إلا أن البعض، رأى في ملامحها، رغم التصريحات المثيرة التي تدلي بها أحياناً.. صورة مختلفة وتستحق القراءة، لهذا الرجل الذي يحمل اسم (ميخائيل بوغدانوف) والذي يشغل منصب نائي وزير الخارجية الروسي، والذي عاد إلى المنطقة عام 2012 كمبعوث يعاين الحالة السورية بالخصوص، وينقل رؤيته لها إلى حكامه في الكرملين!
ولعل الحديث عن هذه الشخصية، يبدو ملحاً في ظل تطورات الموقف الروسي، سواءً من خلال المفاوضات التي شهدتها الدوحة ودول خليجية أخرى وكذلك إيران، أو من خلال التصريحات التي أدلى بها الزعماء (كأردوغان) عن اتجاه "الدب الروسي" للتخلي عن الأسد، وأخير تصويت مجلس الأمن على مشروع تشكيل لجنة لمعرفة مستخدمي الكيماوي في سوريا ضمن مشروع أمريكي شهد موافقة روسية بمرونة غير معتادة.
من هو (بوغدانوف)؟
ولد بوغدانوف في العام 1952 وتخرّج من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، التابع لوزارة الخارجية للاتحاد السوفييتي السابق أواسط السبعينات، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي ليشغل عدة مناصب في الجهاز المركزي لوزارة الخارجية، ففي عام تخرجه انتقل إلى اليمن الجنوبيّ وعمل ضمن طاقم السفارة هناك حتَّى العام 1977، ثمَّ تمَّ نقله ليعمل ضمن طاقم السفارة السوفيتيَّة في لبنان في سنوات حساسة (1977-1980) ليعود بعدها إلى مركز الوزارة في موسكو.
لم يطل المقام ببوغدانوف في موسكو، فقد تمَّ إرساله في العام 1983 إلى سوريا دبلوماسيّاً عاملاً في السفارة السوفييتيَة بدمشق، وبقي هناك حتَّى العام 1989، حيث تمَّ استدعاؤه إلى موسكو ليرأس “وحدة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا” أي نطاق العالم العربي كله، قبل أنْ تتمَّ إعادته إلى دمشق مرَّة أخرى، في العام 1991 ليبقى حتى العام 1994، ، ومرَّة أخرى يمضي ثلاث سنوات في موسكو مساعداً لمدير “دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا”، ثم يظهر في المنطقة من جديد، ولكن سفيراً لروسيا الاتحاديَّة في إسرائيل هذه المرة، لتستمر خدمته فيها حتَّى العام 2002، وجاءت سفارته إلى تل أبيب في ذروة استجداء روسيا يلتسن لإسرائيل، باعتبارها ذات نفوذ على الولايات المتّحدة والغرب.
عاد بوغدانوف من تل أبيب إلى موسكو وبقي ثلاث سنوات حتى العام 2005 مشرفاً على دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وحده، لينتقل بعدها إلى القاهرة سفيراً لروسيا في مصر مبارك، وممثِّلاً مفوَّضاً لروسيا الاتحاديَّة لدى جامعة الدول العربيَّة، ليقضي هناك فترته الطويلة الثالثة، التي استمرَّت حتَّى العام 2011، حين انتقل إلى موسكو ليصبح مساعداً لوزير الخارجيَّة مختصّاً بالعلاقات مع بلدان الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ثم أعلنت الدائرة الصحافية للرئاسة الروسية في الخامس عشر من حزيران 2011، عن تعيين ميخائيل بوغدانوف نائباً لوزير الخارجية الروسي، و في أواخر العام 2014 وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يقضي بتعيين ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية مبعوثا خاصا لرئيس روسيا الاتحادية إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا.
بوغدانوف ورفعت الأسد؟
كما يتبن من سيرة بوغدانوف أنه صال وجال في المنطقة منذ عقود طويلة متنقلاً في دول الصراع السياسي وكذلك في دول محورية أفريقية وعربية كما (مصر) آنذاك، لكن تعلقه في سورية وفلسطين وإسرائيل ربما له دلالات سنكشتفها لاحقاً، لنعرف إلى ماذا يرمي الرجل الذي كان شخصية روسية محورية في مطلع ثمانينات القرن الماضي، فيشاع عنه أنه الذي صاحب رفعت الأسد وعلي حيدر وشفيق فياض على متن الطائرة التي أقلتهم إلى موسكو تمهيداً لنفي فرضه حافظ الأسد على الثلاثة المذكورين.
رفقة بوغدانوف لأبرز شخصيات النظام آنذاك، لايدل على شخص استثنائي يخوض عمله الدبلوماسي وحسب، بل يدل على أنه كان حارساً لسياسية موسكو في سورية إلى حدود التحكم في مصير الحكام وسير عملهم..
رغم كل الأحداث التي شهدتها سوريا حينها، إلا أن (بوغدانوف) لم يطوِ صفحات التاريخ، فأرجع رفعت الأسد إلى لقاءته مع الأطراف السورية، وحاول أن يضعه كلاعب أساسي في معادلة مايحصل في سوريا، فقبل مؤتمر جنيف (2) استقبله بعد أن أدرجه مع شخصيات يمكن تذويب " رفعت" في إطارها دون غيرها، كهيثم مناع وصالح مسلم!
بوغدانوف "الكاذب"!
من المتعارف، أن روسيا إن أرادت الهروب أو الاختباء وراء تصريح فإنه تكلف (بوغدانوف) لهذه المهمة، كونه ملك الشائعات والأكاذيب الروسية في المنطقة العربية، لكن في " كذب" بوغدانوف دهاء وخداع سياسي، وكذلك تلميح وإيصال رسائل قد لايقرأها الجمهور، لكن يفهمها جيداً الساسة الذين يعنيهم بوغدانوف.
من تلك التسريبات أو الشائعات التي روّجها بوغدانوف، هي ما جاء في تقرير صحفي كتبه المراسل السياسي لصحيفة “الوطن” السعودية عمر الزبيدي في تشرين الثاني من العام 2011، على لسان ميخائيل بوغدانوف قال فيه: “إن ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري فقد ساقيه خلال العملية التي استهدفت خلية الأزمة بمبنى الأمن القومي في دمشق الشهر الماضي”، وأكد أن ماهر كان حاضراً في اجتماع خلية الأزمة، ووصف حالته بالخطيرة. ويدرك المتابع لحيثيات ما يجري في كواليس السياسة أن التسريبات التي يدلي بها بوغدانوف ليست عبثية، بل هي دقيقة ومدروسة، سيما تلك التي سرّبها مؤخراً في أحد صالونات بيروت، حول ما قاله له الأمير بندر بن سلطان: “نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا”، ليسأله بوغدانوف حسب روايته: “كيف كانت علاقتكم بالرئيس الراحل حافظ الأسد؟” يقول بوغدانوف: “أجاب الأمير بندر (كانت ممتازة، وكان رجلا حكيما)، فقال له بوغدانوف: “إذا المشكلة ليست في النظام العلوي، بل مع الرئيس بشار الأسد نفسه”. تقول التحليلات أن الرجل كان يسعى لاستحضار رفعت وتقديمه كبديل سريع عن الأسد، وليس أي شخص أخر.
بوغدانوف ..حامي مقام "السيدة زينب الروسي"
قد يكون العنوان مثيراً للجدل، لكن جانباً من عمل (ميخائيل بوغدانوف) يدل على تصرف مشابه لما يرفعه به حزب الله حالياً من شعارات، وإن كان مخالفاً لطريقة الحزب بالطبع!
فهذا الدبلوماسي الروسي يشغل إضافة إلى مناصبه السياسية، منصب نائب رئيس الجمعية الإمبراطورية الأرثوذوكسية الفلسطينية التي يرأسها منذ سبع سنوات رئيس الحكومة الروسية الأسبق سيرجي ستيباشين، الذي يرأس أيضاً ديوان المحاسبة الروسي، والذي تتمثل فلسفته بأن “استعادة ما خسرته روسيا” في المنطقة واجب وطني مقدس. وهي أقدم منظمة غير حكومية في روسيا ولها تداخلات هامة في سوريا حالياً، وترمي إلى رفع شأن وتعميق الوجود الروسي سياسياً ودينياً في الشرق الأوسط، وأرسلت عدة مرات مساعدات رمزية على متن طائرات وزارة الحالات الطارئة الروسية التي وصلت إلى مطار اللاذقية.
وعرفت هذه الجمعية منذ تأسيسها بأنها منظمة خاصة تتمتع بحماية الإمبراطورية، مقرها بطرسبورغ، وهي غير مسؤولة أمام وزارة الخارجية، ولا تتلقى دعماً مادياً من الحكومة. أما شعار الجمعية فتم اقتباسه من نبوءة إشعيا فصل 62:1 :”إني لأجل صهيون لا أسكت ولأجل أورشليم لا أهدأ”، أما أهداف الجمعية فكانت مساندة ودعم الأرثوذوكسية في الشرق الأوسط، ومساعدة الحجاج، وترويج أخبار الأرض المقدسة بين الروس.
واعتبر المؤرخون أن الإمبراطور الروسي نظر للجمعية على أنها مؤسسة دولة، وقال عنها كثيرون إنها رابطة سياسية تتستر بالدين، والجمعية منذ تأسيسها لم تكن بعيدة عن التطورات السياسية في سوريا
من تصريحات بوغدانوف خلال اجتماعه باعضاء الجمعية العام الماضي " إن تصعيد الصراع السوري قد يؤدي إلى اختفاء الجالية المسيحية من الشرق الأوسط"، ورغم انشغاله بتحضير مؤتمر جنيف 2 "حينها"، زار بوغدانوف " الأم فاديا اللحام" في مقر إقامتها بموسكو، للتنسيق حول تقديم مايسمى " الكتاب الأبيض" الذي يتم إعداده بالمشاركة بين الجمعية الامبراطورية ودير مار يعقوب في سوريا، تمهيداً لتقديمه إلى جنيف لتفنيد "الاعتداءات المرتكبة على المسيحيين السوريين". وفاديا اللحام تعتبر أنها راهبة النظام السوري في عرف الموالين للثورة.
بوغدانوف في عناوين الأخبار:
بوغدانوف لـ RT: ندعو السوريين للجلوس إلى مائدة الحوار وفق بيان جنيف
بوغدانوف : لا يمكن إيجاد حل للقضية السورية دون مشاركة إيران
بوغدانوف بعد لقاء "العربي": بديل الأسد في سوريا هو داعش
أحمد الجربا يستقبل ميخائيل بوغدانوف في منزله بمصر
نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يلتقي وليد المعلم في طهران
بوغدانوف: موقف روسيا حول سوريا ليس شيئا قابلاً للتغيير
بوغدانوف: واشنطن فهمت أن لا بديل عن بشّار!
* مصادر:
- صحيفة العرب <نُشر في 10/01/2015، العدد: 9793، ص(12)>
- الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية الروسية
التعليقات (6)