أطفال الحرب في سوريا ..آثار نفسية خطيرة تهدد من ينجو من الموت

أطفال الحرب في سوريا ..آثار نفسية خطيرة تهدد من ينجو من الموت
 تنتهي الحروب، وتتحول إلى تاريخ في حياة الأمم والمجتمعات التي تعيش سنوات المعارك والقصف والتشريد، إلا أن الأثر النفسي الذي تتركه هذه الأحداث تبقى مرافقة لأفراد هذه المجتمعات طيلة حياتهم.

ومن أكثر المهددين بالتأثير النفسي جراء الحروب هم الأطفال، الذين إذا نجوا من الموت، فإن المشاهد التي عايشوها والأوضاع التي مروا بها، تشكل حجر عثرة أمام تجاوزها نفسياً، بعد أن تتركز في لا وعيهم وبعمق، مشاهد الموت والدمار، وأصوات القصف وأزيز الرصاص، وبما أن المجتمع السوري من أكثر المجتمعات إهمالاً للعلاج النفسي، فقد يجد نفسه مستقبلاً أمام جيل كامل من الأطفال الذين يعانون على هذا الصعيد.

سطوة الحرب والسلاح

يروي (أبو ابراهيم) الذي يعيش في حلب، ويعمل سائق سيارة أجرة (تكسي) بعض التفاصيل عن حالة ابنه البكر (العشر سنوات)، الذي أصبح تفكيره مركزاً حول مشاهد الحرب حتى وهو يلعب.

يقول أبو ابراهيم: أصبح ابراهيم في الصف الرابع ابتدائي، لكنه إلى الآن لا يعرف تهجئة الأحرف، على الرغم من المتابعة الكاملة التي نقدمها له، فما أن نغيب عنه للحظات، حتى نعود لنشاهده وهو يصنع بندقية أو نوع من أنواع الأسلحة من أوراق الدفاتر، ثم يبدأ باستعمالها وقد أصبح كل همه تمثيل مشهد اسقاط طائرة بسلاحه الورقي، أما الدراسة فقد باتت بالنسبة له مضيعة للوقت !

ويتابع أبو ابراهيم: بعد أن تيقنت من عدم جدوى تعليمه، قمت بإرساله إلى إحدى ورش الميكانيك الموجودة في الحي على أمل أن ينشغل بالناس ومعهم، وقد استمر اسبوعين في العمل، إلى أن شاهده مدير المدرسة التي كان يدرس فيها، والذي عاتبني وقطع علي وعداً بمتابعته متابعة خاصة فور عودته إلى المدرسة، لكني غير مقتنع بقدرته على علاجه من هذه الحالة النفسية، فهذا الطفل أصبح "ابن الحرب" ومن الصعب أن تعالج نفسيته في ظل استمرار الحرب.

مظاهر نفسية مختلفة

تكاد تتشابه حالة "ابراهيم" بـ"زكريا" ابن الأحد عشر عام، إلا أن الأخير الذي فقد والديه نتيجة سقوط برميل متفجر على منزلهم في حي السكري، يعاني من اضطرابات نفسية، حولته إلى شخص انطوائي، غير راغب باللعب أو الدراسة، حتى أصبحت حالته محط اهتمام ومتابعة من قبل المربيين والمرشدين النفسيين المتواجدين في دار الأيتام التي يعيش فيها الآن.

المربية (رغداء) تتحدث عن الحالة النفسية للطفل حسن وباقي الأطفال المتواجدين في دار رعاية الأيتام فتقول: يعاني مجمل الأطفال هذه الأيام من حالة التعب النفسي والإرهاق، نتيجة الظروف التي تحيط بمجتمعنا، وحسن أحد الأطفال الذين يعانون بداية انفصام عن الواقع الذي يعيش فيه، حيث يحاول أن يهيئ في ذهنه حياة خاصة به، بالإضافة إلى التهيؤات التي يشاهدها، فغالباً ما يخرج من الدروس أو صالة الألعاب بحجة طرده من قبل المدرسين والمربيين.

وتضيف رغداء: حسن ليس الوحيد الذي يعيش هذه الحالة، فهذه الحرب القاسية، جعلت من جيل كامل يعاني مشاكل نفسية مزمنة، يمكن القول بأنها أخطر ما قد يواجه المجتمع الآن طبعاً، وفي المستقبل على المدى البعيد.

محاولات ونصائح 

ملايين الأطفال في سوريا أصبحوا اليوم بحاجة إلى رعاية نفسية وصحية، إلا أنهم مهملين بسبب انشغال الجميع بمجريات المعارك الدائرة على الأراضي السورية، وعلى الرغم من وجود عدد من المؤسسات التي تقدم العلاج النفسي للأطفال، إلا أن هذه المؤسسات لا تستطيع فعل الكثير لاعتبارات معروفة.

الطبيبة المجازة في علم النفس (سارة عواد) تتحدث عن أكثر المشاكل التي تؤدي إلى تغير نفسية الطفل أثناء الحروب، وكيفية التعامل السريع معها من قبل الأهل والأخصائيين، فتقول: من الطبيعي أن تتأثر حالة أطفالنا النفسية بالنظر إلى الواقع الذي تعيشه مدينة حلب وكل المحافظات السورية من تفاصيل الحرب، حيث تتراوح نسبة الإنهيارات الجسمانية والعقلية بين طفل وآخر حسب ما عايشه الطفل وقدرته على تحمل الصدمات، لكن في النهاية، فإن الحالة النفسية للجميع تأخذ بالتدهور طبعاً.

وعن طرق المعالجة السريعة، تقول الدكتورة عواد: يجب أن يكون هناك تنسيق بين العائلة والجهات التربوية والارشادية المتوفرة، حتى تكون حالته تحت الرقابة والمتابعة، وهنا يجب على العائلة أن تكون أكثر اتزاناً بالتعاطي مع الأحداث الخارجية والتقليل من هول ما تعيشه المنطقة خارج المنزل، كما يجب على الوالدين أو المربيين أن يكونوا صادقين في تشخيص الحالة العامة بالنسبة للحياة التي نعيشها، وأن يضعوا الطفل بالصورة الحقيقية لكن بشكل بسيط يجعل الطفل قادراً على معرفة الخطر والتعامل معه قدر الامكان، بالإضافة إلى ابعاده عن مشاهدة الأخبار ومشاهد المجازر وتصويب تركيزه على الدراسة والألعاب ما أمكن.

قد يكون الحديث عن الإرشاد والصحة النفسية ترفاً لا يمكن تصوره في الحالة السورية، لكن تفاقم المشكلة وخاصة لدى الأطفال على هذا الصعيد، يجعل مواجهة المسألة ضرورة ملحة وبما هو ممكن، وهي مسؤولية لا يجب التقليل من أهميتها أو التعالي عليها كما يقول المختصون، الذين يقدرون حجم المشكلة وانعكاساتها في الحاضر والمستقبل.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات