والموانئ التركية إلى الدّول المستوردة لنفط الإقليم، وذلك عقب الخلافات الحاصلة منذ فترة طويلة بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
برزاني نسج العلاقة جيداً مع تركيا في ظل تخبط الإدارة المركزية العراقية، فالرجل يطمح لأن تكون أربيل عاصمة مهمة في اقتصادات المنطقة، ولايريد أي عائق يحول دون بناء اقتصاد ضخم في هذا الاقليم، وبالطبع هذا لايتحقق إلا بوئام مع الجارة الاستراتيجية تركيا، كما أنه كان واضحاً مراراً بعدم إدخال إقليمه بملفات المنطقة الشائكة، فمستشار مجلس أمن اقليم كوردستان (مسرور البارزاني) قال قبل فترة إن على حزب العمال الكوردستاني (PKK) اخلاء قنديل لأنها تابعة للأراضي العراقية، كما أكد أن وحدات حماية الشعب (YPG) هي الاخرى عليها أن تغادر قضاء سنجار بعد القضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية" داعش.
برزاني يخطو خطوات متزنة، فلا مشكلة أن يقف ضد حزب أوجلان إذا ماشعر أن الأخير يحاول جرّ القوى الكردية في المنطقة إلى المجهول، وللرجل تجربة سابقة مع أنقرة حين تحالف عام 1992 ضد حزب العمال الكردستاني ، كما ساعد حكومة أنقرة في القبض على القائد العسكري في حزب العمال الكردستاني شمدين صاقيق في نيسان 1998، ولم يسجل برزاني أي موقف عندما اختطف زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان 1999، وكما صرح عام 1997 للتوسط بين العمال الكردستاني وحكومة أردوغان، هاهو يعيد نفسه وسيطاً من جديد، وهو بذلك يقدم خدمة للأتراك الذي تبدو كفتهم أكثر ثقلاً عنده ، فإذا ماأرادوا إيقاف الحرب والتوصل إلى هدنة، ربما أن ذلك سيكون ممكنناً، لأن العمال الكردستاني لايستطيع رفض مثل هذا الطلب، ومقراته الرئيسة ضمن أراضي كردستان العراق في جبال قنديل التي يحكمها بطبيعة الأحوال البارزاني.
لبرزاني موقف واضح من النظام السوري الذي مافتىء يروج أن أكبر أعدائه هي "تركيا الأردوغانية" ، فقد رفض دعوة بشار الأسد زيارة سوريا في أول عام من الثورة السورية ، وبعدها اتهم وزير خارجية النظام وليد المعلم بالشوفينية ومعاداة الأكراد، وشدد على أنه لا يملك حق توزيع بطاقات الوطنية على الآخرين.
سيرة ذاتية
-ولد في مدينة مهاباد الكردية في إيران، وتزامنت ولادته مع يوم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، واقامة الكيان السياسي الكردي الجديد أي جمهورية كردستان في مهاباد التي لم تدم سوى مدى قصيرة من الزمن.
-بعد انهيار جمهورية كردستان في عام (1947)، أضطرت عائلة مسعود بارزاني مع مجموعة من بيشمركة الكرد وعوائلهم للرجوع إلى كردستان العراق وبعد عودتهم ابعدوا من قبل النظام العراقي إلى جنوب العراق ولاسيما (بغداد والبصرة)، ولكن والد مسعود بارزاني الملا مصطفى البارزاني قائد الثورة الكردية توجه مع رفاقه إلى الاتحاد السوفيتي وبقوا هناك حتى عام 1958.
- لم يكمل مسعود البارزاني دراسته وهو في ربيع (16) من عمره التحق بالبيشمركة سنة 1962.
- نتيجة اتفاقية الجزائر بين شاه إيران والحكومة العراقية في عام (1975)، وبتوجيه من أبيه الملا مصطفى، قام مسعود البارزاني سوية مع شقيقه ادريس البازراني ومجموعة من رفاقه بتنظيم صفوف البيشمركة وتأسيس قيادة مؤقتة للحزب الديمقراطي الكردستاني للدفاع عن الكرد وكردستان.
-شارك برزاني في التسعينيات وحتى سقوط نظام صدام، في عدة مؤتمرات ومحافل دولية، مثل اجتماع واشنطن عام (1992) وبعد ذلك في عام (1993) ومؤتمر صلاح الدين (1992) ومؤتمر لندن في ديسمبر (2002) ومؤتمر صلاح الدين في شباط (2003).
- كان له دور رئيس في معظم الأحداث السياسية للعراق الجديد، وأيضاً في تأسيس مجلس الحكم العراقي في (31 تموز 2003)، والذي أصبح عضواً فيه وفيما بعد رئيساً له.
التعليقات (22)