الانخراط الروسي في الملف السوري.. الدور والمآل

الانخراط الروسي في الملف السوري.. الدور والمآل

مع تصاعد الأزمة السورية التي شارفت على نهاية عامها الخامس، وضعف قبضة رأس النظام في سورية بشار الأسد تدريجيًّا على مفاصل الدولة، ولما يُمثله النظام من أهمية استراتيجية لروسيا، أكدت الأخيرة على لسان أكثر من مسؤول، وفي مقدمتهم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، أنها لن تكتفي بمراقبة الوضع، وإنما قد تتدخل لمساعدة "الأسد".

تَحْكُمُ الموقفَ الروسي تجاه سورية حساباتٌ سياسية واقتصادية معقدة ومتشابكة. فمنذ ستينيات القرن المنصرم وحتى أوائل التسعينيات، حافظت روسيا على علاقات وثيقة مع "الأسد" الأب، ووقَّعت معه في عام 1980 معاهدة تنص على التشاور في حال وجود تهديد للسلام، وعلى التعاون العسكري. وعلى نهج والده، لا يزال "بشار الأسد" يعتمد على التسليح الروسي، وظل يفعل ذلك بوصفه عميلاً تجاريًّا لا شريكًا، ولكنه تحول إلى شريك استراتيجي لموسكو مع تبدل المشهد الإقليمي في المنطقة واندلاع ثورات الربيع العربي.

في إطار السعي الروسي إلى الحفاظ على نظام "بشار الأسد" الذي يُعدُّ بقاؤه مصلحة روسية، وفي تحول عن العقيدة الأمنية الروسية التي ترفض التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول - شهدت الأسابيع الفائتة نشاطًا عسكريًّا روسيًّا جديدًا وكبيرًا في سوريا؛ حيث أرسلت موسكو عددًا أكبر من الخبراء والمستشارين العسكريين لسوريا، ورفعت من مستوى ونوعية الانخراط العسكري المباشر لمساعدة قوات نظام "الأسد"، وقد تضمن الانخراط العسكري الروسي في سوريا إرسال ضباط رفيعي المستوى، وقيام طيارين روس بشن غارات جوية، فضلاً عن وصول مئات الخبراء والمستشارين إلى مطار اللاذقية الساحلية، وتسلمهم إدارة المطار من قوات النظام.

إذا كان الانخراط العسكري الروسي في سوريا ليس بجديد، فإن ما جرى خلال الأيام الماضية يبدو مختلفًا عما حدث من قبل بالنظر إلى توسيع النشاط العسكري الروسي في سوريا، والتعزيزات غير المسبوقة في مناطق الصراع السوري. ويرتبط التغير النوعي في طبيعة الدور الروسي تجاه الأزمة السورية بحسابات أخرى، فالتدخل العسكري الروسي في سوريا تزامن مع خطة المبعوث الأممي "ستيفان دي ميستورا" التي قدمها إلى مجلس الأمن في 22 أغسطس الماضي، وتضمنت تشكيل هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة بما فيها الجيش والأمن، وتشكيل مجلس عسكري مشترك من النظام والمعارضة، إضافة إلى تشكيل مؤتمر وطني سوري، وإجراء مراجعة دستورية، وانتخابات رئاسية، وبرلمانية، بإشراف الأمم المتحدة.

باتت روسيا تتعامل عسكريًّا مع الأزمة السورية بناءً على مقاربة واضحة هي: التفاهم مع إيران عسكريًّا ومع مصر والأردن سياسيًّا لحل الأزمة السورية، باعتبار هذه الدول من أهم اللاعبين الإقليميين في المنطقة.

تظل حسابات المصالح هي المحرك الرئيسي للانخراط العسكري الروسي في الأزمة السورية؛ إذ تهدف روسيا إلى تحقيق عدة أهداف من وراء تحركاتها الأخيرة؛ أولها: تسويق موسكو كشريك في قتال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لاختراق المأزق الدبلوماسي الراهن في علاقاتها مع الغرب التي تُعاني توترًا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. كما أن مقاتلة "داعش" قد يمنحها فرصة خلخلة الوضع القائم بتوسيع الحرب ضد فصائل المعارضة السورية، وبالتالي تُصبح القوات الروسية بجوار عناصر الحرس الثوري الإيراني في صدارة المشهد السوري والمتحكم في الوضع على الأرض.

يرتبط الهدف الثاني برغبة روسيا في منع انهيار مؤسسَتَيْ الجيش والأمن بعد الانتكاسات الأخيرة فضلا عن رغبتها في تعزيز قدرات جيش النظام ضد تنامي دور الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، بحيث تكون روسيا قادرة أكثر على فرض تسوية سياسية على أساس بيان جنيف، ما يعني عمليًّا سحب البساط من إيران لاتخاذ المبادرة السياسية.

بالإضاقة إلى ذلك، ثمة رؤية خاصة لموسكو للربيع العربي عمومًا، والسوري خصوصًا، فهي تراه ثورة إسلامية من المرجح أن يُهيمن عليها المتطرفون، ولعل ذلك يُفسر فتور العلاقات المصرية–الروسية بعد صعود جماعة "الإخوان" إلى سدة السلطة في عام 2012. لذا فإن إنقاذ "الأسد" ليس هدف روسيا الوحيد في سوريا، بل إن التدخل الروسي الراهن يعكس مخاوفها من أن يصبح الملف السوري أكثر تطرفًا وانتشارًا، ناهيك عن قلقها المتنامي جراء وصول "داعش" وتغلغله النشط في شمال القوقاز، خصوصًا بعد إعلان جماعة "فيلايات الشيشانية" في يونيو 2015 -وهي إحدى أهم الجماعات المتمردة في شمال القوقاز- ولاءها لتنظيم "داعش".

التدخل الروسي في سوريا سوف تسهم في إطالة أمد الأزمة السورية كما يتوقع لهذا التدخل إعادة رسم خارطة العلاقات الدولية فيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين روسيا من جهة والغرب والولايات المتحدة من جهة ثانية. لكن لن يكون بمقدور روسيا وحدها صنع سلام في سوريا، فستظل موسكو بحاجة إلى التنسيق مع واشنطن وعواصم إقليمية تمتلك جزءًا من مفاتيح الحل السوري، ناهيك عن أن سوريا حليف روسيا الوحيد في المنطقة تبدو الآن ضعيفة ومنهكة إضافة إلى عزلتها إقليميًّا ودوليًّا.

التعليقات (1)

    الخلاص من السرطان الروسي

    ·منذ 8 سنوات 7 أشهر
    الاخ الاستاذ : بداية لايوجد هناك إنخراط روسي، بل هناك عصابة تعمل لروسيا منذ عام 1965 وسمها ماشئت، ففي سوريا " ضُحك " على الجميع، ويُمكن تثبت لك الاحداث المستقبلية عن دول جبهة الصمود والتصدي أو المماتعة والمقاولة أن سوريا تعرضت ومنذ نصف قرت الى هذا السرطان المخابراتي الروسي بالمعية الايرانية لتكون مستهلك حقيقي وفعلي فكريا وجسديا بواسطة حافظ الجحش وابنه الكر .... اارجع الى فترة تاوشيسكو الروماني وحافظ الجحش لترى ماذا كانت تفعل سوريا وماذا كانت تفعل رومانيا في الشرق الاوربي ... الخ
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات