دوما ..بين مَوْتَين وحصار!

دوما ..بين مَوْتَين وحصار!
قبل عامين من اليوم، كانت أرواح أطفال دوما تطوف ملكوت السماء..سابحة بين الغيوم..بحثاً عن هواء نقي تتنشقه..ما دام هواء الأرض عاجزاً عن التسرّب إلى رئاتهم الضئيلة..

قبل عامين..كان سفراً جديداً من معاناة  السوريين، يكتب بحبر أصفر، ويذيّل بتوقيع كل جبابرة هذا الزمان..

انقضى عامان، وخدّر أهالي هؤلاء الأطفال بأكاذيب حول محاسبة الجاني، وتجريد النظام من سلاحه الكيماوي، غير أنّ ما جرى، كان تجريد العالم بأسره من ضميره، والعويل على أرواح أطفال دوما، وسواها، دونما بذل أي جهد للاقتصاص من قتلتهم ...

حين فكّر السوريون بإحياء ذكرى مجزرة الكيماوي، التي جرت في 21-آب-2013، والتي قضى فيها نحو 1700 شخصاً، جلّهم من النساء والأطفال، لم يتبادر إلى أذ هانهم أن النظام سيبتكر طريقة جديدة لإحياء ذكرى جريمته التي يندى لها جبين البشرية، عن طريق إحياء عذابات هؤلاء الأمهات الثكالى..

نساء الغوطة، اللواتي زرعن أسطح منازلهن للتغلب على الحصار المطبق على المدينة، منذ عامين، يجدن أنفسهن مجدداً أمام اختبار الصبر.. كثيرات منهن سيستعدن مرارة اللحظة؛ بين هؤلاء النساء من نجا ولدها من الكيماوي، ولكنه لم ينج هذه المرة، وبين هؤلاء الأطفال من لم يكن قد خلق بعد، لدى ارتكاب المجزرة الأولى.

عامان يفصلان بين مجزرة الكيماوي 2013، ومجزرة السوق 2015، بين هذين العامين جوّع أهالي دوما، وحوصروا، واعتقلوا، لكنهم لم يستسلموا، وقرروا البقاء، محاصرين، وسط أكوام القمامة، والأمراض، والجوع، على أن ينصاعوا لإرادة قاتل أبنائهم.

كان حريّاً بالمجتمع الدولي أن يتحرك لاجتثاث النظام الإرهابي من جذوره، خاصة بعد أن قرّرت بريطانيا المشاركة في الضربة العسكرية الموجّهة ضد نظام الأسد، سيما وأن التقارير التي قدّمتها اللجان المختصة، أثبتت وبشكل لا يرقى إليه شك أن النظام هو المسؤول الوحيد عن هذه المجزرة المروّعة، وبشهادة أكاديميين وخبراء في مجال السلاح الكيماوي، وهو ما لم يتم التوصل إليه في حادثة استخدام الكيماوي في خان العسل بريف حلب، قبل بضعة شهور من مجزرة الكيماوي، كما أثبتت أنه لجأ إلى استخدام غازي السارين والخردل، وهو ما تسبب بهذا العدد الكبير من الوفيات، غير أن النظام وبتواطؤ مع المجتمع الدولي، تمكّن من القفز على القوانين الدولية، كما هي العادة دوماً، واتفق على تسليم مخزون النظام من السلاح الكيماوي، لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، لتقوم بدورها بنقله خارج البلاد.

ما حدث هو أن النظام عاود الكرة مرات ومرات، متذرّعا بأن غاز الكلور ليس مشمولاً في القرار، حتى أنه اأنهك محافظة إدلب بالكامل، وهو يقصفها بالكلور بعد إعلان عملية تحرير مدينة إدلب، ومن بعدها مدينتي أريحا وجسر الشغور، حيث ارتكب النظام مجزرة كيماوية أخرى، في مدينة سرمين المجاورة لمدينة إدلب، وبعدها مجازر عدة في أريحا، وإدلب، وجسر الشغور، ومع أن أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة استمعوا إلى شهادة الكادر الإسعافي في مدينة سرمين، في الجلسة العامة للأمم المتحدة، غير أن أحداً لم يفكّر بإتمام الضربة الجوية، أو فرض حظر جوي، بل على العكس، أعطي فرصاً جديدة ليقتل المزيد من السوريين..  

كلّ ما فعله المجتمع الدولي تجاه نظام الأسد المجرم، هو أن رفع له سقف إجرامه، فبعد قرابة 2000شهيد  في ليلة واحدة، لم تعد هنالك مشكلة في أن يقتل 120 شهيداً في يوم واحد، وبسلاح الجو (غير الكيماوي)!

لم تعد هنالك مشكلة في أن تحاصر دوما وأخواتها، من مدن وبلدات الغوطة الشرقية ويمنع عن أطفالها الماء والدواء والغذاء، وأن تصلّ الأمور إلى حدّ ظهور أمراض، تكاد تكون بحكم المنقرضة، في أشدّ بلدان العالم جهلاً وفقراً، كما هو الحال مع مرض "النغف"، الذي راح يظهر نتيجة تراكم أكداس القمامة في مدن وبلدات الغوطة، ناهيك عن امراض السل، والإنتانات التنفسية، والتهاب الكبد، والكثير من الأمراض. لكن أهالي الغوطة لم يستكينوا لواقع الحال، وابتكروا طريقة للتخلص من النفايات محلياً، حيث قاموا بمشاريع لتدوير النفايات من أجل الحصول على الغاز، وردم بقايا هذه النفايات في التربة لتحويلها إلى سماد حيوي، وبذلك تتم تنقية البيئة، وتوليد الطاقة.

بعد مجزرة الكيماوي..لم تعد هنالك مشكلة في أن تقصف مدينة إدلب وريفها بغاز الكلور، لدرجة أن أحد التقارير التي بحثت عدد المرات التي استخدم فيها غاز الكلور في سوريا، أوضح أن 90% من الهجمات التي شنها النظام مستخدماً غاز الكلور، عام 2014،قد تمّت في ريف إدلب، ذلك أن المدينة لم تكن قد تحرّرت يومها، غير أنها بعد التحرّر نالت نصيبها منه هي الأخرى!

هذه الأجساد المسجّاة اليوم دون حراك، كانت يوماً ما ضحكات تتناثر في أرجاء دوما وأخواتها، كانت مشاريع حياة تنسج من رحم واقع محموم يعيشه أطفال سوريا..

كانت حلماً تغزله أمهاتهم بألوان قوس قزح، ويرصّعنه بصور وردية يهربن إليها، من واقع كلّ ما فيه يأس، وجوع، وأوبئة..إلى عالم بلا عذابات..

اليوم..لا تملك هؤلاء الأمهات إلا أن يحسدن أنفسهن على نعمة الكيماوي، فأن يذهب ولدها من بين يديها وهي مقتنعة أنه نائم يهيم في ملكوت هذا الكون..خير لها ألف مرة من أن يصبح أشلاء، ولا تجد من جسده ما يقنعها أنه قد صار في ذات الملكوت الذي سبقه إليه أخوه قبل عامين..

التعليقات (1)

    الشاهد

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    الغريب ان زهران يستطيع قصف دمشق بلمدافع الميدانية والدبابات التي لديه واحالة حياة النظام في دمشق لجحيم وردع النظام عن مجرد التفكير في قصف دوما مجددا فلماذا لا يفعل !!!!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات