إيران وإسرائيل وشعوب المنطقة

إيران وإسرائيل وشعوب المنطقة
ربما ، وبما لا يدع للشك مكاناً، باتت التقاطعات ما بين النظام الاسرائيلي والنظام الإيراني واضحة وجلية للعيان، من حيث آلية التفكير وآلية التحليل والتعاطي مع الإحداثيات على الأرض ، وتوقع ردود الفعل المضادة أو المؤيدة لكل القرارات التي يتخذها النظامان ، طبعاً نتحدث هنا عن التعاطي مع الشعوب الواقعة ما بين الكيان الفارسي والكيان الصهيوني، تلك الشعوب الهائمة في العراق وسوريا و لبنان وأيضاً ردود فلسطين ، من جهة. والتعاطي مع ردود أفعال المجتمع الدولي على التناحر بين هذين النظامين ، إن تجاوز وجوده الصيغة اللفظية او المناوشات.

فالنظامان الإيراني والإسرائيلي ، يستندان في الجذر على الوتد الديني الذي يشد أوصال حبال وأذرع النظام في الحركة ، وكلما ازداد التعصب الديني في النظامين ، ازداد شد الحبل وازدادت قسوة تعاطه مع محيطه ، ولقد بات جلياً مع بوادر التغييرات التي طرأت على المنطقة ابتداء من سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 و التي جربت فيه الولايات المتحدة تطبيق نظرية المحافظين الجدد التي أسموها ( الفوضى الخلاقة ) في إحداث تغيير ما في التعاطي مع الكتل البشرية المتمركزة في وسط العالم المتصارع بين الشرق والغرب ، وأتبعوها في 2005 بإخراج الجيش السوري من لبنان قسراً ، عبر حراك شعبي ضخم وضاغط على النظام السوري ، هنا استشعرت جمع الأنظمة العربية أن تغييراً ما قادم لا محالة، وأن الولايات المتحدة ومعها الغرب جادون في إحداث نوع من الدمج للأنظمة والشعوب في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا مع المجتمع الدولي وقيمه والتزاماته و اقتصادياته دون القبول ببقائه خارجاً عن القوانين و استمراره في ممارسة انتهاكات خطيرة وعميقة لحقوق الانسان من مواطني تلك الأنظمة وبالتالي تحوله إلى بيئة حاضنة لمعاداة الغرب و دعم حركات التطرف التي استشعر العالم كله خطرها في 11 ايلول 2001 .

من هنا، و بعد أسلوب جورج بوش الابن الفظ في تنفيذ منهج المحافظين الجدد في التغيير، عاد الديمقراطيون إلى الحكم مع الرئيس الواعد وقتها باراك أوباما والذي أضاف تعديلاً جديداً على المنهج بتغيير طريقة تنفيذه ، وهي أن الجنود الأميركيين لن ينزلوا الى الأرض بأنفسهم مجدداً للدفاع عن أي نظام أو لتحقيق أي ديمقراطية ، بل يجب على القوى الاقليمية أن تحل أمورها بنفسها إن أرادت تعديلات على الخطة ، طبعاً وليس تغييرها ، فالخطة موجودة وستنفذ، والشرق الاوسط لن يعود خاضعاً لنتائج الحرب العالمية الأولى أواتفاقية سايكس بيكو البائسة ، بل لم يعد من المقبول أن تطبق عليه نتائج الحرب العالمية الثانية والتي أنتجت تقاسماً للعالم القديم على أساس القطبين ، بل إن ما سيطبق هو الطريقة الأميركية فقط وكل ما هو غير ذلك غير مقبول ، فالمخطط الاميركي في دولته العميقة والتي لا تتأثر بتغيير الإدارات من بوش الى كلينتون الى بوش الى أوباما، لم يعد مستعداً لأن يعيش الكولونيالية مجدداً و حتى لم يعد مستعداً لما بعدها ، فهو يفكر ببراغماتية تعكس النضوج الاميركي في تعاطيه مع العالم ومتغيراته ، فهو مستعد لإعطاء الدول الراغبة في تجاوز أزماتها المحلية من أجل طموح إمبريالي أحمق، حصتها ، مثل نظام بوتين المافيوزي ، أو النظام الصيني الشيوعي الأسمنتي ، أو حتى – وهنا بيت قصيدنا – نظام طائفي ديني فاشي مثل النظام الإيراني أو الإسرائيلي ..وهذان النظامان قد فهما بوضوح وبتأني شديد ما تفكر به الولايات المتحدة وما تفعله ، وبناء عليه وضعا قدراتهما في تصرف المشيئة الإميركية ، بأن يكونا لاعبين حقيقيين في الشرق الاوسط الكبير الذي تهيم شعوبه وترزح تحت وطأة أنظمة لاهم لها سوى السلطة والكرسي، دون أي احساس بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة أو الى مستقبل تلك البلدان ، ودون الدخول بتفاصيل الصراعات الإقليمية في كل بلد من دول الشرق الاوسط ، لذا فإن الصراع في أي بلد منها ما هو في جذره إلا صراع مصالح بين النظامين ، ولا أقول البلدين لأن شعوب البلدين أي ايران واسرائيل وحسب أدبياتها لا ترغب الا في تحسين مستوياتها الحياتية والمعيشية رغم الفارق بين إيران وإسرائيل اقتصادياً و أمنياً ..ولكن ما هو الحل ؟.تصرخ القوى المدنية المستقلة في كل بلدان الشرق الأوسط ، إن الحل يكمن في الديمقراطية، ولم لا تتحقق الديمقراطية في تلك الدول ، إن كان الجميع ينادي بها ، بما فيها القوى الغربية...

