الانتخابات البرلمانية التركية ومستقبل سوريا

الانتخابات البرلمانية التركية ومستقبل سوريا
في ظل الظروف السياسية الحالية في تركيا وفي جوارها لا غرابة أن تؤثر الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية التي تقع في العراق وسوريا على الانتخابات البرلمانية التركية بتاريخ 1/11/2015، مما يفرض على الأحزاب التركية المتنافسة أخذها بعين الاعتبار، وكذلك الناخب التركي نفسه، لأنها تفرض نفسها على الأحزاب السياسية والشعب التركي من أكثر من جانب، لعل أهمها حالة عدم الاستقرار التي نشأت بعد الانتخابات غير الحاسمة في السابع من حزيران الماضي، والتي لم تمكن حزب العدالة والتنمية تشكيل الحكومة بمفرده، ولا اعطته الفرصة لتشكيل حكومة ائتلافية، بسبب تعنت أحزاب المعارضة السياسية تشكيل الحكومة الائتلافية مع حزب العدالة والتنمية أولاً، وعجزها وحده عن تشكيل حكومة ائتلافية، لتشرذمها ثانياً، وفقدانها لعقلية إدارة الدولة التركية ثالثاً، وفق الرؤية والتخطيط الذي رسمتها الحكومات التي تولت إدارة البلاد في السنوات الثلاثة عشرة الماضية.

ولعل عدم إعطاء العوامل الخارجية أهمية لدى حزب العدالة والتنمية كان أحد أسباب فقدانه للكثير من الأصوات التي كان يعول عليها لفوزه في انتخابات 7 حزيران الماضية، فقد لعبت السفارة الإيرانية دوراً مع حزب الشعب الجمهوري أولاً، ونسقت مواقفه مع حزب الشعوب الديمقراطي بواسطة قيادة قنديل لحزب العمال الكردستاني، وهذا أعطى حزب الشعوب الديمقراطي فرصة لتجاوز الحاجز الانتخابي 10% أكثر مما كان يتوقع، فقد لعبت اللوبيات الإسرائيلية المتحالف مع الكيان الموازي وخيوطها القديمة في تركيا مع بعض اللوبيات الأوروبية والأمريكية دورها في جمع كل إمكانياتها في التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي، فقفزت نسبة النجاح لحزب الشعوب الديمقراطي اكثر من 4%، بسبب التأييد الخارجي وليس الداخلي فقط، وهذه نسبة لا يستهان بها أولاً، ولكنها غير مضمونة في انتخبات 1/11/2015، وينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار دائماً.

إن من أكبر انواع التأثير الخارجي هذه المرة هو العامل الروسي أيضاً وتحالفاته مع الأحزاب اليسارية التركية، حيث أن سلوك روسيا في سوريا غير مقبول من قبل الحكومة التركية ولا من حزب العدالة والتنمية، طالما هو يدعم الدمية السورية بشار الأسد بحسب وصف الرئيس الأوكراني، فرسيا تعلم انها تدعم رئيس طائفة وميليشيا اسمه بشار الأسد ولا تدعم رئيس دولة، ولو كانت الامم المتحدة تقوم بدورها الصحيح لما بقي أي تمثيل لبشار الأسد في رئاسة سوريا، ولكن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يقع تحت هيمنة خمس دول كبرى لا مصلحة لها بتغيير نظام الحكم في سوريا، بل مصلحتها جميعا باستمرار القتال في سوريا إلى أمد غير محسوم، ولولا فشل إيران وحرسها الثوري وميليشياتها العربية من حزب الله اللبناني والعراق في القضاء على ثورة الشعب السوري لما أرسلت روسيا جندياً واحداً إلى سوريا، لأنها تعلم أن تدخلها في سوريا سوف تدفع ثمنه غالياً، وقد يكون إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء في مصر يوم 31/10/2015 أولى فواتيرها، فروسيا وهي تحارب في سوريا بهذه الغطرسة والإجرام والغارات بالطائرات الحربية والصواريخ الباليستية عليها ان تتوقع ردود أفعال من ملياري مسلم في العالم وليس في مصر فقط، بل من كل مسلمي وأحرار العالم.

وما يؤكد أن العوامل الخارجية تلعب دورا كبيراً في الانتخابات البرلمانية 1/11/2015 في تركيا هو إصرار صلاح الدين ديمرطاش على مواقفه في التحالف مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، وعدم التنديد بها ولا التبرأ منها، وإضافة إلى ذلك تحالفه مع الأحزاب الأرمنية التي تعلن عدائها للحكومة والدولة والشعب التركي وليس لحزب العدالة والتنمية فقط، وهذا يدل أولاً على أن صلاح الدين ديمرطاش يعول على قدرات تلك الأحزاب ونفوذها داخل تركيا، وأنها سوف تساعده في الانتخابات، ولذلك فإنه يقدم نفسه شخصية سياسية متوافقة ومتعاونة مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي وهو خارج تركيا وتحت هيمنة الحرس الثوري الإيراني، ويقدم نفسه شخصية مقربة للأوروبيين والأمريكيين أكثر من تقربه من الشعب التركي، فضلاً عن ان يكون متعاوناً مع الحكومة التركية وأحزابها السياسية التي يشاركها العمل السياسي الصحيح، وإضافة لذلك فإن هذا الدور الذي يقوم به حزب الشعوب الديمقراطي يؤيده محور الحرس الثوري الإيراني الممتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت، وما يمثله هذا التحالف من تأييد طائفي في تركيا، بدليل أن صلاح الدين ديمرطاش وجه رسائل التقارب والتحالف والتحريض للعلويين الأتراك حتى يصوتوا إلى جانبه، ظناً منه أنهم جهلة أو لا يستطيعون تميز دوره السلبي في الساحة السياسية التركية، ولعل استنهاض صلاح الدين ديمرطاش لكسب الأصوات العلوية في تركيا دليل على أنها رسالة خداع لهم بأنه يمكن أن يكون ممثلاً لطموحاتهم الطائفية، التي لا يتبناها بصورتها الطائفية كمال كلجدار أغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري ولو كان من أصول علوية.

لا شك أن كل الجهات الشعبية التركية مطالبة أن تتذكر كيف كانت تركيا قبل بضعة أشهر قبل أن يصعد حزب الشعوب الديمقراطي إلى سدة العمل السياسي الرسمي، قبل فوز حزب في الانتخابات الماضية 7حزيران، وقبل تمكنه من ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية 10/8/2014، فهذه المكانة السياسية التي أساء صلاح الدين ديمرطاش الاستفادة منها سياسيا بطريقة ترضي الشعب التركي، سيدفع ثمنها بعد انتخابات 1/11/2015، لأن جميع الأحزاب السياسية التركية المشاركة في انتخابات 1/ نوفمبر مطالبة أن توحد أصواتها لدعم الحزب الأقدر على تشكيل الحكومة القوية والقادرة على استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في الحاضر والمستقبل، فقد كانت التجربة القاسية والمؤلمة في الأشهر الماضية كافية للتأكيد على أن الأحزاب الصغيرة التي تعلي صوت الطائفية أو تعلي صوت القومية لا تستطيع قيادة تركيا الجديدة، ولا تستطيع أن تكون شريكا إيجابياَ في الحكومات القادمة، فالشعب التركي لا يسعى لأن يكون طرفاً في الصراع في سوريا، ولا أن تكون انتخاباته السياسية البرلمانية وغيرها انعكاساً لمشكلات سوريا ولا العراق ولا غيرها، وإنما انعكاسا لمطالب الشعب التركي في الداخل، وفي تقوية تركيا وبناء نهضتها على الأسس التي سارت عليها الحكومات التركية في السنوات الثلاثة عشر الماضية.           

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات