إلا أننا في سوريا نقف اليوم على حافة إنكار كل المواثيق والأعراف لننتج عرفا يساير واقعنا المؤسف الذي أضحى فيه الصحفي جزءا من معركة يقحم نفسه فيها لصالح طرف على آخر مبررا فعلته بدفاعه عن وطن وسيد وطن ممانعا كأرباب عمله من الممانعين لاغيا كل حس إنساني لديه في سبيل مصالح لا يجب أن يتبناها في عمله لقسم يفترض أنه تلاه ولو سرا بينه وبين نفسه.
أكاذيب ما قبل الموت!
ما تحمله الأخبار ينافي الصور، ولأن الصورة تعادل ألف كلمة، كان من الضروري علينا أن نصدقها مهما قرأنا من أنباء تتحدث عن سقوط الصحفي الموالي للنظام (ثائر العجلاني) أثناء تصويره لصواريخ النظام تدك معاقل السوريين في (جوبر) و(الغوطة الشرقية) وهو الذي كتب قبل ساعة من مقتله أن المنطقة تشهد تقدما لجيش النظام، وكتب قبلها أن الثوار انشقوا في مدينة الزبداني، وهي جميعها تبين أنها أكاذيب لا أساس لها من الصحة... فالثوار في الزبداني مازالوا ثائرين مدافعين، والنظام لم يتقدم مترا واحداً... لتصبح صفحته الشخصية ناطقا رسميا بأخبار لا يكتبها مراسل محايد يتبع شبكة معروفة مثل LBC إلا أن النزعة التأيدية لديه حولته في نفس الوقت إلى مراسل لإعلام النظام الذي نعاه مؤكدا على ذلك ليكون الصحفي " المحايد" عاملا لعدة شبكات يفترض أنها تنهج سياسات مختلفة عن بعضها إلا أن ذلك يتغير في سوريا، التي لا يعمل فيها مراسل لشبكة عالمية إلا إن كان تبعا للنظام وإعلامه.
وبالعودة لصور ثائر، سنجد أنه طالما لبس فيها لباس جيش النظام، متمتعا بأقصى درجات "الحرية" في التنقل مع قطعه العسكرية، التي تشاركها قطع أخرى لحزب الله اللبناني الشيعي، ليكون المراسل الذي لقي حتفه، مجرد ناقل إعلامي يمكن تصنيفه عمليا تحت بند العسكري العامل في جهاز إعلام جيش يقاتل على أرض المعركة، ما يرفع عنه صفة الصحفي المحايد الذي ينقل أخبار لا شك في صحتها أو مصدرها.
هل يصنف صحفياً؟!
لا شماتة في الموت بالتأكيد، لكن الأمر هنا يخرج من هذا الإطار ليدخل في إطار آخر أكثر عمقا ومهنية، من ناحيتين أولهما ضرورة عدم تصنيف ثائر على أنه صحفي سقط أثناء تغطية حدث كان بمنأى عن المناصرة الصريحة لطرف على حساب آخر خصوصا أنه يعمل لحساب مؤسسة إعلامية أجنبية تدعي الحيادة في عملها، والثاني وهو ضرورة التأكيد على نوعية خيارات الLBC وغيرها من المؤسسات الإعلامية ، فالباحث في مراسلي تلك الشبكات في سوريا، وتحديدا في دمشق، سيجد أن من يعملون فيها ليسوا إلا موظفين لحساب وسائل إعلامية أخرى تابعة للنظام، وهو ما يؤكد أن الرسالة التي تؤديها تلك الوسائل في سوريا تحمل الكثير من الشبهات وبحاجة ماسة إلى إعادة النظر.
الواقع يؤكد أن كثيرين يعملون في مجال إعلام النظام اليوم، لكن ذلك لا يعني أنهم صحفيون بحق، فالصحفي لا يبارك القتل ويتغنى به، ولا يجمل السيء من أجل منصب أو ظهور أو مال كان يحلم بها قبل أن تأتيه على حساب شعب جرد نفسه من كل شيء لأجل حريته.
التعليقات (16)