الكُورد بين الفدرالية والتقسيم

الكُورد بين الفدرالية والتقسيم

لاشك أن العنف المسبب للخوف، هو الصورة الطاغية وسط المشهد العربي الشعبي, مصدره المسرح السياسي الرسمي, وهدفه إبقاء الشعب العربي ضمن دائرة القلق والخوف والتوجس من الأخر دوماً. وهو ما دفع بغلاة الفكر العربي نحو خلق مشروع يُمكن التعويل عليه مطولاً لردع أي حالة فكرية أو ثوري أو ثقافية لدى مكونات الدولة من الانبثاق والاشتغال على تطويرها, ولم يجد الساسة في كل من سوريا والعراق أنسب من تهمة الانفصال لتكون المكواة في وجه أي دعوة كوردية لحقوقهم من جهة, ومن جهة ثانية العامل المُثير والمعزز الدائم نحو التصادم الشعبي والرسمي بين العرب والكورد, إضافة إلى صورة الكوردي في مخيلة العربي بعد حرب الخليج الثانية.

تتميز تهمة الانفصال الملازمة للكوردي على مدة عقود طويلة, بفقدان أي دليل أو تفسير لوجود هذه التهمة سوى رغبة تلك الأنظمة بخلق حالة دوغمائية تدفع بشعوبها نحو القفز مُغمضي الأعين على آلاف المعضلات والمشاكل التي تسببتها سياسات وممارسات تلك الأنظمة, والتركيز على حالة العداء تجاه الكوردي كعدو مفترض للأمة العربية. ولعل اتهام حسني الزعيم ومحسن البرازي منذ ذاك الحين بالتعامل مع جهات أجنبية والرغبة في تأسيس كيان كوردي, كما روج له سامي الحناوي وحاشيته آن ذاك, كانت البداية في تسييس غير بريء لأي مطلب كوردي, والذي كان حتى بدايات الثورة السورية يمتاز بمطلب وطني تحت سقف الدولة السورية التي كانت تتمتع بكل مقوماتها كدولة في تلك الفترة.

انتخابات 1991 وانتفاضة 2004, ثورة2011

ما أن أعلن النظام العالمي الجديد عن نفسه, وهبوب رياح التغيير, حتى سارع حافظ الأسد إلى تغيير جزئيي في هامش قواعد اللعبة, وإفساح المجال لانتخابات حرة حصل على أثرها الكورد على ثلاث مقاعد برلمانية ومقعد للأشوريين, لكن المشكلة لم تُحل, ولا التهمة أزيلت, ولم يستفد الكورد شيءً؛ لأن المطلب الرئيسي في تلك الفترة والمتمثلة بقضية المجردين من الجنسية, لم تخرج المطالبة بحلها من خندق الانفصال الكوردي المزعوم. ومع رفع وتيرة الاحتقان الشعبي عامة والكوردي خاصة تفجرت انتفاضة 2004 حينها لم يلتفت أحد إلى حجم الخسائر البشرية التي قدمها الكورد, وبكل أسف سبقت أطراف من المعارضة السورية, النظام السوري لاتهام الكورد بالسعي نحو الانفصال, وتقاطع سؤال النظام مع سؤال تلك الأطراف حول حجم الخسائر المادية التي أتُهم الكورد بها, مع العلم أن الاحتقان المُمارس من قبل السلطة هي التي دفعت إلى الشعب السوري إلى تفجير ثورة 2011, لكن حتى ضمن هذه الثورة كان الكوردي هو ذاك الانفصالي الدائم. لا يمكن إنكار أن الداخل السوري دفع أغلب فاتورة الثورة السورية وعلى كافة الأصعدة, لكن المشكلة أن الثورة لم تغير أغلب الأفكار السابقة على الثورة, بل نقلت تلك الأفكار والقناعات إلى الساحة الأكثر عرضة للاشتغال والتطبيق والتعميم. في الواقع هذه مشكلة رئيسية يعاني منها الشباب السوري الثوري الملتزم، إذ إن ثورة هذا الشباب تبقى في أغلب الأحيان ثورة على المستوى السياسي لا أكثر. أي أنها لا تتعدى مستوى الأطر الفوقية ولا تمس بصورة عملية وفعلية مستوى العلاقات الاجتماعية ونسيجها التقليدي الذي يطبع الصعيد السياسي الأول بطابعه المتخلف والبطيء، من المرجح أن الشاب السوري ثوري سياسياً ولكنه استمر في قلبه محافظاً اجتماعيا ودينياً وثقافياً وأخلاقياً واقتصادياً إلا ما ندر. وما الادعاء بخلاف ذلك سوى مجرد تنظير خطابي لا يؤسس لا لمرحلة لاحقة, ولا لتفعيل مبدأ المواطنة الحقة في المرحلة الحالية, وهم, ربما, غير ملامون على ذلك فما وجدوه من دماء وتنكيل ودمار وانتهاء كامل لكامل شروط الحياة اليوم ولمدة عشرات السنين القادمة تكفي أن تُفسر أغلب ردات الفعل. لكن الثورة لن تبلغ المستويات العليا ما لم تتحول إلى أنماط من السلوك الجديد يمارسها الثوري في محيطه تلقائياً, وينشد تفعيلها في وسطه ومجتمعه فعلاً ايجابيا

