في النسخة السورية من شاحنة الموت الفلسطينية، لم يكن الوضع مشابهاً للوضع الفلسطيني، رغم التطابق المذهل بين القضيتين في التهجير والتغريبة وسفك الدم والتجاهل الدولي، وعلى الرغم من أن الشاحنة التي وجد فيها واحد وسبعون رجلا ً وامرأة سورية متراكمين فوق بعضهم، ميتون دون أن ينتبه إليهم أحد عل الإطلاق. لم تكن هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي يموت فيها السوريون خنقاً في محاولة هروبهم من الموت .
فالشعب السوري كان ولمدة خمسين سنة قابعاً في الصندوق الخلفي للشاحنة التي كان يقودها القائد الأوحد، مات منهم الكثيرون دون أن يسمع أحد ما نشيجهم أو نواحهم أو صراخ أطفالهم، لم يستشر السائق أحد من ركاب الشاحنة في الطريق الذي يسلكونه ، لم يسألهم ان كانوا مرتاحون في الجلوس أم ينقصهم ماء أو غذاء أو حتى هواء، لم يسألهم عن حال أطفالهم و رضعهم، رغم إدخاله الشاحنة الوطنية في منحدرات ومنزلقات وأودية لم يود ركابها الخلفيون أن يخوضوا بها وفيها، رغم أن الشاحنة تكسرت وحطمت من الخارج وثقبت دواليبها مراراً لكن من كان عالقاً فيها في الخلف كانوا يأملون أن يصلوا في يوم من الأيام الى مكان يفتح فيه الباب الخلفي وينزل منه الجميع في أرض خضراء تحترم فيها حقوقهم ،في ارض يكون القانون فيه متساوياً مع الجميع ، في ارض يختارون هم من يقود شاحنتهم ويحق لهم فيها ان يعترضوا على اسلوب قيادته و ان يشاركوه في تحديد مسار هذه الشاحنة ، بل ربما ذهب الطامحون أبعد من هذا ، فقالوا لا نريد أن نعود إلى الشاحنة أصلاً، نرد أن نركب وسائط أكثر احتراماً لإنسانيتنا.
ولكن كل هذا لم يحدث، بل ما حدث أن سائق الشاحنة الكبيرة القائد الخالد، وزع الركاب على شاحنات أصغر، وأشد سوءًا من الشاحنة الكبيرة، حملتهم في أصقاع الأرض قاطبة ولكن شعب الركاب بقي يحلم، بقي مكدساً فوق بعضه هرباً من الموت الذي لا مناص منه، هرباً من القصف والطائرات والبراميل، شاحنات أشد لؤماً وأكثر قسوة، يدق فيها الجميع جدران الخزان الخلفي مذ صعودهم إليها، حتى قبل أن يستشعروا موتهم، يدقونه بأكف الصغار قبل الكبار، ولكن ما من أحد يستمع إليهم، وحده الموت من يستمع إليه العالم، فالجثث التي في الخلف ستتعفن وستنفجر وتفجر معها هذا الخزان القذر كي لا يجلس فيه أحد مجدداً.
التعليقات (3)