ومع الاختلاف الواضح على مصير الأسد بعد "فيينا" والانشغال بحديث الحرب العالمية على الإرهاب، والزهد الأميركي الذي حوّل واشنطن إلى مراقب شبه محايد، تأتي تصريحات كيري لتضع إشارات استفهام عن نوعية الحل الذي يبشر به، خاصة وأن المحور الداعم للأسد لا يقدم إشارات إيجابية، كيري قال على هامش مؤتمر فيينا إن الشركاء (روسيا) سلموا المجتمعين خطة من بشار الأسد تؤكد استعداده لخوض مفاوضات بناءة لإيجاد حل سياسي، وليس مرجحا أن تحمل الخطة المزعومة حلا مقبولا، خاصة مع تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قمة العشرين، ونصحه لفرنسا بإعادة النظر بموقفها من الأسد بعد أحداث باريس، وهذا ما رفضه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي اعتبر التعاون مع الأسد لا يشكل مخرجا.
جون كيري لمّح أيضا من باريس إلى احتمال عقد اجتماع بين نظام الأسد و"فريق" من المعارضة قبل نهاية العـام الجاري، وهذا الاجتماع أشير إليه في فيينا، وعُلق إلى حين الانتهاء من إعداد هذا الفريق الذي تحدث عنه كيري أخيرا، باعتبار أن لنظام الأسد فريقه الجاهز، وفي هذا الاتجاه تبدو المملكة العربية السعودية ومعها تركيا وقطر جادين في سعيهم لتجهيز الفريق بإشراف مباشر من الرياض، التي ستجمع فصائل وقوى سياسية وعسكرية قريباً، ويبدو هذا إجراء استباقي كي لا يقع الداعمون والفصائل في فخ "لوائح المنظمات الإرهابية" التي يجري إعدادها من قبل المجتمع الدولي، وتسلمت الأردن مهمة رأس الحربة في هذا المهمة، وسعي الرياض لجمع المعارضة "السياسية والعسكرية" الهدف منه إعداد الفريق المفاوض الذي يمكن أن يمثل وجهة نظر المعارضة ككل في المفاوضات التي اعلن عنها اجتماع فيينا، ويبدو أن له هدفا آخر وتحديدا هدف عسكري، فتعليقا على الاتفاق في فيينا قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن المملكة ستدعم عملية سياسية تفضي لرحيل أو ستدعم المعارضة عسكري لإبعاده بالقوة، وإن كان إعداد وفد من المعارضة المقبولة يحمل أهداف جميع السوريين الرافضين للأسد إلى المفاوضات المرتقبة، هو دعم السعودية للعملية السياسية، فيبدو أنها تُعد أيضا مع الداعمين لخيارات فشل المسعى وذلك بدعم الفصائل العسكرية مادياً من خلال تأمين خطوط دعم لوجستي لها، أما معنويا فمن خلال تجنيبها مصيدة "التصنيف الإرهابي".
أما على صعيد العدوان الروسي الذي يشتد في الآونة الأخيرة ويتكثف، وهو أيضا يمثل خصما في المفاوضات، فإن مصادر خاصة قالت لأورينت إن رسالة وصلت (أوصلت) إلى موسكو مفادها "أن عليها الانتهاء من حملتها الجوية في مهلة زمنية محددة وقصيرة، وإلا فإن المشهد العسكري سيتطور بإيصال سلاح نوعي للثوار في سوريا يمكن أن يطال مقاتلاتها ويقلب المعادلة تماما، ومرد ذلك أن استمرار الروس بالعدوان يعني نيتها وأد المساعي لحل سياسي وبالتالي فلتنتهي هذه المساعي تماما ويخسر الجميع." وهذا ما يفسر الحملة العسكرية البرية التي تخوضها المليشيات الشيعية (غير السورية) في ريف حلب الجنوبي بدعم غير مسبوق جوا من الطيران الروسي، باعتبارها خاصرة هشة علها تحقق إنجازات نوعية قبل نهاية المهلة ونفس الأمر يحدث في بعض مناطق درعا التي كانت ساكنة نسبيا.
ومع هذا التطورات يبدو الركون لتفاؤل كيري خياراً قد تدعمه معطيات ميدانية على الأرض قريبا، ونشهد بعدها دعوات إلى الرياض للإعداد لوفد المعارضة، وهذا رهن أيضا بمدى استيعاب المعارضة عموما بكل أطيافها لظروف المرحلة الراهنة، وبالتالي يصبح الذهاب إلى مفاوضات أمراً محتملاً جدا، أما الخيار الأخر فهو سعي موسكو لتعزيز موقفها وحليفها، وعدم الامتثال لأي تهدئة مستغلة حالة الاستنفار العالمي وهو ما قد يدفع إلى تحولات عسكرية في المشهد قد تضع حد لكل هذا الحراك، وفي الحالتين، الأيام أو الأسابيع القادمة ستكون حُبلى بما هو جديد.
التعليقات (4)