من يُقسم سوريا, ومن دعى للحفاظ عليها

كان الطرح الكوردي ضمن سقف الدولة السورية, لكن غياب المشروع الوطني, وغياب الديمقراطية عن عموم سوريا, واستمرار حالة الحصار المفروض على الكورد, مع تفكك الدولة السورية, وترهل المعارضة وتشعبها وتشققها, دفع بالعامل الكوردي نحو طرح الخصوصية الكوردية حفاظاً على ذاتها وكيانها ووجودها, عدا عن حقيقة الخصوصية الكوردية كشعب يعيش على أرضه التاريخية يمتاز بلغة وثقافة وتاريخ يتمايز عن التاريخ السورية الحدث النشأة, لكن مع ذالك كان الفكر الكوردي يطرح نفسه كجزء من الحل السوري, لذلك طرح مشروع الفدرالية كمشروع حامي لعموم الدولة السورية, بحيث تبقى جميع المكونات مرتبطة ببعضها البعض, مع خصوصية كل رقعة جغرافية بقومياتها وشعوبها, والحفاظ على حدود الدولة السورية, والحفاظ على السيادة السورية, وعدّ الجزء العربي من سوريا جزء من جامعة الدول العربية, كشكل راقي من أشكال الحكم الجماعي والمشترك لما فيه خير لجميع قضايا ومشاكل سوريا, عدا عن حفظ وضمان حقوق جميع المكونات دون تسلط أي جهة على أخرى. لكن فكرة التقسيم ظهرت كنتيجة لممارسات وخطط تنظيم الدولة, فمن أزال الحدود بين سوريا والعراق, ومن قام بتشكيل دولة تمتد حدودها بين سوريا والعراق, ومن طرح تعميم تجربته وفكره وثقافته وهيمنته على جميع مفاصل الحياة في كل من سوريا والعراق, ومن عمل على تأسيس كيان قائم على كل شيء يُسيء إلى العيش المشترك ومبدأ المواطنة الحقوقية لم يكن الكورد, فالتقسيم وإن حصل سيكون للكورد من نتائجها دولتهم الخاصة, وليس للكورد أن يكونوا أداة التقسيم, اللهم فقط في أدبيات ودوريات المتشظيين كرهاً على من أحسن قراءة الثورة ومستقبلها.

التعليقات (17)

    عماد عبد الرحمن

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    لف و دوران و فزلكة و دس للسم بالدسم و تلميحات ابتزاز و تلاعب صبياني مضحك للغاية بحقائق التاريخ و الجغرافيا عندما يقول " حقيقة الخصوصية الكوردية كشعب يعيش على أرضه التاريخية يمتاز بلغة وثقافة وتاريخ يتمايز عن التاريخ السورية الحدث النشأة... " و لمجرد التوضيح لن يكون هناك فيدرالية او اقليم او محافظة او احزاب اقلوية او طائفية على اساس عرقي او ديني في سوريا

    معاذ خلف

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    انتفاضة 2004 هيا مشاجرة في ملعب لكرة القدم في القامشلي قتل فيها 5 اشخاص هذه تسمى انتفاضه ياللغباء والتهويل على قولة المثل بسوي للحبه قبه؟؟؟؟؟

    مشاجرة

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    ان كنت تسميها مشاجرة ,فثورتك هي فورة طائفية عرقية لا علاقة لها بالثورات العالمية ,هذه المشاجرة التي تسميها قتل فيها مئات الابرياء وسجن الالاف وتم نهب جميع بيوت الكورد وقتها, غير قتل مجندين الكورد يوميا بالجيش.

    لقمان يوسف

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    مقال رائع يستحق الوقوف عنده

    بير رستم

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    شكراً لموضوعيتك وعقلانيتك في الطرح وتناول الموضوع كاك شفان إبراهيم حيث ومن خلال متابعتي لكتاباتك الجميلة فإنني على يقين بولادة كاتب حقيقي للمقالة السياسية يتناول مواضيعه بعقلية جدلية بعيدة عن التعصب والأدلجة التي تصبغ الحالة الثقافية والمجتمعية في عموم الشرق ويمكن أن يكون التعليقان الآخران (خير مثال) عما أشرت إليه من وعي ثقافي مجتمعي زائف داخل مجتمعاتنا الشرقية.

    فيصل يعقوب

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    إلى كل كردي أن لم تطلب بالانفصال و لم تكن افصالياً أنت تنقص من قيمتك أمام الآخر ، عندها لا تلوم إلا نفسك عندما يرفض الآخر كيانك و وجودك

    بلا

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    قدمنا الكثير من الضحايا يا فهيم ومن زمان

    جفان كوردستان

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    شكرا على الشرح استاذ شفان وهذه الحقائق على العربي ان يعرفها وان يعرف بأنه كما هو مرتبط بشيء اسمه الامة العربية فنحن ايضا مرتبطين بالامة الكوردية واي تهاون في حقوقنا القومية على ارض كوردستان الملحق جزء منها بالدولة السورية باتفاقية سايكس بيكو ستكون نتائجه غير مفيدة للعرب لاننا نفضل العيش في دولتنا كوردستان أكثر بكثير من العيش مع العرب في سوريا

    حيرتنا يا عماد

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    ذكرتني بخطاب النظام والتعددية السياسية حين دعى الى تشكيل احزاب بشرط ان تكون متوجدة في كل سوريا, وان لا تكون لا دينية ولا قومية ربما مائية او برمائية

    حيرتا يا معاذ

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    مشاجرة يا حباب اي تمام شو عليها مشاجرة وقدرنا نلم تاييد دولي الها تفضل لم تاييد دولي لحضرتك

    حيرتا يا معاذ

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    مشاجرة يا حباب اي تمام شو عليها مشاجرة وقدرنا نلم تاييد دولي الها تفضل لم تاييد دولي لحضرتك

    مهند الكاطع .. تعليق 1

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    المقال جميل، لكن محتواه غير صحيح. تحدث الكاتب مطولاً عن " غلو عربي" اتجاه الاكراد، وتهمة مسبقة مغلوطة اتجاههم بانهم انفصاليين . لكن الكاتب بالنهاية يصل إلى نتيجة مفادها " بأن مطالب الاكراد خرجت عن سقف الدولة السورية !! وبرر ذلك بانعدام الديمقراطية ! وغياب المشروع الوطني ! واستمرار حصار الكرد !! وانقسام المعارضة ! وهذه اعذار اقبح من الذنب، وكأن الكاتب نسي بأن وقت المحاصصة لم يحن بعد فنحن في ثورة فعن اي ديمقراطية غائبة ومشاريع غائبة تتحدث؟ وعن اي حصار تتحدث واهل ريف دمشق اكلوا القطط؟

    ابن الحسكة السوري

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    انا لا اعلم عن اي تاريخ واحقية كوردية تتحدث في سوريا نعم هناك بيوت وعوائل فنحن لا ننكر ذلك ولكن اراضي وتقسيمات فهذا مستحيل يا اخي الكريم فااللعب وتزوير الحقائق هذا ليس بأمر جيد لكم لان الامم المتحدة توجد لديها كافة الوثائق وهناك الارشيف الفرنسي والالماني والارشيف العثماني… ارحموا عقل القارئ لان الناس باتت تعلم الحقيقة في ضل توفر وسائل الاتصال والانترنيت والغوغل واليوتيوب…

    ابن الحسكة السوري

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    وبالنسبة لما اسميتها انتفاضة فهذا كلام غير دقيق وراجع مقاطع اليوتيوب فهي عبارة عن مشاجرة بين المشجعين من نادي الجهاد والذين رفعوا صورة بوش ونادي الفتوة رفعوا صورة المرحوم صدام وحينها بدات لتمتد للتخريب من قبل مشجعو نادي الجهاد الكرد وقاموا بحرق الممتلكات العامة والخاصة وحرق الدوائر مما استدعى الامن للتدخل فتزوير الحقائق الناس تعرفها جيدا ونحن كنا موجودين على ذلك فالمبالغة لا تبني دول او كانتونات مزعومة وجيش الفتح والجيش الحر قادم اليكم فاحلامكم الخلبية ارموها جانبا وابقوا مع سوريا للجميع…

    محمد اوسي

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    السيد عماد عبدالرحمن يری ام تبقی سویيه كما كانت عنصرية لا تعترف بالاخر وتبقی جميع الشعوب السوريهوالطوائف تحت نير فئة كانت ولا زالن باغية والباقي عبيد لعنصريتهم وهويرغض جميع اشكال الادارية من فدرالية المناطق او المحافظات بحيث يلائم ثقافتهم العنصرية .

    الحمدلله على نعمة الإسلام

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    المشكلة أن الإخوة الأكراد يحلمون بدولة أقلية وسط أكثرية عربية آمنت بصدق رسالتها وسادت الدنيا وساد كل من جعل الدين الإسلامي مقياسا لرفعته فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى هذا هو الأصل فالأخوة الأكراد يفضلون التعايش مع الكردي الإيزيدي على العربي المسلم ،وما يحدث في سوريا كشف أحلامهم التوسعية على حساب من يفترض أنهم إخوانهم في الدين ،فالكرد والفرس وجهان لعملة واحدة في كره العرب

    مسعود إلى شفان إبراهيم

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    قبل التفكير في الفدرالية أو التقسيم يجب أن تكون أولا سوريا أصيلا لا لاجئا هاربا من تركيا في السنين الأخيرة. ثانيا، ينبغي أن تكون نسبة جماعتك أكثر من 4% من نسبة الشعب. وثالثا، ينبغي أن تكون المناطق التي تسكن بها مترابطة وكبيرة تسوغ مثل هذا الطرح الخياني. أما إن كنت لا تزال مصرا على أكاذيبك التي تروجها في المقال ودعاواك أن للكرد حقوقا تاريخية في سوريا فأثبت هذا بالكتب التاريخية المعتبرة وبالوثائق. فإلقاء الكلام على عواهنه يحسنه كل أحد. إن الأساطير الكردية لا تختلف عن أخواتها الصهيونيات في شيء!
17

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات