هل الجهاديون حركات وظيفية أم ارتدادية؟

هل الجهاديون حركات وظيفية أم ارتدادية؟
دعونا نؤكد أولاً على أننا نرفض رفضاً قاطعاً أن نستبدل الديكتاتوريات العسكرية والأمنية كنظام بشار الأسد وأمثاله بفاشيات دينية، حتى لو كانت أكثر التزاماً من غيرها بإسقاط النظام السوري وغيره من الطواغيت. لكن هذا يجب ألا يجعلنا نتعامل مع تلك الجماعات بعقلية النعامة التي تدفن رأسها في التراب كي تتجاهل ما يدور حولها. فلا يمكن أن تهزم الجهاديين بالشيطنة الإعلامية فقط، بل يجب أن  تضع النقاط على الحروف بموضوعية، حتى لو كنت على خلاف تام مع نهج تلك الجماعات. لا بد أن يعي الجميع أنهم إذا واجهوا ثورات أو انتفاضات ذات جذور دينية عقائدية، فليعلموا أنهم أمام مشكلة عويصة للغاية، فما أصعب مواجهة المقاتلين العقائديين الذين يحبون الموت بقدر ما يحب خصومهم الحياة. فكيف إذاً تواجه أناساً يقاتلون كي يستشهدوا؟

لقد سأل صحفي الجنرال الروسي يوري بالويفسكي :"الجيش الروسي يُقدر بالملايين، ولم يقدر على القضاء على بعض الآلاف من المتمردين في الشيشان"، فكان جواب الجنرال الروسي:"أخبرني كيف ستهزم جندياً يرى في فوهة بندقيتك الجنة". لقد عانى الجيش الروسي الأحمر المشهور ببسالته وشدة بأسه الأمرّين في صراعه مع الجهاديين الشيشانيين. وقد نجح أقل من الف مقاتل أن يشغلوا روسيا وجيشها لردح طويل من الزمن. ولم يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وسيلة للقضاء على خصومه الشيشانيين سوى تسوية غروزني عاصمة الشيشان بالأرض. مع ذلك، لم يهنأ الروس طويلاً بالهدنة مع الجهاديين بعد أن انتقل بعضهم للقتال في سوريا. ومن الأسباب التي ساقها بوتين لتبرير تدخله في سوريا أنه لن يسمح للجهاديين الشيشانيين بالعودة إلى روسيا لقض مضاجعها من جديد. 

 لقد عانت القوى الكبرى، ومازالت تعاني في حروبها ضد الجهاديين. وما أن تعلن الانتصار عليهم، حتى يخرجوا لها كطائر العنقاء من تحت الرماد بقوة أكبر وتصميم أخطر. لقد أمضى حلف الناتو، بدوره، أكثر من ثلاثة عشر عاماً وهو يواجه حركة طالبان الأفغانية وأخواتها، لكن الحلف اضطر في النهاية أن يتسابق أعضاؤه في الخروج من أفغانستان خاليي الوفاض. لا بل إن أمريكا نفسها وجدت نفسها مضطرة في نهاية المطاف للتفاوض مع حركة طالبان. وقد علق أحد الباحثين في الشأن الأفغاني قائلاً: "كيف تقاتل أناساً مستعدين للقتال لعشرات السنين، وربما حتى آخر لحظة في حياتهم؟"

وبالرغم من أن الأمريكيين تواجدوا في العراق بأكثر من مائة وأربعين ألف جندي، إلا أنهم لم يقدروا على التنظيمات الجهادية هناك، وخاصة تنظيم الزرقاوي الذي كان نواة ما بات يعرف لاحقاً بتنظيم "دولة العراق والشام"، وفيما بعد بتنظيم "الدولة الإسلامية" الذي غدا الآن الشغل الشاغل للعالم أجمع. فقد جمع الأمريكان وحدهم أكثر من ستين دولة لمواجهة التنظيم، وهو حلف أكبر من الحلف الذي جمعه الغرب في الحرب العالمية لمواجهة النازية بقيادة أدولف هتلر. ثم جاءت روسيا الآن لنفس الهدف، لكنها سرعان ما بدأت تعلن عن عدم قدرتها على القضاء على التنظيم بحجة أنه يتلقى الدعم من الخارج.

لا شك أن البعض يرى أن هذه التنظيمات الجهادية تخدم الاستراتيجيات والمشاريع الاستعمارية أكثر بكثير مما تضرها. وهي ليست أكثر من مسمار جحا تستخدمه القوى الكبرى والصغرى لتبرير تدخلها وتحقيق مشاريعها، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. لكن القوى الغربية نفسها تعترف بأن الفصائل الجهادية هي نتيجة طبيعية للتدخل الغربي في المنطقة. وهذا ما قاله حرفياً غريام فولر المحلل الاستراتيجي في وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي قال إن تنظيم الدولة الإسلامية صُنع في أمريكا، لكن ليس بالمعنى الحرفي، بل لأن أمريكا صنعته من خلال تدخلها الاستعماري في الشرق الأوسط. بعبارة اخرى، فإن التنظيم وأخواته جاء رداً على الغزو الغربي للعالم العربي. 

ما العمل لمواجهة الجهاديين؟ تشكيل صحوات على الطريقة العراقية؟ لكن الصحوات فشلت فشلاً ذريعاً في العراق في مواجهة الجماعات الجهادية نيابة عن الأمريكيين والإيرانيين.  لكن مثيلاتها نجحت في فلسطين، إذ يرى البعض أن حركة فتح الفلسطينية بقيادة محمود عباس كانت نموذجاً ناجحاً للصحوات، فقد انتقلت تلك الحركة من قتال إسرائيل وأمريكا إلى التنسيق الأمني مع الإسرائيليين والأمريكيين لمواجهة الجهاديين الفلسطينيين المتمثلين بحركتي حماس والجهاد الإسلامي.  وكما أن الفتحاويين في فلسطين يواجهون حماس من أجل إسرائيل، فإن الصحوجيين العراقيين من أمثال أبي ريشة واجهوا الجهاديين بعد الغزو الأمريكي، لكنهم أخفقوا. مع ذلك نرى الآن سليم الجبوري السني يدعم الحشد الشعبي والقوى الأمريكية والإيرانية التي تحارب تنظيم الدولة. لا نقول هنا أبداً إن حركتي حماس وداعش متشابهتان. لا أبداً. لكنهما هدف للصحوجيين بنسختيهما الفلسطينية والعراقية.

وكما نلاحظ، فإن التاريخ يعيد نفسه الآن في سوريا، فكل القوى الدولية والإقليمية والعربية تعمل على تحويل الجيش الحر والفصائل المعتدلة من محاربة النظام إلى محاربة الفصائل الجهادية. بعبارة أخرى، فإن كل ما يحدث في سوريا سبق وأن حدث نًصاً في العراق وفلسطين: جنيف، أوسلو، فيينا. تعاون أمني مع الذين كانت المقاومة الفلسطينية والعراقية تقاتلهم. هل تنجح الصحوات السورية حيث فشلت في العراق؟ 

يقول المثل: "اللي بجرب المجرب بيكون عقله مخرب". لا أدري لماذا يلجؤون في سوريا إلى الأساليب "الصحوّجية" نفسها التي فشلت فشلاً ذريعاً في العراق. ألم يزدد الجهاديون هناك قوة وباساً، بينما أصبحت "الصحوات" مضرباً للمثل في العمالة والفشل؟ لقد قالها طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق قبل أيام وهو يعتذر عن تورطه في حرب العراق. قال: "إن التدخل الغربي في المنطقة هو المسؤول عن ظهور تنظيم الدولة وأمثاله". ونحن نضيف أن الدعم الغربي للطواغيت في بلادنا ساهم أيضاً في صناعة تلك الجماعات المتطرفة. لهذا بدلاً من  شيطنة تلك الجماعات وصرف المليارات على سحقها عسكرياً، عالجوا الأسباب التي أدت إلى ظهورها. وطالما أنكم لا تعالجون تلك الأسباب، فهذا يعني أنكم سعداء بخروج تلك الجماعات من تحت الرماد بطبعات جديدة لغايات في نفس يعقوب. 

التعليقات (4)

    وهل ستحاسب الحمار ابن الجحش بالعلمانية

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    المشكلة يا دكتور وانت شيخ العارفين هو في نظم اقتصاد الحكومات العاملة في هذه البقعة حتى وإن سلمنا أن الدول الاخرى ليست بأفضل حال من هذا السبب المسبب، لكن كبيراتها على الاقل تحفل بدساتير ونظم وتسمح للصغير ان يكبر وللكبير ان يصغر، ولا أريد الاستئثار بالمثل والقيم الروحية المتعارف عليه، لكن هذا الغليان ولازال سيبقى لأن مبتز سوريا منذ نصف قرن جاء بنفسه ليبقي دعائم النظم السوفييتو روسية، واعتقد انه المطالبة بدولة قانون هو احق وواجب وملزم اليوم على ما جاء في بيان فيينا" علمانية "

    معالجة الأسباب أقل تكلفة على ميزانية الدول المتأففة من الهجرة

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    لو عرضت تلك الدول مليون مليون عالماشي لمن يعمل إنقلاب لبقي الشعب السوري في بيته حصل عشرات الإنقلابات قبل إنقلاب البعث لكن طوال الوقت الشعب بقي مكانه والصداقات الشخصية بين الطوائف على وضعها إن لم تتعمق لكن الأسد عرض على الدول الأجنبية مسرحا لتجربة أسلحتها ميدانيا بالذخيرة الحية ففي داريا الخبراء الروس استجوبوا طواقم دبابات عن الأعطال الحاصلة وكان معظمها كهربائيات الدبابة قاموا بتطويرها والهند تنتظر المسرح الجوي لتحدد ممن تشتري طائرات

    نعم بالعلمانية

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    للتذكرة ولمعلوماتك تل أبيب اُنشئت في عام 1909 أي قبل وصول مصطفى كمال للحكم عام 1923 وهذا العلماني الذي تنتقدونه حارب جنباً إلى جنب جنوده وأغرق أساطيل الغرب في بحر مرمرة في معركة غاليبولي لكن معظم مسلمي هالأيام تخرّجوا من تحت أيادي المشايخ المأجورين يتقاضون معاش شهري من وزارات الأوقاف ـ ومن معرفتكم بالصحابة تترّضوْنَ على عنتر محاسبة تكون بإرساله وعائلته وزبانيته إلى قُم حيث ستنأسر النساء في الشادور ويبصم الأسد والمنحبكجية أقوال الخميني كما كان يُجبر الشعب السوري على بصم أقوال الأب القائد

    أكان جحشاً بن حمار أم بغلاً بن حصان

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    إيران و الروس كلاهما من تحت لتحت يعمل على التنصّل منه وإزاحته من الطريق بعد أن تكتملة حصة كل منهما على الأراضي السورية، وفقط عندئذ سيلجأ كل منهما لإسترضاء الحاضنة الشعبية فها هم فلسطينييو 1948 يتمتعون بجرأة تفكير و تعبير والأرملة تتقاضى معاش والمُقعد يحصل على رعاية صحية ولهم نواب في البرلمان ومجلات وجرائد نحن لا نريد ديمقراطية والتي هي حكم الغلبية والأغلبية هي تربية الأب القائد ملك الحيوانات تفكّر بطريقة مشايخ وزارة الأوقاف ـ ما نريده هي مبادئ الحرية من حيث التفكير والتعبير والإجتماع والحركة
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات