مونة ؟ أم هجرة؟

مونة ؟ أم هجرة؟
لعل الإجابة على هذا السؤال هي أكثر ما يشغل بال السوريين حاليا.

فالمونة والهجرة لا يجتمعان ، وقد لا يتوافر كلاهما للسوري الذي أرهقته الظروف المعيشية الصعبة التي يحياها منذ اندلاع الثورة حتى الآن.

المونة هي رمز الاستقرار والثبات والاستعداد لشتاء آخر في ظل المأساة السورية المستمرة، وهي الإعلان عن البقاء في سوريا إلى الشتاء القادم على الأقل.

وهي ، أي المونة، بحسب الحياة المألوفة سوريا، جزء من طقس الحياة السورية و المطبخ السوري، ولا غنى لأية عائلة عنها، وكانت فكرة المونة قد ازدهرت أكثر مع التقدم التكنلوجي واستخدام المجمدات عوضا عن الاستخدامات القديمة التي تعتمد على التجفيف والتخليل.

لكن المونة أيضا باتت محفوفة بالمخاطر، أولها الصعوبات الاقتصادية مع ارتفاع أسعار السلع إلى المستويات الجنونية بما يفوق قدرة المواطن السوري على تخزينها كما كان يفعل سابقا.

ويشير السوريون إلى أن الكثير من الأكلات المحلية ذات الطابع الشعبي قد تحولت مع ارتفاع الأسعار إلى نوع من الترف ، وربما باتت محصورة بفئة معينة ومنها على سبيل المثال :المكدوس الذي يحتاج إلى زيت الزيتون والجوز والثوم ، وهذه المواد رغم إنتاجها المحلي إلا أنها قد انضمت إلى كوكبة السلع ذات الأرقام الفلكية.

ولا تتوقف صعوبات تموّن السوريين عند الشأن الاقتصادي ، بل تتعداها إلى موضوع الكهرباء لتغدو فكرة المونة بحد ذاتها نوعا من الاستثمار غير المضمون في ظل التقنين الذي يتجاوز 18 ساعة انقطاع في النهار، مما يجعل من فكرة المونة مغامرة يتحسبون لها ، ويتخوفون منها، وهذا يشكل هاجسا للعائلة السورية المجبرة على ربط حزام التقشف و السير على رصيف التقنين.

في الجانب الآخر تبدو حمى الهجرة واللجوء أشبه بالنار التي تسري في هشيم السوريين المتعبين بعد انعدام كل مقومات الحياة وغياب الأمان في الداخل واستيلاء الشبيحة على كل مفاصل الحياة .

ويقول الراغبون في الهجرة :إن خطر عبور البحر لا يزيد عن احتمال خطر البقاء في الداخل ليوم إضافي واحد ، ويرون أن نجاتك من خطر البحر يفتح لك باب الحياة فيما نجاتك من خطر اليوم الحالي في الداخل لا يقلل من احتمالية الخطر في الغد.

الجميع يتحدثون عن الهجرة ويحفظون الخرائط وأسماء المدن التي يعبرها اللاجئون ويتابعون أخبار أقرباء لهم وأصدقاء سبقوهم إلى تلك المغامرة.

وتدور النقاشات الحامية حول الطرق الأنسب، والكلفة الأقل وحول الأمكنة المفضلة، وربما بنوع من المزاح ينادون بعضهم بألقاب وكنى تشير إلى البلد الذي يفضلون ليصبح اسم ناديا "نادية الهولندية" وسمير "سمير الألماني" كناية عن الوجهة التي ينوون الوصول إليها.

وفي هذا المجال يجاهد السويون لتأمين المبلغ المطلوب للرحيل فيتحسسون جيوبهم الخاوية في معظم الحالات، أو ينظرون إلى أملاكهم القابلة للبيع، و التي لا يأمنون خسارتها بدون سابق إنذار، فقد تودي بها قذيفة ما، كما في حالة البيوت والبضائع، وقد تتعرض للسرقة والسلب كما في حالة السيارات.

ومن يعجز منهم عن تأمين المبلغ المطلوب، يفكر باستدانة المبلغ المطلوب، والتي تشير جميع التقديرات إنه لا يقل عن مبلغ المليون ونصف بالليرات السورية للشخص الواحد.

لا يقتصر حديث الهجرة على الشباب والكبار ،بل يتعداه إلى الصغار الذين يرددون ما سمعوه من أهلهم ، ليقول بعضهم لرفاقه إنا مسافر إلى فرنسا، في فرنسا لا توجد قذائف ولا تنقطع الكهرباء وهناك يقدمون لنا الطعام والألعاب مجانا.

بين المونة والهجرة تكبر الحيرة، ويغص السوري أكثر بالأعباء التي يفرضها موسم افتتاح المدارس في أيلول، والتي باتت متطلباتها أعلى من قدرة المواطن العادي،

كما يصدف أن عيد الأضحى المبارك يحل ضيفا هذه السنة على هذا الشهر، وهو ما يفرض مزيدا المصاريف التي لا بد منها في كل بيت سوري.

في النهاية يمكن القول أن حلم إسقاط النظام لم يغب، لكنه لم يعد في بداية المشهد اليومي بالنسبة للسوريين في الداخل والخارج، بعد أن تسرب الحلم من شقوق الانتظار الطويل، كما تسربت حياة الكثير منهم على ضفة السنين الخمسة، قتلا وتشريدا واعتقالا، وأسباب موت لا تنتهي.

وبات سؤال المونة أو الهجرة؟ هو سؤال الحياة الذي ينامون عليه مساء، ويستيقظون على وقع التناقض فيه صباحا ،بانتظار جواب ما، أو شيء ما، قد يحسم قرارهم النهائي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات