اعيدوا السوريين إلى بلادهم.. وإلا...

اعيدوا السوريين إلى بلادهم.. وإلا...
منذ أن أُطلق الهاشتاغ الشهير الذي يطالب العالم بإخراج السوريين من لبنان، بسبب فرط الاضطهاد والإساءة الموجهة إليهم... والفضيحة تكبر مثل كرة الثلج في أروقة الإعلام العالمي... فالشعب السوري الذي أُجْبِرَ على النزوح من بلده إلى أصقاع العالم، لن يملأ رأسه وعينيه سوى رؤية التراب الذي كَبُرَ فيه..

السوري بطبعه لا يحب التغيير ولا التغيرات الكبيرة، إلا إذا أجبر عليها، ولكنه قادر على التأقلم مع تلك المتغيرات والإبداع فيها.

عبر التاريخ مَرَّ الشعب السوري بتجارب مماثلة، تهجيرٌ وترحيلٌ قسريٌّ من أرضه، وإنْ بطرقٍ مختلفةٍ عمّا يجري حالياً؛ ففي العام 1401 قام تيمور لنك بعد مجازره الرهيبة وحرقه للمدن السورية وللأرياف أيضاً، بنقل عشرات آلاف الشبان والصُنّاع إلى بلاده، حيث فُتِنَ بهذه المدن وجمالها والحضارة القائئمة فيها وتقاليدها العريقة وتراثها الميّاس، فقام بحرقها اعتقاداً منه أنْ لا أحد في الأرض ينبغي 

أن يكون له مثل هذه الحضارة إلاه، وبالفعل نقل أعداداً كبيرة من السوريين إلى مدن آسيا وأجبرهم على بناء مدن جديدة أطلق عليها أسماء دمشق ومصر وحلب، ولكن تلك المدن الجديدة فائقة الجمال توقفت الحضارة فيها بزوال هؤلاء المبدعين وذوبانهم في المحيط الآسيوي الضخم.

في العام 1516 قام السلطان العثماني بنقل عشرات آلاف الصناع والعمال وشيوخ الكار والمهرة من مختلف المهن في الصناعة والتجارة والمهن اليدوية إلى اسطنبول وذلك للاستفادة من خبراتهم ومهارتهم في بناء اقتصاد متين وعمران بديع وتجارة مزدهرة ولاستيلاد الحرف التي كانت غير موجودة في البلد الذي أراد له أن يكون عاصمة العالم الحقيقية وكان له ما أراد... ولربما كانت هذه الموجة من التهجير هي الأولى عبر التاريخ فيما يسمى اليوم بهجرة العقول والأدمغة.. المؤرخ الشهير ابن إياس يقول إنّ زهاء 56 مهنة اندثرت تماماً بعد ترحيل السلطان سليم الأول للمهرة من سوريا.. ونقله تلك المهن والحضارة التي تشكّلت حولها إلى العاصمة الجديدة للعالم اسطنبول التي بقيت قروناً طويلة عاصمة للعالم فعلاً، وعاد منهم من عاد الى سوريا، إلى المدن والأسواق، كما تعود طيور السنونو إلى أوكارها، عادوا ليضخوا الحضارة من جديد في هذه البلاد. 

قبلها بقرون نقل صقر قريش عبد الرحمن الداخل شعلة الحضارة إلى شبه الجزيرة الآيبيرية، معلناً ولادة دولة الأمويين في الأندلس.. فبنى المدن والقلاع وأنجز دولة غاية في الترف والرقي، مطلقاً أسماء جديدة على مدن إسبانيا؛ فأطلقوا اسم دمشق على قرطبة وحمص على اشبيلية وحلب على غرناطة.. كان التشبه ببلاد الشام مدعاة للفخر في العالم... وكان السوريون ينخرطون بإخلاص في بناء المجتمعات التي يرحلون باجاهها، أو يساقون إليها قسراً.. فخيار البقاء على هامش المجتمعات خيار منفي، يقول المثل إن السوري يزرع الزهور في كل بيت يسكنه... ولكن ما يحدث في العالم الآن هو هدرٌ حقيقيُّ لطاقات السوريين، واجحافٌ كبيرٌ بحق الحضارة التي تفتحوا في أرجائها.. وها هي السنة الخامسة تمضي، أو تكاد، وهم مشردون مبعثرون مشتتون في أربع جهات الأرض. 

البشرية تغيرت والعالم تغير، ولكن السوريين لم يتغيروا، ما يزالون قادرين على إعمار العالم، ولكن الدول تخافهم وتمنعهم من الإبداع في ما يعلمون ويعملون.. وما الأنهار البشرية الزاحفة إلى قلب أوروبا الصناعيّ النابض إلى ألمانيا وشمال أوروبا، إلا مؤشراً على حساسيتهم ورغبتهم في إثبات فكرة أن السوري مكانه مرتبط مع النجاح، وأنهم لا يقلّون قدرةً ولا ذكاءً ولا إبداعاً عن أقرانهم في أفضل دول العالم. 

في هذا السياق، تزهو قائمة من ذهب بأسماء سوريين لمعوا، في الغرب وفي العالم كلِّه، إلا في لبنان حيث يصرخ السوريون هناك: أخرجونا من لبنان.. لعل الجميع يعرف جواب هذا السؤال المشبع بألم الشعب السوري، ويعيد الصدى صرخة أخرى: أعيدونا إلى سوريا.. إلى بلد فيه حرية وعدالة وتكافؤ فرص، لنذهلكم..

التعليقات (7)

    أبو القاسم مصياف

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    أعيدونا إلى سوريا.. إلى بلد فيه حرية وعدالة وتكافؤ فرص، لنذهلكم.. هذا بالضبط ما هو ممنوع علينا كسوريين .. يجب أن نبقى بخدمة الحذاء الاستبداديّ أو نُقتَلْ برخصة دولية مفتوحة على أيدي مَنْ يمثلون مصالح دولية ولا يمثلون الشعب السوري { مافيا الاسد الإرهابية }.

    اية المشهداني

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    #اخرجونا_من_لبنان#

    الشاعر

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    السوري كطائر الفينيق ... اذ ا. احترق يتجدد من رماده كي يطير من جديد

    منير الحريري

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    منتهى الروعة

    حاجة رومانسيات فاضية

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    أرى إرسال اللاجئيين لتحرير سوريا من براثن داعش والأسد بعد تدريبهم في المانيا مثلا وتكوين منهم جيش لمئة الف مقاتل هو الحل الأمثل. حيث بإمكانهم الاحتفاظ بالمساعدات الاجتماعية الألمانية لفترة سنتين وبعد التحرير يكونوا قد بنوا نواة لجيش شعبي سوري يساعد على بناء سوريا بعد انتهاء الحرب. فالجلوس في المخيمات بلاد العالم لا بحلب إلا الذل لأصحابه.

    أعيدونا يعبر عن مفعول به. ولاكرامة للمفعول به

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    الحرية يجب نيلها ولا يتم شحادتها على مبدأ أعطونا وحررورنا واقصفوا لنا وابنوا لنا.

    محمد جميل خضر

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    المثل الذي يقول إن السوري يزرع الزهور في كل بيت يسكنه.. صحيح مائة بالمئة.. وأنا شخصياً ألحظ كم يضيفوا من لمسات لافتة ومشعة بالذوق والتخصص والمهارة في بلدنا الأردن. شكراً مقال عميق صادق غاضب.
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات