كي لا تكون “علمانية” سوريا كلمة حق يراد بها حربا طويلة – ٢/٢

كي لا تكون “علمانية” سوريا كلمة حق يراد بها حربا طويلة – ٢/٢
 

...إذاً,وزير الخارجية الأمريكية كيري يريد "سورية دولة موحدة وعلمانية"، كما صرح في ختام لقاء فيينا الأخير الذي عقد ليحدد مستقبل سورية! ونعتقد على الأرجح أن هذا اللغم من وحي نظيره لافروف، دعونا نرى من هي الدول المجتمعه والتي تشترط علمانية الدولة السورية القادمة!؟

ضمت الجلسة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي ينص دستور بلاده على أن إيران دولة تعتمد على ولاية الفقيه، "ظل الله في الأرض" يتلقى تعليماته مباشرة من إمام الزمان فهو معصوم! الطريف أنه بينما كان ظريف ممثل الملالي يتحدث في فيينا عن الشأن السوري وكأنه توماس جيفرسون، كان قائد "الحرس الثوري الإيراني" جعفري يقول في طهران  إن تدخل قواته في العراق وسوريا ولبنان "يعجل من عودة الإمام المهدي المنتظر"! 

كما أن كل الدول العربية التي كانت حاضرة في فيينا تحدد أن دساتيرها مستمدة من الشريعة الإسلامية وأن دين الدولة هو الإسلام وكذلك دين رئيس الدولة ! أما السعودية فهي ببساطة شديدة تعتبر أن "العلمانية نوع من أنواع الإلحاد "!

الولايات المتحدة التي تربط الآن مستقبل سوريا بالعلمانية تجربتها بعد احتلال العراق عام ألفين وثلاثة عكسية، فعندما بدأت أمريكا العملية السياسية في العراق أحضرت شخصيات لها بعض الطروحات العلمانية : مثل أحمد الجلبي واياد علاوي، لكن بعدما بدأ الحديث يأخذ طابعا جديا استبعدت هؤلاء واختفى ممثلو الأحزاب القومية والعلمانية وسلمت حكم العراق إلى الأحزاب الدينية الشيعية كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة وهو الأمر القائم حتى الآن، وعندما اعترض سياسي عراقي مخضرم كالدكتور عدنان الباجه جي على المحاصصة الطائفية وحكم الأحزاب الدينية أجابه الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمر : "الشيعة أغلبية في العراق ويجب أن يحكموا" أما في سوريا فالمساعي على قدم وساق لتحويل السنة إلى أقلية، بالمجازر والتهجير حتى لا يحكموا ولو كانوا أكثرية!؟

استطرادا، كيري نفسه  صاحب الاقتراح  قضى السنوات الأخيرة يضغط على الفلسطينيين للاستجابة لطلب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية!

_ العلمانية، ونحن والخنجر المسموم!

التنظيرات العلمانية الحديثة بمجملها لا تعتبر نفسها ضد الدين بل تقف على الحياد منه، معتبرة أن الأمم الحديثة لا تبنى على الخيارات الطائفية، أو على تفضيل شرائح اجتماعية، أقلية أو أكثرية، سواء في التشريع أو في المناصب القيادية، وليس المحدد أيضا هو دين الدولة، المحدد بالنسبة لها حرية الاعتقاد، وأن لا تعطى امتيازات خاصة لأتباع دين ما، ولا يكون لرجال الدين سلطة على الدولة والحكم، سواء مباشرة،  كما في إيران، أو غير مباشر ٫ حيث يشكل رجال الدين في الدول غير العلمانية طبقة أو هيئة ذات صلاحيات، وهي عادة سلطة مطلقة وغير منتخبة، وغالبا وراثية وغير كفؤ.

هذا الجزء من العلمانية حرصت قيادات وشطار الأحزاب القومية والعلمانية على نشره بين الشباب العربي، لكن هناك جزءاً آخر غيبته تماما، بخبث شديد، وهو أن فصل الدين عن الدولة فقط، لا يكفي لضمان حرية وحقوق الأفراد، فالعلمانية بالمفاهيم الغربية الحقيقية تفصل جميع المعتقدات الشمولية عن الدولة سواء كانت دينية أو غير دينية، كانتهاك حريات وحقوق الأفراد لأسباب غير دينية، حكم ستالين في الاتحاد السوفيتي السابق، وحكم هتلر في ألمانيا النازية. وحزب البعث في سوريا، لذلك تبدو اللطمية التي يقيمها القومجيون العرب وبقايا الماركسية وشطار الأقليات حول الرغبة بنظام علماني، كذبة هدفها منع الإسلاميين من الوصول للحكم، ولتبيض كذبة سوداء أخرى وهي ترويج الخوف على النظام العلماني في سوريا الذي أصلا ليس فيه ما يمت بأي صلة للعلمانية سوى شكل ملابس حكامه!

إن منع الإسلاميين من الحكم ليس هو الهدف بحد ذاته وإنما هدفهم الحقيقي منع السنة من الحكم، لأنه ببساطة من يتابع ما ينشره شطار الأقليات يعرف أنهم باتوا يحتكرون العلمانية لأنفسهم فقط، وللأسف بعض السُنة من مراديفهم ليسوا أكثر من ديكور  وجوقة لتأكيد ادعائهم! فمثلا جبران باسيل يصف فؤاد السنيورة بأنه داعشي!؟ وكذلك عدد كبير من نخب الأقليات يصفون شخصيات كالدكتور برهان غليون و باحثين وفلاسفة علمانيين آخرين  ،  وكلهم سُنة عرب، بأنهم إخوان مسلمون ودواعش، ليكون هناك فراغ قيادي دائم عند السُنة، في حين يعتبرون أدونيس ونبيل فياض علمانيين!؟

لكن دعونا ننظر حقيقة لحكم السٌنة بعد الاستقلال،  هل تبنوا دساتير تقيم دولة دينية أو تسعى لدولة الخلافة ؟!

في عهد آباء الاستقلال السوري معظم الحكام كانوا سنة تشاركوا مع بعض السياسيين المسيحيين بتأسيس سوريا دولة مدنية، ولم يحاولوا إقامة دولة دينية أو أن يعطوا امتيازات خاصة للمسلمين على حساب بقية المكونات، فقط التزموا بمراعاة الأغلبية السكانية الكاسحة للمسلمين، إذ تقول المادة الثالثة من الدستور السوري لعام 1950 إن دين رئيس الجمهورية الإسلام.والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع وحرية الاعتقاد مصونة، والأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية، وطبقت فعلا لا شكلا، ولم تسجل أي حالة اختراق واحدة شوهت النص أو عطلته. في حين عندما استولى حكم البعث على السلطة/ واجهة حكم الطوائف/ حافظ على النصوص كما هي، رغم تغيير الدستور، لكنه جعلها نصاً بلا روح، وأعطى امتيازات لطائفة واحدة "العلويين" في المناصب العليا والدنيا وفي المجالات العسكرية والمدنية، وسحلت بقية الفئات الاجتماعية ودمرت البلاد بشكل ممنهج.

ومع انطلاق المنتديات في بداية عهد بشار الأسد اتفقت القوى السياسية، ومن ضمنها الإخوان المسلمين، على استخدام مصطلح الدولة المدنية: والتي تعرّف بأنها: دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية. أي عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. يتساوى فيها مع جميع المواطنين. .وكذلك الدولة المدنية لا تؤسس لخلط الدين بالسياسة. ولا تعادي الدين أو ترفضه، ترفض استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، لأنه يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية

اختارت النخب السورية الدولة المدنية لتجنب استفزاز قوى سياسية واجتماعية واسعة ترى أن مصطلح العلمانية معاد للدين، ولأنها اعتبرت أيضا أن العلمانية وافد على الفكر العربي، مثل البعث والماركسية، وليست جزءاً من الثقافة العربية، كونها تجربة تعبر عن النضال لفصل الدولة عن الكنيسة التي حكمت أوربا ووزعت صكوك الغفران، أما الإسلام فهو عدا عن أنه ألغى الكهنوت، لم يحكم أبدا منذ عهد الخليفة الأموي الأول

عندما يتحدث الباحثون الأمريكيون والغربيون عموما عن التحول الديمقراطي في العالم العربي يظنون أن المسألة تشبه دراستهم الجامعية، فيتخيلون توماس جيفرسون و الآباء المؤسسين للديمقراطية الامريكية وهم يكتبون الدستور الأمريكي، أو ما يعرف بالتعديلات الأساسية. أما عندما لا تنطبق الصورة على ما يرونه في العالم العربي تتخذ الأمور نظرة استشراقية بأن العرب لا يصلحون للديمقراطية وتتراءى في مخيلتهم غرائبيات الاستبداد الشرقي، فيلجؤون إلى غرائبيات الحلول! متناسين الحرب الطويلة التي تعرضت لها الأفكار والنظم الديمقراطية، من قبل حكم العسكر أولا، بحجة أنها قادمة من أمريكا، مستغلين تدخل أمريكا السيء السمعة  في منطقتنا بسلوكيات غوانتانامو وأبوغريب! لكن من تابع الفيسبوك في السنتين الأوليتين للثورة يجد أن كثيرا من فئات الشعب السوري تجاوزت كتابات فؤاد عجمي وكنعان مكية عن مجتمع الخوف الذي يجري فيه التنديد بالولايات المتحدة كوسيلة لفرض الاستبداد، الفارق أن ما كتب لم يكتب من مقاعد الجامعات، بل من شباب رقصوا من أجل الحرية تحت وابل الرصاص في حارات الشام وإدلب وحمص، مما يدل على أن تحولا نفسيا كاملا تم اجتيازه.

لكن هذا الفعل الحضاري الباحث عن الديمقراطية العادلة جوبه بالقمع بالمجازر، وأيضا قامت حكومات في المنطقة بدفع رشى للتجمعات التي حملت السلاح لمجابهة عنف أسد الهدف منها أن تتكنى بكنى وأوصاف وشعارات إسلامية، لقتل الشعارات الحقيقية، شعارات الحرية والعدالة، التي خرجت تطالب بها، وكذلك شراسة أفعال الكتائب الشيعية المتطرفة التي استجلبها أسد والملالي الإيراني إلى سوريا وخطاباتها التي تحض على القتل والإبادة الجماعية للمختلف عقيديا معهم، وأيضا الإحباط الذي مُني به الشعب السوري من الغرب تحديدا الذي لم يفعل شيئا لإيقاف المجازر، كل هذه العوامل خلقت تحوّلا نفسيا آخر أدى إلى خلق جماعات إسلامية سنية متشددة، ولم ترغب بها أصلا ولا هي من طبيعة بيئتها.

ستكون لي وقفة ثالثة أخيرة مع القوى الإسلامية السنية المعارضة.

التعليقات (9)

    الحقيقة

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    الحقيقة ان الناس لم تخرج لتطالب بالاسلام لانهم اصلاً مسلمون انما خرجوا يطالبون بالحقوق التي منحها لهم الاسلام (متى ستعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرار) والحقيقة ان الثورة السورية وأن بدت انها محليه ضد بشار الاسد انما هي ثورة عالمية ضد نظام عالمي عفن تتزعمة امركا والحقيقة الاخرى ان الاسلام ليس ضد العلم ولكنه ضد الدكتاتورية التي تسمي نفسها علمانية وضد الفساد الذي يسمي نفسه حرية وضد الجهل والخداع الذي يسمي نفسه دمقراطية وضد سلب الفقراء الذي يسمي نفسه راسمالية وضد الخلاعة التى تسمي نفسها

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لا وجود لعلمانية ناجزة يمكننا تطبيقها كما يرى البعض! حبة الصبح وحبة المسا! ما يسمى " دول علمانية غربية " تاريخيا كانت دول استعمارية، وما زالت، وهي من أسست " اسرائيل الدولة الدينية " وتدعمها .. تعتبر هذه الدول أن عَلْمَنَة دول العالم العربي سيخلق، على المدى الطويل، منافس علمي اقتصادي وسيحرمها من الكثير من مصالحها عندنا، ولهذا يجب أن نعيش بحروب وأزمات دائمة، وهنا يأتي دور التنظيمات المتطرفة!

    البحر الأبيض المتوسط

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    كلام جميل... بس لاتعذب قلبك ...مارح يعتدل وضع السنة بسوريا ولابعمرهم رح يحصلوا على عدالة سياسية او مجتمعية كما يستحقون لأننا باختصار شريحة منذ الاستقلال... مبرهجين للأخرين... وقلبنا طيب... وإنضحك علينا بشوية زعبرات وطنية وقومية .. وبالمستقبل رح كمان يجددوا العابهم على قلبونا الطيبة بزعبرات اخرى جاري الشغل عليها ورح نضل هيك لنخلص من طيبة القلب الي صارت على هبل

    الحقيقة

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لم يثور الناس لجلب الاسلام لانهم مسلمون ولاكن يريدون حقوقهم التي نص عليها الاسلام (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا) الاسلام اكثر علمانية من كل ادعياء العلمانية واكثر حرية من كل ادعياء التحرر واكثر شورى وحترامأً لافراده وخصوصياتهم(ولا تتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضا) من كل ادعياء الدمقراطية بما فيهم واباما الذي لم يترك بيت امركي الاتجسس عليه

    سوري قير مقتنع

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لاتصدقو حكام العرب عند مابدئت الثوره السوريه كانو يدافعون عن الاسلام وعندما رؤا ان الاسلام بعيد عن تصرفاتهم وخافو على عروشهم اوقفو الدعم عن بعض المسلمين وقاتلو بعضهم ونصرو الاكراد وهم اكثر كفرا من اي فصيل واكثر سلب واغلبهم لايعرف ماهو الاسلام

    رزوق

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    السوريون وحدهم من له حق اختيار شكل الدولة ونظام الحكم الذي سيحكمهم. وليس لافروف ولا كيري ولا خامنئي. لأنهم من دفع مليون شهيد ثمناً لحريتهم وخلاصهم من استبداد عصابات الأسد المجرمة. وماتطرحه روسيا الآن ماهي إلا مشاريع ملغومة هدفها تفتيت سوريا وفرض التقسيم في نهاية المطاف!! فهل يدرك السوريون أبعاد مخططات بوتين ولافروف ويعملون على إفشالها؟

    سوري

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    غسان عبود سوري أصيل .....سوري حقيقي .....الكلمة السورية الصادقة

    محمد

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    هاذا من اصدق ما قراته. شكرا لك ايها المحترم غسان عبٌّود

    علاء

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لوكنت صادق بتخلي الثورة تطلع على جداول التبرعات الي تجاوزت المليار دولار
9

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات