سياسة بوتين "نظام العشوائيات"

سياسة بوتين "نظام العشوائيات"
نقلت وكالة ريا نوفوستي الروسية للأنباء 04.10.2015 أن الرئيس بشار الأسد أعلن أنه سيقدم استقالته دون إبطاء إذا كان هذا سيساعد على حل الأزمة السياسية داخل البلاد.

يرغب الروس، من خلال هذا الخبر، توليد انطباع بأن لهم تأثير جدي على مراكز اتخاذ القرار في سوريا من جهة، ومن جهة أخرى، العودة إلى الأسطوانة المشروخة القديمة بأن التغيير يمكن أن يتم في إطار النظام القائم والمعارضة المصنّعة لديه... وأن لا ثورة في البلاد سوى إرهابيين إسلاميين ينضوون تحت أجنحة تنظيمات "داعش" والنصرة" وغيرها من التنظيمات المنبثقة عن القاعدة.

وبهذا تبرز روسيا كطرف دولي له الكلمة الفصل في القضايا الدولية الكبرى وشريك استراتيجي يفرض موقفه أينما شاء وحينما يقرر.

نلاحظ أن هذه صياغات ساذجة للتسويق في صفوف العامة من الناس وخاصة رعاع الروس الذين يشكلون الغالبية في ميزان قوى الشعب ويترتب عليهم تحمل كافة أعباء وتبعات الأزمة الاقتصادية في سبيل استمرار "البابا" بوتين وفريقه بتجيير ثروات البلاد إلى حساباتهم.

ولو عدنا إلى سنة خلت لوجدنا أن لا أحد كان بإمكانه التنبؤ بتدخل روسي عسكري في سوريا، كما لم يكن ليخطر ببال أحد هذا التدخل الوقح في أوكرانيا لا بل وضم القرم دون الأخذ بعين الاعتبار المجتمع والقانون الدوليين.

يعتقد الكثيرون أن السياسة الروسية تملك استراتيجيات تمثل المصلحة القومية العليا للدولة التي تعتبر إحدى دول الريادة العالمية أو كما يحلو للمنظومة الحاكمة تسمية بلادها بـ "روسيا العظمى".

وانطلاقاً من تسمية العظمى، يعتبر المعنيون أن لهذه الدولة مصالح خارجية يترتب عليها تحقيقها والدفاع عنها ضد من يقف في وجهها. لكن قيم الدولة انهارت مع سقوط الاتحاد السوفييتي، اللهم إن لم يحدث ذلك منذ نشأته! ولم يتمكن النظام الجديد من صياغة مشروع قومي يضم أبناء الوطن (روسيا الاتحادية) تحت سقف واحد. فكان التخبط نتيجة الفوضى التي خلقها الجشع الأوليغارشي، الذي لا يعرف الرحمة ولا قيمة للإنسان في قاموسه. لكنه يستخدم كافة الأقنعة في آن معا، رغم تناقضاتها من حيث الشكل والمضمون، من أجل تحقيق أية منفعة كانت.

وتقدم أحداث الأيام الأخيرة مثالاً جديداً على هذه السياسة البهلوانية الفاشلة. ففي تاريخ 30 سبتمبر/أيلول تناقلت وسائل الإعلام الروسية والعالمية خبر تأييد الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية لقرار المجلس الفدرالي الروسي، الذي صدر في نفس اليوم، بشأن السماح باستخدام القوات المسلحة الروسية في الخارج، ضد إرهابيي "الدولة الإسلامية" في سوريا. وقد نفذت طائرات سلاح الجو الروسية أولى غاراتها في سوريا في نفس اليوم أيضا.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دشن يوم 23 سبتمبر "مسجد موسكو الكبير" بعد توسيعه ليصبح الأكبر في أوروبا، حسب مصادر روسية. وتمت المراسيم بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

على أثر توجه قطع من سلاح البحرية الروسية باتجاه المتوسط والمياه الإقليمية السورية، وصل في 21 سبتمبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى موسكو، وأعلن الطرفان عن التنسيق والتفاهم بشأن العمليات العسكرية الروسية في سوريا. فيما يمكن إدراك أن إسرائيل لم تذهب إلى موسكو لتستعطفها وتتفهم موقف بوتين وخططه!

كما أن كلمة بوتين، أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر أي قبل يومين من بدء الروس الغارات الجوية في سوريا، جاءت ذات محتوى هجومي على الأمريكان، ما جسد مسرحية "بوتين القوي" وأن الدول الكبرى تضطر إلى تعويمه أمام المجتمع الدولي من خلال صمتها عن تصرفاته الرعناء.

بعد ذلك، بدأ تسريب أفكار تقضي بأن روسيا تقوم بهذا التدخل العسكري في سوريا كحرب بالوكالة مدفوعة الأجر من إيران. فيما تحفظت جميع الأطراف المعنية عن التعليق أو توضيح الأمور، لأن كل يرى في صمته خدمة لمآرب خاصة يعتقد أنه بذلك يمررها على المجتمع الدولي والمنافسين.

ولا يسعنا هنا إلا أن نذكّر بحقيقتين مهمتين:

أن إيران لا يمكن أن تتحالف استراتيجيا وحقيقة مع روسيا لسبب رئيس وهو أن مشاريع الطاقة الاستراتيجية في خطط الطرفين على النقيض تماما، وأن نجاح إيران هو حصار لروسيا وانهيار لأحلام الأخيرة الإمبراطورية.

أما الحقيقة الثاني فتتعلق بأن روسيا في حالة أزمة اقتصادية وكل عملية تمدد خارجية تقوم بها هي إسهام في زيادة الأعباء على الميزانية الروسية إضافة إلى واقع تخلفها العسكري وذلك على عكس المعلومات التي تروّج هنا وهناك.

والأمر الأساس هو أن مصلحة روسيا ترتبط ارتباطاً وثيقا باستمرار الخراب في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لكي يبقى هناك سوق أوسع لمصادر الطاقة الروسية التي تشكل المصدر الرئيس لاقتصاد البلاد. أو أن تقبلها الاحتكارات الكبرى كشريك في الاستثمارات الدولية، وهذا أمر يبدو بعيد المنال.

وبناء على ما تقدم تبقى السياسة البوتينية قائمة على المغامرة والخطوات العشوائية على أمل أن تصيب في شيء ينقذها من القدر المحتوم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات