خسائر كبرى بانتظار روسيا في سوريا

خسائر كبرى بانتظار روسيا في سوريا

يوما بعد يوم يتضح أن فلاديمر بوتين لم يدخل سوريا مقامرا ولا مغامرا، بل دخل عن سبق إصرار وإعداد، واندفاعته إلى الآن تشي بأن ثمة بنك من الأهداف العسكرية والسياسية والاقتصادية قد وضعته موسكو واطلعت عليه أو على بعضه حلفائها في الإقليم، وفاجأت به إلى حدما بعض الدول أيضا في الإقليم، والمعني هنا تركيا التي باتت تتلقى صفعات موسكو واعتذارها توالياً، أما الشريك العالمي الأكبر الولايات المتحدة فيبدو أنه مازال ينتظر ويقيّم إلى مدى سيذهب السيد بوتين في مشروعه وإن كان فعلا قد أعد قواته البرية للزج بها في المعركة وهذا ما قد يغير من قاعد اللعبة، وإن كان بعض التنبؤ قد أتى في هذا الإطار من وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، عندما اعتبر أن روسيا ستبدأ في تكبد خسائر بشرية بعد توسيع دعمها العسكري لنظام بشار الأسد.

لكن الوزير عرج على ما حدث فعلا على الأرض السورية خلال الأيام الماضية، وقال "شنوا (يقصد روسيا) هجوما بريا مشتركا مع قوات الأسد وأزالوا بذلك واجهة أنهم يقاتلون تنظيم الدولة"، وكأنه أراد أن يوجه رسالة للكرملين مفادها أن البيت الأبيض على اطلاع بكل ما تفعلوه على الأرض وعليكم أن تعيدوا حساباتكم التي بدت خاسرة تماما جراء توريط قوات الأسد والمليشيات المساندة له بمعركة برية أدت إلى "مجزرة دبابات" باستخدام كثيف لسلاح أميركي هو صاروخ "التاو" على يد الطرف الأضعف في المعادلة "الجيش الحر" والذي كان مكسر العصا للدبلوماسية الروسية التي دأب عرابها خلال الأسبوع المنصرم على البحث عن هذا الجيش حتى قال صراحة إنه "بات وهمياً" ولمح إلى علاقة تربط أميركــا بالفصائل التي مازالت ترفع راية الجيش الحر عندما قال بأنه سأل جون كيري عن مكان وجود قادة الحر للاتصال بهم.

ويمكن فهم خبث لافروف في هذا النقطة بأنه يريد أن يلصق تهمة العمالة لأميركا بأفراد الحر، وهو يعلم مدى تأثير ذلك على طبيعة علاقة الشعب السوري بالفصائل، ويمكن أيضا فهم خبث أشتون كارتر عندما ذكر الهجوم البري وسماه بــ "النهج الطائش" بعد ضمه إلى حادثة المضايقة التي تعرضت لها إحدى طائرات التحالف الدولي من قبل مقاتلة روسية، وليس بعيدا أنه قصد أيضا الاستعراض العسكري غير المبرر لإطلاق 26 صاروخا من بحر قزوين على ما قيل إنها مواقع لتنظيم الدولة في سوريا، وهذه بلا شك رسالة روسية للغرب عموما، ولتركيا خصوصا بعدما انتهكت مقاتلات روسية أجواءها وهذا ما دفع حلف الناتو للإعلان عن استعداده لنشر قوات في تركيا والدفاع عنها، وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ "الحلف مستعد وقادر على الدفاع عن جميع حلفائه، بمن فيهم تركيا، ضد أي تهديدات"، وبذلك تكون روسيا قد أدخلت الجميع في لعبة واحدة وتبدو مصرة على أن تلعب بطريقة خروج المغلوب، ومن الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن مباشرة باراك أوباما الذي يمكن أن يعتبر المغلوب الأول في هذه اللعبة ويمكن أيضا اعتباره مراقبا من بعيد ينتظر لحظة دخول أو لحظة خروج نهائي، خاصة وأن إدارته مازالت رغم تبيان حقيقة العدوان الروسي الفج ملتزمة بحدود التصريحات والتسريبات الاعلامية كأي وسيلة إعلام استقصائية تنشر كل حين خبرا عن النفوذ الروسي أو عن الأماكن التي استهدفتها الطائرات، ومن اللاعبين الأساسيين يمكن الوقوف عند الأوربيين وممثلهم الفرنسي الذي أراد بوتين جره إلى الحلبة عندما قال بأن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اقترح توحيد جهود الجيش السوري الحر وقوات الأسد لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا، فأتى الرد مباشرة من باريس بأن هذه الفكرة لم تصدر من فرنسا بتاتاً، ومن جانب اللاعبين العرب فقد صدر سابقا موقف صريح من الجانب المصري يؤيد العدوان، وفي إطار لعبة بوتين لا يمكن الآخذ بعين الاعتبار موقف نظام الأسد الذي لا يعدو كونه بيدقا صغيرا كان في يد إيران والآن بيد روسيا وكلا الدولتين اصطدمتا بتركيا، أما طهران فقبلت أن تبقي المصالح بعيدة عما يجري في سوريا، لكن موسكو يبدو أنها تريد من أنقرة إما الاعتراف بالخسارة والخروج من اللعبة كمغلوب أو أن تدخل المواجهة بصفتها داعم للفصائل التي تقاتل قوات الأسد، وبذلك يتم عقد صفقة متكاملة أطرافها هم الرعاة.

روسيا خسرت الجولة الأولى بعد التصدي لهجوم قوات الأسد المدعوم جوا من طائراتها، خسرتها ولاشك أنها تعد لجولة أخرى أو جولات، وهنا يُنتظر الرد القادم والذي سيكون مصحوبا بالزخم الإعلامي الذي لعب في الجولة الأولى (من دون قصد) لصالح الجيش الحر الذي أعيد للحياة، فهل ستكون موسكو جاهزة للذهاب أكثر في هذا المضمار خاصة وأن حصان الرهان (بشار الأسد) هو حصان خاسر، وأن الجولة الثانية يجب أن تأتي بنتائج مضاعفة لتعوض الأولى وهذا ما قد يجعلها تستخدم يديها إذ أكد السفير الأميركي لدى حلف شمال الأطلسي "أن روسيا نشرت كتيبة قوات برية تدعمها أحدث دبابات"، وبذلك تعيد موسكو تأجيج الحرب التي كان يخسرها الأسد ومن معه وتعيد ذات الأخطاء التي ارتكبتها إيران وحزب الله عندما اعتبروا أن التدخل سينقذ بشار الأسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات