المدن المنسيّة قســـراً!

المدن المنسيّة قســـراً!
ربما لم يكن من باب الصدفة أن يتواجد جزء مهم من التراث الإنساني، والمسمى بـ"المدن المنسية" أو كما يسميه آثاريون آخرون: "المدن الميتة" في سوريا!

ففي الشمال السوري حيث اصطلح علماء الأثار على تسمية المدن والقرى الأثرية المتناثرة بين ريف حلب وإدلب و صولاً الى مدينة (أفاميا) وسهول (قنسرين).. تقع أكبر نسبة من الآثار المتكاملة المنسية بالكامل في الشرق الاوسط ...هناك حيث تركت المدن والقرى كما هي دون أن تمسها يد التخريب، أو بالتطوير والتحسين على حد سواء!

وتقول الكتب بأن أحد الاسباب الرئيسية لهجرة ابناء تلك المناطق لبلداتهم ومناطقهم هو الغزو الفارسي المتكرر بين اعوام 526 و627...ميلادي ذلك الغزو الذي لم يترك أرضاً الا وحرقها ومنزلا إلا و دمه، واقتصاداً إلا ودمّره.

يضاف إليه التناحر الحمداني - البيزنطي، الذي دمّر كل إمكانيات الاستقرار في "المدن المنسية" بين حلب وإدلب.. التي كانت تحتاج إلى الاستقرار كي تنمو باقتصادها الكبير، الذي أتاح لأبنائها بناء العشرات من القصور والكنائس وحتى الكاتدرائيات المذهلة، إضافة الى معاصر الزيتون الضخمة والمقابر ذات العمارة المتميزة جداً والتي ان دل بناءها على شيء فهو يدل على سمو ورفعة شأن أبناء تلك المنطقة ..تاريخياً وإنسانياً .

ولكن هل هي صدفة أم أمر مخطط له أن يكون هنالك في سوريا مدناً نُسيت، أو تناستها الحكومة و النظا ، أو ربما مدن اصطلح أن يُطلق عليها شعبياً اسم "المدن المغضوب عليها"، وذلك لاحتوائها حاضنة شعبية مناهضة لسلوكيات النظام، ودخولها منذ فترات مبكرة في العمل على تغييره؟!

لكن المفارقة تكمن أن تلكم المدن هي مدن ليست مهجورة او تحتوي على أثار قديمة فقط ، هي مدن تضج بالحياة وعبقها ، هي مدن لا يزال سكانها يطمحون باستعادة أمجاد اجدادهم في بناء حضارة تليق بهم ..يطمحون لأخذ مكانهم تحت الشمس ، مكانهم في المستقبل ايضاً الى جوار بقية ابناء شعبهم ...مدن تلك الكتلة الصخرية من ادلب الى سراقب الى المعرة الى جسر الشغور وحارم وأريحا ..هم أبناء المدن المنسية التاريخية الذين نزحوا من مدنهم القديمة في (البارة) و(قورش) و( سمعان) و(قلب لوزة)..

ليعيدوا التجربة مجدداً في بناء المدن والبلدات كي تكون حواضر جديدة تنطلق منها الحضارة، ولكن السياسة والفرس و الحروب مجدداً أخذت نفس دورها في تحطيم آمالهم ..في محاولة أعادتهم الى النسيان.

غالباً استفاد النظام من تجربة النسيان في كتلة المدن المنسية التاريخية وعممها على كثير من المدن السورية مثل السويداء و بلداتها العظيمة كصلخد والقنوات و شهبا ، ومدن معارضة له مثل حماة وحمص و بلدات ريف دمشق ومدن المنطقة الشرقية حاضنة الخير كدير الزور و الحسكة و الرقة ..لنكتشف لاحقاً بأن أغلب المدن السورية هي مدن منسية بالنسبة للنظام ، لا يوجد فيها أي شكل من أشكال التطوير والحداثة و التحديث ، هي مدن لا يوجد فيها مشروعات تنمية حقيقية لتكافح التخلف ان وجد وتفتح المجال امام اولادها للدخول الى المستقبل عبر تسهيل تنوير عقولهم ولا سياحية لتشجع السياحتين الداخلية والخارجية للمجيء اليها و لا مصانع لتحد من البطالة وتدعم الشباب كي لا ينجرف خلف تيارات فاشية أو عسكرية..

كان كل هم النظام هو حصار هذه المدن ومحاولة طيها في غياهب النسيان ، كي لايقوم حسب اعتقاده بدعم حاضنات مناهضة لحكمه ، وهو ما أجج الغضب على سلطته أكثر مما لو قام بفتح هذه المدن أمام الحضارة..

ولكن وكما تقول حركة التاريخ المتكررة فأبناء هذه المدن رفضوا النسيان، هم قبلوا التناسي وفهموا اسبابه ولكن في هذا المفصل التاريخي يلبون أن يكونوا في قلب الحدث و بأيديهم سيضعون مدنهم من جديد في بوابة المستقبل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات