مؤتمر الرياض: المرحلة الأصعب بدأت للتو

مؤتمر الرياض: المرحلة الأصعب بدأت للتو
مع  استمرار اجتماعات الأطراف المشاركة  في "مؤتمر الرياض" للمعارضة السورية بشقها العسكري والسياسي، تحدثت بعض الصحف العربية عن الاجتماع الذي وصف بالاستثنائي والهام، مع دعوة للمعارضة للحذر وتوحيد رؤيتها ووفدها حول المرحلة الانتقالية.

يقول الكاتب السوري "نجاتي طيارة" في مقال له بصحيفة "العربي الجديد" أن أعضاء مؤتمر الرياض للمعارضة السورية أمام مهمات وصعوبات عديدة، جرى الحديث عنها بإسهاب وتفصيل، وقدمت من أجل مواجهتها أوراق مهمة ومفيدة. ولا شك أن الكتل والمنظمات والشخصيات المشاركة تدارست ذلك وغيره، كما أنه تراكم لديها الخبرة الكافية والمريرة خلال تجربة السنوات الخمس العجاف من عمر الثورة السورية، بما عرفته من مؤتمرات وحوارات، وما مرت به من ضغوط وصراعات، ويفترض بهم أن يكونوا على قدر من المسؤولية والأهلية، لأن يتوصلوا إلى توحيد رؤيتهم بشأن مفاوضات المرحلة الانتقالية، وربما من أجل تشكيل وفد المعارضة إلى المفاوضات المرتقبة. 

لكن، بموازاة كل الضجيج والآمال المعقودة على تلك المفاوضات، والمنطلقة من القرار الدولي بعد مؤتمر فيينا، يمكن ملاحظة ما نعنونها، اليوم، بالمرحلة الروسية في الصراع السوري. وليس ذلك مرتبطا فقط بما هو واضح من شدة التدخل العسكري الروسي الذي بدأ مع هجمات سلاح الجو الروسي وقاذفاته منذ أكثر من شهرين، ثم تطور، أخيراً، مع نشر صواريخ إس 400، وضمن منظومة دفاع جوي روسية غطت سماء سورية، بعد إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية، والتي حولت سورية إلى ما هو أشبه بالمنطقة الروسية الآمنة. بل إنه مرتبط كذلك بعمل حثيث وبطيء ومتدرج، يتمثل في موجة جديدة من بدء سريان هدن أو اتفاقات على طريق تنفيذ هدن في مناطق سورية متعددة، لطالما كانت، فترات طويلة، خاضعة لحصار الجوع أو الركوع، بدءاً من ريف دمشق وغوطتها إلى الوعر في حمص وغيرها، والذي طالما سكت المجتمع الدولي عن جريمة هذا الحصار الموصوفة في القانون الدولي، ضمن ما سكت عنه من سلسلة جرائم النظام السوري وحلفائه. 

تتطلب هذه الرؤية المفتوحة للصراع من مؤتمر المعارضة في الرياض لا أن يكتفي بتوحيد رؤيته ووفده حول المرحلة الانتقالية ومفاوضاتها، وهو أمر مهم، وسبق أن تقاربت رؤى مختلف فصائلها حوله، بل أن يرتفع إلى مستوى مواجهة المرحلة الطويلة التالية من الصراع، ويلبي حاجة طال انتظارها، وهي أن لا يكون انعقاده أمراً استثنائياً وعابراً، واستجابة لضغوط الآخرين، بل أن يتجاوز ذلك إلى تشكيل مرجعية مستقرة للثورة السورية، يمكنها أن تتفرغ نهائيا للثورة ومقتضياتها، فتمكث مثلا في مكان واحد، لعله يكون في الأراضي المحررة أو بجانبها، بدل أن يستمر ممثلو الثورة مهاجرين ومتنقلين بين العواصم، وأصحاب مناصب بلا مؤسسات. وكي يتوحد التمثيل، أخيراً، بدلا من هذا الانفصام الزائف والمستمر بين معارضتين، داخلية وخارجية. 

وضداً عما هو شائع من تذرّر وانقسام في الجماعة السورية، ورداً نهائياً على حجة النظام وحلفائه، بكونه طرفاً موحداً، في حين يفتقد الطرف الموحد المعارض، فهل يمكن للمؤتمرين أن يتعالوا على ذاتياتهم وانقساماتهم وروابطهم المناطقية والحزبوية، وأن يرتقوا إلى ما هو أرفع في تمثيل الثورة السورية، فيستقيلوا جميعاً من أوهام ونزوعات الفرد والرئيس، الذي طالما حشرت واختصرت فيه الشخصية السورية، كي يتوافقوا على مرجعية تسير بالثورة إلى بر أمان المرحلة الانتقالية، حيث يتولى البرلمان الحر القادم انتخاب القيادة التالية، وتخوض البلاد تجربتها الديمقراطية، بما فيها من آلام التجربة والعدالة الانتقالية، وبما ستعانيه من صعوبات إعادة الإعمار والبناء. 

وختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن إنتاج المرجعية الموحدة هو الحاجة الرئيسة في الثورة السورية، وهو ما تستحقه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ثورة الشعب السوري وتضحياته التي فاقت كل ما عرفته الثورات الأخرى.

المعارضة السورية: المرحلة الأصعب بدأت للتو

من جهته، يشير الكاتب "حسان حيدر" في مقال بصحيفة "الحياة" إلى  أن مؤتمر المعارضة السورية في الرياض قد يخرج بصيغة متشددة تجاه بشار الأسد ونظامه، وسقف مرتفع للمطالب في المرحلة الانتقالية، على رغم تمني وزير الخارجية الأميركي كيري اعتماد "لغة خلاقة"، واضعاً "العربة أمام الحصان"، إذ لا يعقل أن تقدم المعارضة التنازلات التي قد تقبل بها قبل بدء المفاوضات المزمعة مع النظام. لكن الإنجاز الأهم سيكون تشكيل المجتمعين مرجعية تلتزم بها المجموعات السياسية والعسكرية لتتولى خوض جولات "شد الحبال" مع ممثلي دمشق، إذا نجح المجتمع الدولي في أن يفرض على الجميع الانخراط في مسار التسوية الذي سيكون طويلاً ومضنياً.

من الصعب بالتأكيد التوصل الى صيغة ترضي سائر الأطراف، ففي ذلك تضاد مع مفهوم الديموقراطية، أو الشورى، لكن نجاح المؤتمر سيتمثل في تقريب وجهات النظر قدر الإمكان، لأنها المرة الأولى التي تجتمع فيها كل مكونات المعارضة السورية تقريباً، والكثير منها لم يكن موجوداً قبل الثورة التي مضى عليها حوالى خمس سنوات، ولم يسبق أن قام بينها تنسيق واسع سياسياً أو ميدانياً، وتباعد بينها خلافات كثيرة وكبيرة تبدأ مع الأيديولوجيا ولا تتوقف عند تطبيقاتها.

لكن إلى جانب أهمية ما ستحققه في الرياض، لا تزال المعارضة بكل تلاوينها تواجه مهمة صعبة تتمثل في منع روسيا، حليفة النظام الأولى، من تغيير موازين القوى على الأرض خلال "الوقت الضائع" قبل بدء التفاوض، وهو أمر يبدو أن موسكو تفعل كل ما في وسعها لإنجازه، سواء عبر تعزيز قواتها العسكرية في سورية، وتزويدها أسلحة متطورة، مثل نشر منظومات الدفاع الجوي الصاروخية أو إرسال غواصة حاملة للصواريخ إلى الساحل السوري، أو عبر محاولة تحييد "العامل التركي" بعد افتعال مواجهة مع أنقرة تكاد تصل الى حد القطيعة.

وفي إطار تحقيق هدفها، ستعمد موسكو قدر المستطاع الى تأجيل موعد المفاوضات المفترض الذي تقترحه "خريطة طريق" شاركت في وضعها مع الأميركيين والأمم المتحدة وقوى دولية أخرى في فيينا، بحجة أن المعارضة "ليست جاهزة" للتفاوض بعد، لأن سقف مطالبها لا يزال مرتفعاً، وهي مهدت لهذا التأجيل بتشكيكها في إمكان عقد اجتماع تسعى إليه الولايات المتحدة في نيويورك الثلثاء المقبل، متذرعة بضرورة الاتفاق مسبقاً على استبعاد تشكيلات سياسية وعسكرية، تعتبرها "إرهابية"، من المفاوضات. ويأمل الروس في أن يؤدي ضغطهم على المعارضة إلى إطلاق شرارة خلافات تؤدي لاحقاً إلى إعادة تشتتها وإضعاف موقفها التفاوضي، حتى لو خرجت بموقف شبه موحد من اجتماع الرياض، بما يسمح بالالتفاف على تضحيات السوريين منذ أربعة عقود في ظل حكم عائلة الأسد.

ولهذا يبدو أن اتفاق المعارضين السوريين على مبادئ التسوية وأولوياتها وتذليل تبايناتهم، قد يكون، على صعوبته، أهون بكثير من المرحلة الكأداء التي ستبدأ بعده، في مواجهة النظام السوري المراوغ وروسيا المندفعة بحمق إلى "وراثة" التركة الأميركية.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات