محلل سياسي أمريكي يكشف لأورينت عن "الرؤية الدولية للحل في سوريا"

كما أن المستجدات الأخيرة كهجمات باريس الإرهابيّة ومؤتمر فيينا والرؤية الأميركيّة للمرحلة الإنتقاليّة، والموقف الروسي الذي من غير المعروف إلى متى سيستمر بالدفاع عن نظام الأسد، بالرغم من رفض هذا النظام لأي تسوية سياسيّة حقيقيّة.

بالإضافة إلى قضيّة اللّاجئين السوريّين الأخيرة والمواقف الّلا إنسانيّة تجاههم من قبل بعض السياسيين وحكّام الولايات الأميركية، كلها قضايا وتساؤلات ملحة وهامة فيما يخص تطورات القضية السورية. 

مجموعة من التساؤلات، نطرحها على "ديفيد بولوك" خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة واشنطن للدراسات الإستراتيجية، ومتابع للسياسة الدوليّة والأقليميّة في الشأن السوري.

مجرد أمل

1- صرّح الوزير كيري أنّ المرحلة الإنتقاليّة بسوريا قد تبدأ خلال أسابيع و ليس أشهر . ما رأيك و ماذا يقصد بالمرحلة الإنتقاليّة ؟ 

 قال كيري أنه يأمل أن تبدأ الفترة الانتقالية في وقت قريب، لكن هذا لا يعني أنه متأكد، اعتقد انه يعني أن وقف إطلاق النار ومحادثات تتضمن النظام والمعارضة من المفترض أن تبدأ في كانون الثاني ، وفقا لبيان فيينا الأخير. ولكن هذا مجرد أمل، وليس مؤكد أو حتى تنبؤ.

2- ما هي إنعكاسات أحداث باريس على الموقف الدولي من الموضوع السوري؟ المحور الروسي الإيراني يريدون الإيحاء بأن النتيجة ستكون التحالف مع الأسد ما هو رأيك ؟ 

الحوادث الإرهابية الأخيرة في باريس هي في الواقع عامل خطير جدا على الأحداث في سوريا. وأعتقد أنها قد دفعت بالفعل فرنسا لمحاولة ضم روسيا في التحالف ضد داعش. ايران لا تشارك مباشرة في هذا التطور، على الرغم من أنها انضمت إلى المحادثات الدبلوماسية السورية في فيينا لأول مرة. 

ولكن يبقى موقف الولايات المتحدة من كل هذا أنه على روسيا أن تثبت أولاً انها تقاتل داعش حقا وليس دعم الأسد فقط. أما بالنسبة لإيران، فأنا أعتقد أيضا أن حكومة الولايات المتحدة تبحث عن إشارات من طهران تلعب فيها القليل من الدور البناء في سوريا.

شخصيا أنا متشكك للغاية من ذلك، وأفضل دور أقوى للولايات المتحدة ضد داعش في سوريا، وليس نوعا من الاتفاق مع مؤيدي الأسد - لأن هذا الموقف من الجهتين، غير مرغوب فيه ومن المرجح أن يكون غير فعال ضد داعش.

لا خلاف بين الروس والإيرانيون

3- هل هناك، كما يقول البعض، خلاف بين التصوّر الروسي و الإيراني للحل ؟

سؤال جيد!!  أنا أعلم أن بعض الناس يدعون أن هناك فرقا بين موقفي إيران وروسيا خاصة فيما يتعلق بمستقبل الأسد، أنا لا أعتقد ذلك. 

أعتقد أن كل من بوتين وخامنئي كانا واضحين تماما أنهما لا يزالان يدعمون نظام الأسد، و أرى أن كل التلميحات التي تقول عكس ذلك هي ليست إلا دعاية.

4- سأل المذيع في برنامج 60 دقيقة الرئيس أوباما قبل شهر من اليوم: هل ترى العالم أكثر أمنا بعد سنوات من قيادتك و سياستك؟ فأجاب باراك أوباما: "أكثر أمنا" . ما رأيك بهذا السؤال و الجواب ؟ 

كان سؤال برنامج 60 دقيقة لأوباما جيد،  ولكن بماذا يمكن أن يجيب؟  ليس لديه خيار سوى القول أن العالم أكثر أمناً الآن، بعد كل هذه الفترة التي قضاها في منصبه. 

ولكن بصراحة، أنا لا أرى أي دليل على ذلك على الإطلاق، غير أن أسامة بن لادن قد مات، وهناك اتفاق نووي مؤقت مع إيران. معظم القضايا الامنية الدولية الأخرى اليوم أسوأ مما كانت عليه عندما تولى أوباما منصبه - و خصوصا سوريا!

5- برأيك هل ستنجح الحملات الجويّة الحاليّة بالقضاء على داعش ؟ 

لقد ساعدت الغارات الجوية بشكل واضح ضد داعش، لكن هذه الغارات الجوية لا تستطيع كسب الحرب وحدها. وهو ما يتطلب القوات على الارض، كما قلت من قبل. ليس من الضروري أن تكون قوات أميركية، ولكنها يجب أن تكون كافية ليس فقط لهزيمة داعش ولكن أيضا لمراقبة وحماية المناطق المحررة بعد ذلك.

خوف وليس كراهية

6- ما هو رأيك بما يجري اليوم في الإعلام الأميركي و تصريحات المرشّحين حول اللّاجئين السوريّين و رفض إستقبالهم بإعتبارهم "إرهابيين" ؟ و هل هناك حمّى كراهيّة يشترك فيها حكّام ولايات و أعضاء كونغرس ؟ 

بعض وسائل الاعلام والسياسيين الأمريكيين يتحدثون ويحثون، للأسف، ضد دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، هذا صحيح. ولكني أعتقد أن هذا لا يعكس الكراهية إنما الخوف. 

وأعتقد أن الولايات المتحدة تستطيع، ويجب عليها، وسوف تقوم بإستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في العام المقبل أو نحو ذلك، كما وعدنا مؤخرا. ولكن سيتم تحديد هوياتهم و التأكد منهم ببطء وبعناية لمنع حتى حفنة من الإرهابيين من الانزلاق بينهم والدخول إلى الولايات المتحدة. هذا ليس خطأنا بل خطأ من داعش.

فرصة ضائعة

7- الآن يريدون تصنيف التشكيلات العسكريّة بين معتدلة و متطرّفة لكنّ الروس والإيرانيّين والنظام السوري يرون أن كل من يعارض الأسد إرهابي، فما حقيقة الّذي يحدث ؟ 

كلامك صحيح تقريبا، نظام كل من روسيا وإيران والأسد ينظر إلى أي شخص مسلح يعارض هذا النظام على أنه إرهابي. لا أعتقد أنهم سوف يغيرون هذا الرأي، على الرغم من بعض التصريحات التي تمت فيها دعوة الجيش السوري الحر للإنضمام إلى الأسد ضد داعش  والنصرة وأصدقائهم.  

للأسف أعتقد أننا أضعنا فرصة كبيرة لتقديم دعم حقيقي لفصائل المعارضة السورية المعتدلة، والآن أصبح الوقت متأخر جدا في اللعبة لإعادة المحاولة. لكنني لا زلت أعتقد أن هناك إمكانية لجعل القوات المعتدلة المعارضة للأسد أمراً واقعاً، لا سيما في جنوب البلاد. 

وأعتقد أيضا أنه يجب إعتبار الأكراد السوريين جزءا أساسيا من المعارضة المعتدلة، وأن نساعد على تعاونهم مع زملائهم و مواطنيهم العرب في الحرب ضد كل من الأسد و داعش.

8- هل من الممكن تشكيل حكومة وصياغة دستور وتنظيم إنتخابات مع وجود الأسد؟ 

نعم، يمكن أن يكون هناك دستور سوري جديد وانتخابات في ظل الأسد. لكنها لن تكون أكثر من نكتة سخيفة مثل السخافات السابقة من هذا النوع. 

لتحقيق أي شيء قريب من ديمقراطية حقيقية في سوريا يجب إزاحة الأسد. و لكن وجهة نظري الخاصة هي أن محاربة داعش يجب أن تأتي أولا، و محاربة الأسد في وقت لاحق فقط.

محور سعودي تركي

9- هل سيصمد المحور التركي السعودي أمام الضغوطات المختلفة لوقف دعم الثورة السورية ؟ 

سؤال آخر جيد جدا. أعتقد أن السعوديون سيواصلون دعمهم للمعارضة السورية، على الرغم من الضغوط الدولية الجديدة. ويبدو أن الولايات المتحدة تشجع بهدوء السعوديين على هذا. 

ولكن أنا أقل ثقة بتركيا، والتي تقول الآن أنه يمكن للأسد أن يبقى لفترة انتقالية. بناءا على التوازنات الحالية أخشى ان يخرج الأسد متقدما في الوقت الحاضر.

إحراج لروسيا

10- إلى متى سيواصل بوتين سياسته الهجوميّة رغم مضاعفاتها الإقتصاديّة الكبيرة على روسيا؟ و إلى متى ستواصل الإدارة الأمريكيّة الإنعزال عن مشاكل العالم مهما كان ثمن هذه السياسة باهظا ؟ 

أرى أن بوتين عازم على الحفاظ على سياسة خارجية عدوانية حتى بتكلفة اقتصادية كبيرة. في الواقع ربما يأمل أن دوره في سوريا سيضعف العقوبات الاقتصادية المتعلقة بأوكرانيا ضد روسيا، و يمكن ان يكون على حق. 

و من المرجح أن تستمر الولايات المتحدة بانتهاج سياسة خارجية حذرة للغاية طالما أوباما في منصبه. بعد ذلك قد تتغير الأمور، ولكن أشك أن يكون تغيير كبير جداً.

11- رفض الأسد إجراء أي تغيير مع كل الضغوط الخارجيّة. هل هذا متّفق عليه مع الروس؟ أم أنّه سيحرجهم بسياساته و تصريحاته؟ و هل يستطيعون إجباره على ما لا يريد ؟

تصريحات الأسد المشاكسة والسلوك السيئ هي، كما اشرتم، ربما إحراجا لروسيا. ومع ذلك، أعتقد أن روسيا لا ترى بديلا له، وبالتالي لن تحاول إجباره على فعل أي شيء مهم ضد رغباته. كنت أتمنى أن يكون الأمر مختلفا ولكن هذا هو الواقع الذي أراه اليوم.

ميليشيات إيران

12- لماذا لا يتحدّث أحد في الولايات المتحدة عن وجود الحرس الثوري الإيراني و حلفاؤه و منظّماته الإرهابية حسب التصنيف الأميركي في سوريا؟ قاسم سليماني موجود الآن جنوب حلب و أالولايات المتحدة تتجاهل هذا تمامًا! 

الجماعات الإرهابية في سوريا بدعم ايراني؟ مثل حزب الله والحرس الثوري وغيرهم؟ 

نحن في معهد واشنطن قد تحدثنا وكتبنا الكثير حول ذلك! ولكن انت على حق، العديد من المؤسسات الأخرى تجاهلت الأمر، وبالتأكيد حكومة الولايات المتحدة أيضا قد تظاهرت إلى حد كبير بعدم علمها. 

والسبب، على ما اعتقد، هو أنهم يفضلون الأمل في مساعدة إيران لهم ولا يريدون للصفقة النووية الإيرانية أن "تتعرض للخطر"  حتى أن البعض الآخر يعتقدون أن سوريا ستكون "فيتنام إيران." و كلاهما مفاهيم غبية جدا.

13- هل يتعاطف أغلب الإعلام الأميركي مع المحور الروسي الإيراني؟ و لماذا؟

لا، فإن معظم وسائل الإعلام الأمريكية ليست متعاطفة مع محور روسيا وإيران في سوريا. المشكلة ليست في وسائل الإعلام لدينا، انها في قادتنا السياسيين.

14- الأسلحة الّتي يستخدمها الروس منذ البداية واسعة التدمير وعمياء والكثير من الضحايا مدنيين، والآن يقولون بإنّهم سيستخدمون أسلحة أكثر تدميرا ما رأيك !؟ 

بالطبع، الأسلحة الروسية المستخدمة في سورية مدمرة للغاية (وعلى نحو متزايد)، و غير دقيقة، و معدة لتسبب العديد من الإصابات في صفوف المدنيين. ولكن المشكلة الأكبر هي أن روسيا تستخدم تلك الأسلحة ليس ضد داعش ولكن ضد عناصر المعارضة الأخرى في بعض المناطق السورية الأكثر اكتظاظا بالسكان. 

بصراحة، من الممكن ان اوافق على الضربات إذا ما استخدموا معظم هذه الأسلحة  ضد معاقل داعش مثل الرقة، و بالتنسيق معنا.

15- هل هناك مخاطر واقعية لتقسيم سوريا؟

إذا كان بالإمكان أم لا توحيد سوريا مرة أخرى، في ظل الأسد أو أي شخص، و كما قلتي هو موضوعا للنقاش الساخن في هذه الأيام. 

رأيي الشخصي هو أنه من شبه المؤكد أن تبقى البلاد مقسمة على أساس الأمر الواقع لسنوات قادمة. ولكن لا أتوقع تقسيم رسمي كما هو الحال في يوغوسلافيا السابقة، على سبيل المثال.

فشل ذريع

16- هل فعلاً فشل العالم إنسانيّا وأخلاقيّا في التعامل مع الثورة السوريّة ؟ 

نعم العالم فشل في سوريا فشلاً ذريعاً، من الناحية الأخلاقية والإنسانية، وأيضا من حيث مصالحنا الوطنية. 

ولكن تذكري أن كل جيران سوريا، و الولايات المتحدة قدموا مساهمات كبيرة لمساعدة اللاجئين السوريين على الأقل، كما و قدمت الولايات المتحدة وآخرين نوعا من الدعم للمعارضة السورية - في حين أن روسيا وإيران، وحزب الله ساندوا نظام الأسد القاتل. مما يعني أنه في حين فشل العالم ككل، إلا أن بعضهم يستحق اللوم أكثر بكثير من بعضهم الآخر.

*حاورته مديرة مكتب أورينت في واشنطن هيفي بوظو.