يحلينا التمييز الأخير إلى مقاربة تاريخية، ربما تكون عكسية في منظورها الأول، إلا أنها جديرة بأن تؤخذ على أساس الشبه في الطرح القديم الجديد، لمأساتين كانت أولهما إخراج سكان الأندلس ممن رفضوا الدخول في الدين المسيحي عقب سقوط البلاد على يد مملكة قشتالة وأراغون، إلى المأساة الثانية التي توجب على السوري أن يكون مسيحيا ليدخل إلى أرض السلوفاك لاجئا إليها من الموت.
تختار سلوفاكيا أقصر الطرق لرفض اللاجئين، بأن تحترس دينيا من المسلمين، محيطة رغبتها بهذا الشرط العنصري، بأساب عدة تتعلق في مجملها بمسألة الفوبيا الإسلامية، وما تحمله من إمكانية انتشار عناصر التطرف في مجتمعها المحارب لذلك، راصدة نفسها كحامٍ للمسيحيين الشرقيين السوريين منهم حصرا، ومعتقدتا أن هذا الاجراء لا يشكل أي سقوط أخلاقي، فلرفضها أسبابه المقنعة بوجهة نظرها كدولة مسيحية.
ليس على السوري إذاً غير اختيار ما فعلته عائلات الأندلس المستضعفة، فالمسيحية هنا وإن كانت صورية، تصبح ضرورة لتخليصه من الموت الجسدي عبر موت عقائدي مؤقت بالنسبة له، يفتح أمامه أبواب سلوفاكيا المرحبة بالأخوة المسيحية على حساب الأخوّة الإنسانية.
لا يمكن هنا القول بأن ذلك غير ممكن، فأهوال الموت والملاحقة الأمنية، والتعذيب والتشريد واللجوء والمقامرة البحرية، جميعها أسباب ربما تصل باللاجئ الواصل إلى نهاية صبره بأن يكون موركسيا جديدا، يقبل أن يتعمد بمياه قهره من أجل رغبة بشرية بالبقاء حيا، تدعمه في ذلك القرار ربما، دمعة طفل حمله على يده في رحلة لجوء طويلة، أو تنهدات زوجة ضجرت من أيام سوداء عاشتها العائلة، أو مستقبل شاب ضاع في أتون حرب أحرقت كل شيء ولم تمنح الوقت لإطفاء هذه الحرائق عقليا قبل أن تأتي فرصة اللجوء المشروطة.
يحصل كل هذا الحشد الفكري المتطرف في وقت يطالب فيه العالم مسلمي الشرق، السوريين منهم خصوصا برفض التطرف ونبذه ومحاربة أشكاله المتمثلة بداعش وجبهة النصرة وغيرها من التشكيلات الإسلامية، التي تحمل في خرائطها المتطرفة، فكرة مهمة عن ضرورة تخليص الجسد العربي من غير مسلميه، ما يمنح المنطقة طابعها العقائدي المطهر من رواسب الطوائف الأخرى كما يتصور المتطرف، وهذا يشبه إلى حد بعيد ما تنادي به الدولة المعنية بحماية المسيحي دون المسلم في أنها تبحث هي الأخرى عن طهر جغرافي من طائفة أخرى، تراها غير جديرة بأن تكون جزءا من مجتمعها الخاص بالمسيحية فقط.
وعليه فإن الندائية السلوفاكية وما يشبهها من دعوات أوروبية أخرى، تتماثل إلى حد بعيد مع الندائية الإسلامية المتطرفة، ويبقى مهمتنا كمتابعين لواقعي الطرفين أن نتسائل، أيهما أشد تطرفا من الآخر، وأيهما يدفع الآخر ليجاهر بتطرفه ويجعله عقيدة قائمة بحد ذاتها، داعيا من يروق له إليها.
التعليقات (4)