يكمن الجواب في النظامين الإيراني والإسرائيلي ، اللذين يرفضان وبقوة تحقيق أي ديمقراطية حقيقية في بلدان الشرق الأوسط على الاطلاق ، فالديمقراطية تعني أن يقرر الشعب مصيره حسب الأغلبية التي تفوز بالانتخابات، وهذا كارثة بالنسبة للنظامين ، فلو أجريت انتخابات حقيقية وديمقراطية حرة في كل البلاد العربية الشرق أوسطية لاكتشفنا ملايين الخلافات في التيارات و الافكار ، ولكن ما لا يختلف عليه الجميع هو استبعاد إيران و إسرائيل على حد سواء ، وذلك لأن الشعب وبإحساسه الفطري يدرك أن سبب البلاء المطلق في بلدان المنطقة هو الصراع بين النظامين ، اللذين لن يسمحا مطلقاً بأن يكون مركز القرار في تلك البلدان شرعياً بفعل قوة صناديق الاقتراع وبالتالي بفضح كل مشاريعهما التوسعية و الاستغلالية و الطائفية ، إن النظام الإيراني على سبيل المثال لن يقبل حالياً بحكم الديمقراطية في سوريا مطلقاً لأنه يدرك أن الشعب السوري سوف يتفق بشكل كامل على استبعاد إيران من حساباته ، وكي لا يحدث هذا فالنظام الايراني سيفعل المستحيل قبل أن يقبل بفتح باب الديمقراطية في سوريا ، سيحاول إنهاء مشروع التغيير الديمغرافي فيها وسيحاول خلق كيانات عسكرية وطائفية محلية تحاول ابقاء الصراع مشتعلاً أطول فترة ممكنة كي لا يحدث أي نوع من الاستقرار المفضي إلى صناديق الاقتراع ، كما يحدث في لبنان منذ 1990 ، أو ريثما ينهك الشعب فيقبل بقسمة طائفية وهو ما يثبت مواقع النظام الايراني في سوريا ، أما اسرائيل فهي أيضاً سوف تقوم بفعل أي شيء الا القبول بتقدم للديمقراطية في سوريا ، لأنها تعلم علم اليقين عبر مراكز أبحاثها و دراساتها ، أن الشعب السوري لم يخرج بعد من فكرة الصراع العربي الصهيوني ، كما هو المصري مثلاً ..وليس مستعداً لقبول سلام تام وشامل في المنطقة ، رغم إدراكه بطلان أفكار المقاومة الزائفة التي فرضتها إيران وحزب الله عليه طوال أربعين عاماً منصرمة . ولذلك فإن الديمقراطية الحقيقية تعني في هذه الحالة رفضاً شعبياً وشرعياً لفكرة السلام وبالتالي استمرار الصراع تحت الجمر لعقود وقرون ..لذلك فإن إسرائيل تعمل على بناء آلية تفكير جديدة للشعب السوري الذي سيقود برأيها عملية التطبيع الحقيقية ، إن حدث السلام ما مع اسرائيل بعد تجهيز التغيير اللازم لأولويات ومصالح هذا الشعب وباقي الشعوب ، وهي أولويات تتعلق بالمستقبل والأجيال و حتى البقاء الحضاري و الاستمرار النوعي.. وعليه فإن قراءة التطورات الحاصلة في المنطقة العربية بعيداً عن عداء النظامين الايراني والاسرائيلي للديمقراطية ما هو إلا ضرب من ضروب الخيال.

هذا ما يحدث وكل ما تبقى من الأحداث على أراضي الشرق الأوسط هي تفاصيل تتحرك بخيوط من أعلى .

التعليقات (1)

    مصطفى الشمالي

    ·منذ 8 سنوات 7 أشهر
    إيران و إسرائيل وجهان لعملة واحدة مع بعض الفرق هو أن إسرائيل تخطط و إيران تنفذ اي أن إسرائيل هي العقل الذكي الذي يحرك من بعيد و إيران هي الذراع الغبي الذي يقتل و يدمر العدو المشترك للطرفين و هو أهل السنة و الجماعة خصوصا في المشرق العربي ( الشام و العراق ) و الهدف اقامة اسرائيل الكبرى عن طريق تفريغ المنطقة من اهل السنة و تحويلهم الى اقلية مستضعفة أو على الاقل اخضاعهم بالقوة و الثمن الذي تدفعه اسرائيل لايران هو مكاسب اقتصادية و نفوذ على السواحل و في بعض المناطق الحيوية المهمة للاقتصاد الايراني
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات