صفقات سرية وأخرى معلنة في سوريا ومصالح الشعب خارج الحسابات

صفقات سرية وأخرى معلنة في سوريا ومصالح الشعب خارج  الحسابات
اجتماعات لوزراء خارجية الإتحاد الأوربي ومؤتمرات صحافية لقادة الإتحاد الأوربي لمناقشة الملف السوري، لا يبدو أن لها تأثيراً فورياً على الأحداث الدامية في سوريا، فيما تتبادل الصحف الكبرى والتلفزة الأكثر مشاهدةً في أوربا تحليلات وآراء، ترجمت خلال الأيام الماضية بشكل مغلوط، أظهرت جلياً رفض جزء كبير من المجتمعات في أوربا لقبول النازحين وتوجيه رسائل للرأي العام بمسؤولية ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية عن التدمير بالرأسمال البشري والمادي، وخفض اللهجة العدائية نحو بشار الأسد ونظامه، في وقت يبدو الموقف الأوربي متأخر سياسياً وعسكرياً عن روسيا الداعمة للنظام، والتي سبقت الإتحاد الأوربي بأشواط.

أسبوع سوري نازف للرأسمال البشري، وصل فيه ما يقارب ثمانية ألف نازح إلى النمسا، وأكثر من خمس عشرة ألف إلى ألمانيا، ومازال ينتظر أكثر من ثلاثين ألف نازح سوري العبور من اليونان إلى دول أوربية، ليدق في أوربا ناقوس الخطر من بلوغ الهجرة غير الشرعية حسب توصيف وسائل الإعلام الأوربية، ذروته حسب تعبيراتها، فيما تستمر حالة التوصيف للنزوح السوري بأنه هجرة غير شرعية، ويقفز إلى العامل الإقتصادي غير الغالب على النزوح السوري السياسي بامتياز، حيث لا أحد يرمي نفسه في البحار ويعبر عشرات الكيلومترات مشياً على الأقدام إلا نحن السوريين، الذين لم نعد نجد أملاً في النجاة من الموت سوى بتحدي من نوع أخر للموت.

وألقى اجتماع وزاء خارجية الإتحاد الأوربي، المنعقد مؤخراً في لوكسمبورغ، والتي رافقه تصريحات هنغاريا صارمة حيال النازحين السوريين، بضلاله على جدية التصريحات الألمانية بشكل خاص والأوربية بالعموم والتي تزعم بالدف في إتجاه حل سياسي للملف السوري وإصدار قوانين قوية تخفف من وطأة اعتبار النازحين السوريين، هجرة غير شرعية، والواضح الوحيد من الغموض الكلي في الإجتماع، كان الإتفاق على دعم هنغاريا وإيطاليا مادياً ولوجستياً لمواجهة ما يرعب اقتصاد الدول الخمس الكبرى أوروبياً، الحاملة العبء الأكبر حيال ملف النازحين السوريين.

ومنذ ورود إشارات واضحة أوروبياً لتحميل ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية لكل ما يحصل وإعفاء نظام بشار الأسد من المسؤولية، مما يجعل الخروج من"فخ الدولة التسلطية"ومسؤوليتها عن نشوء التنظيمات الأصولية على المدى المنظور القريب، غير ممكن. وشهد الأسبوع الأخير تحركات سياسية وإعلامية لتكريس التغيير من حيث المبدأ، أو على الأقل إيجاد على الأقل منافذ لتكريسه، وكأن الحل يختزل بالتعامل مع ملف النازحين، الذين أصبحوا هنا بين المجتمعات الأوربية، والحديث عن قبولهم من عدمه لا يغير بالحقيقة شيئاً، وتضخيم الملف وكأنه خدمة عظيمة يقوم بها الإتحاد الأوربي نحو أسوأ كارثة تتعرض لها البشرية بعد مذبحة رواندا، بل الأبشع بعد الحرب العالمية الثانية، متناسياً الإتحاد الأوربي أنه بصمته حيال العبث بجنوب حوض البحر المتوسط، وترك الأنظمة التسلطية تنشر القتل والدمار، شريك بالتوازي والتكامل مع هذه الأنظمة، وإن لم يرتقي لذات أفعال هذه الأنظمة التسلطية.

لكن مثل هذه الصفقة التي تفرغ سوريا من رأسمالها البشري غير ممكنة كحل سحري، ينقذ نظام مسؤول عن نشر القتل والدمار وإيجاد حركات أصولية مثل ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية لتوفير الاستجابة الطائفية لسلوكه الطائفي.

ولا تبدو نظرية التعامل مع ملف النازحين السوريين ذات جاذبية وكونها هي المفاتيح الأساسية لحل الملف السوري، والتي لا تشمل سوى٢،٦من مجموع النازحين في دول الجوار وما بعد الجوار، مع محافظة الولايات المتحدة على هيمنتها السياسية ومع منح النظام فرصة للتسوية السياسية مع المعارضة المعتدلة، حسب وجهة نظره، ومع تسوية محتملة مع اسرائيل وتسوية لحزب الله بالداخل اللبناني ومنح إيران دوري قيادي تنفيسي مع مشروعية نووية، وهذه المعطيات تبرز مواقف نقيضة مع مصالح الشعب السوري برحيل النظام التسلطي، وما يتلاءم مع المصالح الدولية والإقليمية الكبرى لا يتلاءم بالضرورة مع مشروعية مصالح ومطالب الشعب السوري.

على المستوى الداخلي يبدو الموقف أكثر تعقيداً بقياس النفوذ المفترض لإيران على الساحة السورية. فمع حقيقة أن النظام متورط في أحلاف ومعاهدات استراتيجية مع إيران، تبدو فيها إيران الأقوى والأعمق سيطرةً على الجغرافية السورية، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح على الساحة اللبنانية، أيضاً، ويتجلى ذلك بدعم إيران للقوى والمليشيات الشيعية في حرب طاحنة تخوضها ضد الوجود السني في جنوب حوض البحر المتوسط، على أسس تلاقي متفق عليها، لا ينكرها الحكم العلوي في سوريا، وإن كان في الماضي لا يسمح لها بتحقيق تطلعاتها على حسابها الشخصي، فاليوم هو في موقف لا يمكنه من ذلك، خصوصاً أن الحكم العلوي اليوم لم يعد يملك أورقاً للضغط، وعلى ذلك يسير المشروع الشيعي العربي على متغيرات مرحلية جديدة بعد احتلال العراق، ها هو يشارف على احتلال سوريا، من خط منفصل في العراق إلى خط متقاطع في سوريا سياسياً وفلسفياً وتاريخياً وحتى مذهبياً مع المشروع الإيراني بنسخته"النجادية"، وإن كان التفاهم الإيراني-الأمريكي عسيراً في الماضي، يبدو التفاهم اليوم يسيراً في الحرب المذهبية لإيران ضد الوجود السني في الجمهوريات العربية الكبرى في الشرق الأوسط.

على جانب المعارضة المسلحة

وفي الجانب المعارض للنظام السوري يبدو الموقف مغايراً تماماً، تبدو الفصائل المسلحة للمعارضة تخوض حرباً ضد المليشيات الشيعية المساندة للحكم العلوي، وفي ذات الوقت تخوض حرباً ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، وبالاقتراب من نهاية من العام الخامس على اندلاع الثورة السورية، لم تستطيع هذه الفصائل تحقيق منهجية عسكرية وسياسية خاصة بها، وغياب تنوع مصادر دعمها، لا يمنحها هامشاً للتحرك والمناورة بعيداً عن الطرف الإقليمي المتحكم بها.

وتؤكد بيانات جيش الفتح ،إحدى أكبر الفصائل للمعارضة المسلحة، أن قضية وقوع مصادر الدعم أساسية لاستمرار التنسيق مع القوى الفاعلة على الأرض.

ويصرف النظر عن مصادر الدعم تلك، فإن طبيعة النسيج الاجتماعي والعقائدي الذي لا يربطها، يسمح بإجراء تغييرات جذرية على حساب أهدافها العامة ولمصلحة إتفاق إيراني-أمريكي.

كما أن التعويل على هذه الفصائل الحاملة"مشروع سني"رافض للهيمنة الإيرانية، يستدعي دور أكبر من الدول السنية في دعم مشروع جيش الفتح المتصادم مع المشروع الشيعي.

ويرى بعضهم في هذا الشأن، أن دوراً تركياً فاعلاً ومؤثراً على الساحة السورية في غضون الأشهر المقبلة، يبدو منطقياً في ظل حرص تركيا على مصالحها في أي صفقة مقترحة بالمنطقة، مستثمرة مواقفها من دخولها التحالف العربي-الدولي ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، ووجود حيّزاجتماعي"سني"وآخر"تركماني"يضمن التوازن الطائفي في حال عجز المحيط العربي عن تحقيق ذلك.

وأمام هذه الخريطة الداخلية المغرقة في الترميز والتورية، تقف خريطة إقليمية غارقة هي الأخرى في تعقيداتها ومشرعة على جملة من المتغيرات غير محسوبة، لا تقف عند حدود الصراع الشيعي-السني، والذي دخله"حزب الله"بقوة كطرف يضمن عدم انقلاب التوازن لصالح المعارضة السورية المسلحة، ولا تنتهي حكماً بالأوضاع الإنسانية التي وصلت لتكوين كارثة لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن الصفقات المعلنة وتلك السرية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات