لماذا لن يستطيع بوتين إنقاذ الأسد؟

لماذا لن يستطيع بوتين إنقاذ الأسد؟
كان فلاديمير بوتين في بداية حياته ضئيل الحجم و ضعيف البنية مقارنة بأولاد جيله الروس فلجأ إلى الرياضة و خاصّة الجودو ليبدو أقوى من حقيقته. هذه النقطة تحديدا تلخّص كامل سلوك بوتين حتّى يومنا هذا: كيف تبدو أقوى ممّا أنت ؟.

قبل بضعة أسابيع أرسل بوتين الكثير من العتاد العسكري و الجنود إلى سوريا كما أجرى مناورات عسكريّة على الشواطئ السوريّة و بدأ بعدها بسلسلة من الغارات الجويّة إستهدفت نفس الأهداف الّتي يستهدفها النظام السوري: المدنيّين في المناطق المحرّرة بإعتبارهم أعداء طبيعيّين لنظام الأسد , و ذهب إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة وألقى خطابا ناريّا، حسب زعمه، يحدّد فيه رؤيته للموضوع السوري والطريقة الوحيدة لحل المشكلة بعد أن هيّأ المسرح ليبدو أمام الجمعيّة العامّة أقوى من حقيقته.

في الواقع أمام بوتين عقبات كبيرة وجوهريّة تقلّل من إمكانيّة الإستمرار في هذه الحركات الاستعراضيّة وتحويلها لتدخّل عسكري حقيقي طويل الأمد لدعم نظام الأسد. أولى هذه العقبات ديموغرافي: فحسب الموسوعة الحرّة الويكيبيديا فإنّ في روسيا الإتّحاديّة 28 مليون مسلم أي 20% من إجمالي عدد السكّان و 27 مليون منهم من السنّة و هم ليسوا مهاجرين من مناطق أخرى مثل المسلمين في أوروبا وأميركا بل هم سكّان البلاد الأصليّين الّذين تم ضمّهم للدولة الروسيّة في فترات مختلفة، و عن طريق القوّة والغزو والتوسّع. لدى الكثير من هؤلاء المسلمين تطلّعات إستقلاليّة ترتّب عليها مواجهات كثيرة كان آخرها منذ سنوات قليلة في الشيشان. وفوق ذلك فإنّ نسبة هؤلاء المسلمين إلى عدد السكان في روسيا بإزدياد مستمر لإرتفاع نسبة المواليد عندهم المترافق بإنخفاض عدد الروس نتيجة عوامل عديدة من أهمّها إرتفاع نسبة المهاجرين من الروس لأوروبا وأميركا. يبذل الحكم الروسي جهودا خاصّة للتحكّم بالشارع المسلم على طريقة النظام السوري من خلال شيوخ السلطان المرتبطين بالأمن الروسي والّذين يتولّون الخطابة والتدريس بالمساجد و ربّما يحضّون على طاعة أولي الأمر !!؟؟.

وقد تمّ في موسكو قبل أيّام فقط افتتاح أكبر مسجد في أوروبا بحضور محمود عبّاس وأردوغان لكسب ودّ المسلمين في روسيا الإتحاديّة. أي أنّ بوتين ليس في وارد الاستمرار لفترة طويلة بالقيام بأعمال عسكريّة مباشرة تنتشر أخبارها وصورها عبر العالم تؤدّي لضحايا من المسلمين على أيدي قوّات برّية أو جوّية روسيّة. ففي أوّل يوم بعد الغارة الروسيّة على ريف حمص وعندما ظهرت أولى الصور عن الضحايا المدنيّين في سوريا ظهر بوتين شخصيّا على وسائل الإعلام وادّعى كذباأنّ هذه الصور قد تمّ نشرها قبل حدوث الغارة !! نفس كذبات النظام السوري في بداية الثورة.

للمقارنة: عندما قامت الولايات بغاراتها ضدّ داعش شكّلت تحالفا من 60 دولة أغلبها إسلاميّة من جهة ومن جهة أخرى فإنّها أعلنت موقفاً واضحا بأنّها ليست مع نظام الأسد وقامت بإرسال بعض الأسلحة لبعض فصائل المعارضة السوريّة " رغم أنّها غير كافية أبدا" وكانت أكبر المتبرّعين للنواحي الإنسانيّة للّاجئين السوريّين، وطالبت دائما في المحافل الدوليّة بحل سياسي ينهي حكم عائلة الأسد ممّا جعل تدخّلها في ضرب داعش في سوريا قابلا للتفهّم، كما أنّها حاولت أن لا تجعل النظام السوري مستفيدا من ضرباتها قدر الإمكان. في المقابل روسيا لم تترك طريقة لدعم النظام السوري لم تقم بها، من الفيتو للسلاح و الذخيرة للدعم الإقتصادي، لذا لا يوجد أي طريقة لفهم التدخّل الروسي إلّا كدعمٍ لنظام الأسد ضدّ الأغلبيّة المطلقة من الشعب السوري و أتت غاراتها الجويّة لتأكّد أن هدفها الوحيد ضرب الشعب السوري نفسه لأنّه برفضه حكم عائلة الأسد أصبح بكامله إرهابيّا يجوز قصفه و قتله حسب بوتين والأسد، ومع هذا بإنه من المستبعد أن يستمر بوتين بهذه العمليّات لفترات طويلة لما تحمله من مخاطر على إستقرار نظامه في روسيا نفسها.

ثاني هذه العقبات إقتصادي ،رسّخ بوتين سلطته بين 2000-2008 عبر النمو الاقتصادي الّذي حدث بذلك الوقت مع ارتفاع أسعار البترول و الغاز. و هناك نقطة من المفيد شرحها و هي أنّ الاقتصاد الروسي متخلّف تماما, فروسيا الّتي يراها الموالون و بقايا اليساريّين و القوميّين قوّة عظمى لا تصدّر لا سيارات ولا كومبيوترات ولا موبايلات ولاأجهزة كهربائيّة ولا مفروشات ولا حتّى ملابس أو أحذية بل تصدّر فقط مواد خام. يشكّل البترول و الغاز نسبة 16% من الناتج الوطني الإجمالي لروسيا و يشكّل 52% من عائدات الميزانيّة الروسيّة و 70% من إجمالي الصادرات. و تمثّل الفلاحة ( الحبوب و البطاطس) و تربية الماشية والصيد البحري و زراعة الغابات أهم قطّاعات الإقتصاد الروسي. هذه حقيقة اقتصاد "القيصر" !!. تعرّض هذا الاقتصاد لضربة كبيرة مؤخّرا، فقد انخفضت أسعار البترول في عدة أشهر فقط من 111-112 دولار للبرميل إلى 47-48 دولار فقط. كما إنخفض الغاز خلال نفس الفترة من 4.6-4.8 دولار لكل مليون وحدة حراريّة إلى 2.4-2.5 دولار أي فقدت روسيا أكثر من نصف قيمة هذه الصادرات.

وقد لجأت الحكومة الروسيّة إلى تقليص الواردات حتّى يبقى من الوارد ما يكفي لسداد الديون الخارجيّة ، وكانّ معدّل النمو كان سلبيّا خلال الفترة الأخيرة. باختصار، إنّ الوضع الإقتصادي الحالي غير مناسب و لا بأي طريقة لمغامرات عسكريّة مكلفة طويلة الزمن ، لأنّ تدهور الوضع الإقتصادي سيجعل كل الاحتمالات واردة بما فيها عودة التظاهرات للشوارع ضد الحكم الديكتاتوري لبوتين.

كذلك يجب أن لا ننسى الوضع الأوكراني الّذي أوجد جرح غائر بين روسيا و العالم الغربي و الّذي نجم عنه سلسلة من العقوبات المستمرّة إلى اليوم و فتح جبهة أخرى في سوريا سيكون تهوّرا من قبل بوتين لن يستطيع تسويقه أو تبريره.

و لاننسى أيضا أنّ بوتين من خلال سلوكه فيما يخص الموضوع السوري في الأمم المتّحدة و مجلس الأمن و إستخدامه حقّ الفيتو عدّة مرّات لحماية النظام السوري و منع محاسبته على جرائم ضدّ الإنسانيّة قد وضع كل منظّمة الأمم المتّحدة و مشروعيّتها موضع تساؤل و إرتفعت الأصوات المطالبة بإعادة النظر في تركيبة مجلس الأمن و حق الفيتو , وقاحة الموقف الروسي بالموضوع السوري أوجدت حملة لسحب حق النقض من نظام ديكتاتوري كالنظام الروسي الحالي لا يجب أن يكون مسؤولا عن الأمن و السلم الدوليّين , حتّى الصين نأت بنفسها عن روسيا بعد غاراتها على سوريا.

النقطة الأخيرة الّتي تجعل مهمّة بوتين شديدة الصعوبة هي النظام السوري نفسه، الّذي لم يترك جريمة لم يرتكبها و كل جرائمه موثّقة، بحيث لا يستطيع أي شخص أو طرف مهما كانت وقاحته الدفاع عنّه، لذلك تبدو مهمّة بوتين لتلميع و إعادة إنتاج نظام الأسد مهمّة مستحيلة. كما أنّه لن يستطيع إيجاد أي قوى أو شخصيّات محترمة محسوبة على المعارضة الحقيقيّة لتشاركه بمسرحيّة الحلول السياسيّة الخلّبيّة. أوّل المؤشّرات على ما نقول أنّ استطلاعات الرأي الّتي أجريت الآن داخل روسيا أظهرت رفضا واسعا للتدخّل في سوريا، حيث لم يؤيّد هذا التدخّل سوى 15% من الروس و هي المرّة الأولى الّتي تعارض فيها استطلاعات الرأي قرارا لبوتين منذ إستلامه للسلطة عام 2000 , في حين أنّه أثناء التدخّل في أوكرانيا كانت نسبة التأييد للتدخّل كاسحة !!.

دائما يحيط الديكتاتور نفسه بمجموعة من المتملّقين بدل المستشارين و هؤلاء المتملّقين يتكفّلون بفرش الورود أمام الديكتاتور على الطريق الّذي سيقوده إلى الجحيم.

هناك صورة كاريكاتوريّة نراها بكثرة عن قط يرى صورته بالمرآة كأسد هذه الصورة تعكس تماما و بدقّة وضع بوتين و إذا أصرّ على سلوكه الأحمق بسوريا فإنّه قد يطيل من عمر نظام الأسد عدّة أيام و لكنّه بالمقابل سيقصّر من عمر نظامه نفسه.

التعليقات (1)

    Said MAROC

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    باختصار فان روسيا وعلى ما يبدو ترتكب نفس اخطاء امريكا في المنطقة لك بدخول حربين غي نفس الوقت مع اختلاف ان الاخيرة دخلت حربا غير مباشرة في اوكرانيا ومباشرة في سوريا كما ا وجه الاختلاف يكمن في كون الوضع في امريكا اندك ليس هو وضع روسيا الان وراينا ماحصل للقوة الاولى في العالم ليتبين لنا ما ستؤول اليه الاخيرة ملاحظة مازلنا ومازالت روسيا معنا لم نسمع كلمة المعارضة السورية البطلة و الايام بييننا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات