الشرط الأهم في الحلّ السياسي

الشرط الأهم في الحلّ السياسي
انشغلتْ أقلامُ المحللين - مؤخراً- في الحديث عن آفاق الحلِّ السياسي في سورية، ومدى إمكانية تطبيقه في ظل الظروف الراهنة.

ويكادُ يكون الحيّز الأكبر الذي شغل اهتمام هؤلاء هو مناقشة بنود الحلّ السياسي المطروح، ولعل ما تسرَّب عن البنود المقترحة من قبل روسيا - في اجتماع فيينا الذي جمع "سيرجي لافروف" وزير الخارجية الروسي و"جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي- هو ما أثار زوبعة من الاهتمام والتحليلات السياسية في الآونة الأخيرة، نظراً للدور الذي تلعبه روسيا مؤخراً في القضية السورية، بعد تدخلها المعلن جواً وبقوة لمؤازرة النظام وفرض ما ترى أنه حلٌ ينهي الأزمة من وجهة نظرها.

وهو أمرٌ -على أهميته- يجب أن لا يصرِفنا عن مناقشة آليات تطبيق الحل السياسي المقترح، والظروف الموضوعية الضرورية لإتمام أيّ حل سياسي، والتي من أهمها - برأيي- وجودُ هيئة سياسية موحّدة للفصائل المقاتلة على الأرض، تتحدث باسمهم وتفاوض عنهم، ويمثلونها على الأرض عسكرياً.

ومن دون هذه الهيئة السياسية لا يمكن الحديث أبداً عن أي حلٍ سياسي حتى بشروط الثوار أنفسهم، حيث يصعب مخاطبة فصائل متناثرة على مساحات واسعة في الأرض السورية، والاتفاق معها جميعاً على حلٍ ملزمٍ مالم تكن هذه الفصائل قد هيكلتْ نفسها في جسم مفوَّض ترتضيه في أي اتفاق أو مفاوضة.

ولعل المتأمل في علاقة الفصائل بالأجسام السياسية القائمة حالياً كالائتلاف والحكومة المنبثقة عنه، يدرك تماماً ضبابية هذه العلاقة من وجه، وهشاشتها من وجه آخر.

فخلال السنوات الماضية من عمر الائتلاف منذ 2012م، لم ينجح في كسب ثقة الحاضنة الثورية على الأرض، ناهيك عن ثقة الفصائل، وخاصة تلك المسماة بالإسلامية، لأسباب عدة، من أهمها ضعف التنسيق والتواصل والتباين في المواقف في كثير من الأحيان بين الفصائل والائتلاف، وسوء أداء الائتلاف سياسياً، وترهله ضمن التجاذبات السياسية والحزبية التي أبعدته عن نبض الثورة على الأرض.

كذلك لم تنجح المجالس العسكرية التابعة للحكومة - قيادة أركان الجيش الحر مجلس القيادة العسكرية العليا- من أخذ دورٍ فاعل وحقيقي على الأرض، لأسباب عدة من أهمها وجود شخصيات لا فاعلية لها على الأرض ضمن عضوية هذه المجالس، وعدم استيعاب الفصائل الكبيرة، وانعكاس المنافسة الحزبية في الائتلاف والحكومة على تركيبة هذه المجالس.

ولعل المشروع الأبرز الذي كان يعوَّل عليه في تمثيل الفصائل سياسياً، وتشكيل نواة جيش موحد لهم، هو مشروع مجلس قيادة الثورة، الذي انبثق عن مبادرة "واعتصموا" والذي ضم أكثر من مائة فصيل على الساحة السورية من فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية، وأُعلنَ عنه في أواخر 2014م، غير أنه ولأسباب عدّة - من أهمها انعدام الدعم المالي والاعتراف الدّولي به، إضافة إلى تنازع المحاصصة الفصائلية على مقاعد عضويته، وغياب المسؤولية لدى بعض الأعضاء ومحاربة جهات سياسية معارضة له - لم يأخذ دوره الحقيقي عسكرياً على الأرض، وسياسياً بأن يكون المظلة الحقيقية التي تلزم كل الفصائل بالقرارات الصادرة عنه.

كذلك لم تنجح المكاتبُ السياسية للفصائل الكبرى في تشكيل تحالف وكيان موحّد، واقتصر دور كثير منهم على تكريس دور فصيله في زحمة الفضاء السياسي، حتى أنهم وفي كل بيان إزاء موقف ما، يحتاجون إلى تواصل من جديد للخروج ببيان يحمل أسماء الفصائل الموافقة عليه دون غيرهم.

وإزاء هذه الظروف الحالية، والتحديات القائمة، وما يمكن أن يُطرح من مبادرات سياسية مشبوهة، قد تخطف ثمار الثورة، وتلتف على تضحيات أهلها، لا بد من تكثيف الجهود لإنضاج جسم سياسي موحَّد للفصائل، تعترف به الفصائل ممثلاً لها، ولا تخاطِب الدول والمنظمات إلا من خلاله، ولا يُسمح لفصيل من الفصائل المشاركة فيه حضورَ مؤتمر أو التوقيع على اتفاق سياسي إلا بموافقته.

وباستقراء الأجسام السياسية القائمة، لا أظن أن الائتلاف بوضعه الراهن مرشحٌ للقيام بهذا الدور، فيما لا أظن أن المكاتب السياسية قادرة -بالتنسيق فقط فيما بينها- على ضمان الموقف القوي الموحد إزاء القضايا المصيرية، لذا فلا بد من إعادة تفعيل مجلس قيادة الثورة كمظلة سياسية للفصائل، وإذا عجزنا عن ذلك فلا بد في نهاية المطاف من التفكير بإنشاء جسمٍ جديد، علماً أن هذا الخيار الأخير قد لا يحظى بفرص النجاح الكافية، لأسباب عدّة من أهمها أن الناس قد ملَّت من الأجسام المشكلة والمشاريع المكررة ولن تدعم أي مشروع جديد مالم ترَ له إنجازاً متميزاً، وأن الظروف الدولية والطروحات السياسية العاجلة لا تحتمل انتظار إنضاج مشروع قد يأخذ شهوراً كما حصل في مجلس قيادة الثورة.

وعلى الفصائل الكبرى، - وأخصُّ منها حركة أحرار الشام في الشمال، وجيش الإسلام في الجنوب- أن تأخذ على عاتقها هذا الدور، وبلا شك فإنها ستجد حال اتفاقها على تفعيل هذه المظلة دعماً من الفصائل الأخرى، ومن الهيئات الثورية والناشطين، بما يمكن أن يحقق التفاف الناس حول هذا الجسم، وتكليفه بدور المفاوض الذي لا يخرج عن شروط الثورة ومبادئها وثوابتها.

وأخشى أن أقول: إن تأخر الفصائل في اعتماد هذه المظلة السياسية، سيتسبب في خسارة كبيرة للثورة وللفصائل ذاتها، في وقتٍ صرّحت فيه روسيا عن زيارة بعض ممثلي فصائل الجيش الحر لروسيا من أجل الاتفاق على الحل السياسي  وهو أمرٌ - وإن لم يكن قد جرى مع فصائل حقيقية أو فاعلة على الأرض إلا أنه وبقليل من الضخ الإعلامي الروسي والدعم الدولي ومزيج من خلطة المعارضة السياسية المقبولة من ورسيا- قابل لأن يزعزع  صف الفصائل ويسحب البساط من تحتها، ويمضي اتفاقاً يَكسب في ظاهره مشروعية مشاركة الفصائل والمعارضة، ويجعل الفصائل التي لا توافق عليه ضمن دائرة بنوك الأهداف الدولية المتفق على استهدافها للفصائل الرافضة للحل السياسي، حتى وإن كانت فاعلة ولها حضورها، خاصة وأن مصطلح الجيش الحر الذي تعزف روسيا على وتر إمكانية قبوله، هو مصطلح يصعب إسقاطه على جسم موحد على الأرض أيضاً فقد يدّعي عدد الضباط المنشقين من قادة مجموعات صغيرة لا فاعلية لها على الأرض أنهم يمثلون الجيش الحر وجاهزون لتمثيله في المفاوضات.

وإذا حصل ذلك دون أن يكون للفصائل جسم موحّد يلغي اعترافه بكل ما يتم التوقيع عليه خارج إطار هذا الجسم، فأخشى أن قيادات هذه الفصائل سيكتشفون أنهم كانوا غير جديرين بصفة القيادة، وغير جديرين بهذه الثقة التي منحها لهم الثوار، ولا يستحقون تمثيل هذه الثورة العظيمة، وتضحيات الشعب السوري، إما لغباء وجهل وقصر نظر، أو لأنانية  وفصائلية وحزبية مقيتة، وإما لتبعية لأجندات مشبوهة حرفتْ بوصلتهم عن الهمّ الوطني. 

أخيراً: قد يقول قائل نحن لسنا بحاجة لهذه الهيئة لأننا نعوّل على حسمٍ عسكري للثوار، فالجواب: أننا أيضاً وفي حالة الحسم العسكري -الذي نتمناه- نحتاج لهذه الهيئة السياسية، لتخاطب العالم أثناء التحرير وبعده. 

التعليقات (2)

    عامر

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    كلام سليم ولكن للتذكير يجب ان يكون الحل السياسي أولاً ذهاب النظام وليش بشار فقط بل النظام لكي لا تمرر روسيا وبشار خديعتهم على الشعب السوري

    رافع

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    كلام الدكتور عبد المنعم صادر من قلب متحرق ويحاول أن يضع إصبعه على الثغرات والسلبيات وتحليه بالأمل في تعويض الخسائر والانتكاسات، إذا تكاتفت العزائم وصدقت النيات.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات