تأتي بداية كل قول باستحضار المقولات الرزينة لمفكرين وفلاسفة كنقطة اتكاء يحتاجها الكاتب والقارئ بآن معا وينهل منها الجميع ثم سرعان ما تبدو قناع رصانة لتمرير مقولات تنسفها متون الاتكاءات ذاتها، وذا ديدن الأحزاب القوموية الكردية في تمرير مشاريعها اللاوطنية متكئة على مقولات كبرى كالديموقراطية وحقوق الإنسان متلطية خلف المظلومية ومعتمدة على غمز قوى عالمية تبغي تدليل الأقلية في أعياد إبادة الأكثرية التي احتضنت وتواشجت مع الجميع، ويأتي مثقفوها(الأحزاب)أكثر إبداعا في التصفيق وابتداع التبريرات لنهجها الإقصائي الشعوبي المتطرف عرقيا مستفيدين من طفوِّ مقولات كبيرة ورنانة كالإرهاب وكأن داعش مكون عربي صرف يستهدف عرقية أو أقلية بعينها متناسين عمدا حملات تطهير عرقي قامت بها مليشياتهم وأقرتها منظمة حقوق الإنسان لم يشجبوها بل أنكروا حدوثها أصلا
إن خطر الأصوليات العرقية وفعلها لا يقل خطرا في شطر الأوطان وتقسيمها عن خطر الإرهاب سوى أن الأخير عابر للدول ومدان دوليا، بينما الأول مدعوم دوليا لإبقاء هذه البلدان في حالة انشغال بنفسها وبيئة خصبة باللاعبين يتم تحريكهم بكبسة زر.
لابد من التأسيس لأرضية حوار حقيقي وتسمية الأشياء بمسمياتها دون القفز على حقائق باتت واضحة للعيان، إذ لا يمكن تحت ستار المظلومية التاريخية للأكراد أن يتم التأسيس لمصلحة فئة اجتماعية أو إثنية بصالحها وطالحها بعيدا عن شراكتها في الثورة وقيمها وتطلعاتها التي بدت عفوية في وطنيتها؛ متجاوزة لنخبها السياسية كما فعلت الشعوب في ثورات الربيع العربي، هنا تغيب المظلومية العرقية لتصبح جزءا من مظلومية شعب سوري رفع شعار (واحد واحد ، جمعة آزادي)، وفي لحظة انشطار المجتمع السوري على مستوى المدينة وحتى العائلة على مبدأ معارضة ــ موالاة واضطرار الثائر لتلقي الرصاص أو قتال أخيه وقريبه وابن عائلته؛ كان شعار الأحزاب يصدح (الدم الكردي على الكردي حرام ) كما في مجزرة عامودا على يد مليشيا حزب العمال العميلة للنظام ورد الأحزاب لتمييع موقف الثوار الكرد الوطنيين الذين حوربوا من الجميع لتفتيت التطلع الثوري المتجاوز لفكر الأحزاب وتغذية التأييد القطيعي للشعارات الرنانة ليس حبا بالعمل السياسي فقط؛ بل لتنفضح مقولة يجب أن نواجه أنفسنا بها وهي أن الكرد وفقا لقناعة الأحزاب لن يحملوا السلاح إلا لأجل كردستان متخيل وليس لصالح فعل ثوري محض، أسس له الشارع الثائر قبل النخب بشعاراتها المجوفة، والهيئة الكرية العليا مثال آخر يعبر عن مصلحة كردية عليا بعيدا عن موقف كل من الأحزاب من النظام، وما خلاف المجلس الوطني الكردي مع مايسمى مجلس شعب (غربي كردستان) إلا في المحاصصة بإقرارها الصريح والمعلن.
ولكي نقف على حقيقة مشاركة الأكراد علينا أن نقر انشطار الوسط الكردي في الثورة لثلاثة أقسام: الشارع المستقل بنزوعه الوطني الملتزم بنهج الثورة ، والأحزاب على عملت على تفتيت تنسيقياته لصالح تكريس سلطتها ، والمليشيا المسلحة لحزب العمال التي لعبت على الجميع وفقا لتوجيهات نظام الأسد الذي مولها وسلحها وقامت بحماية آبار النفط بعقود حماية مأجورة لدينا وثائقها، وخلاصة القول أن الشعوب التي ثارت تجاوزت نخبها، وحاولت الأخيرة اللحاق بالركب ففشلت عبر هيئاتها، لكن نخبا جديدة تتلمس دربها في وسطنا السوري عموما، وتحاَرب من قبل الهيئات المنجزة من ائتلاف وغيره، لكن الحرب الأصعب تلك التي تشن على كل صوت وطني كردي، لأنها تتسلح بإلباس مُتخِذِه خيانة للـ"قضية الكردية " والحلم القومي من قبل المليشيا والأحزاب السياسية التقليدية للكرد التي لم تخرج عن مرجعية البرزاني أو الطالباني؛ أي النهج الكردستاني وليس الكردي السوري لاعبة على عواطف الجماهير وبأنها فرصة الأكراد في تحصيل حقوقهم بوضع قدم في الثورة وقدم في المعارضة، وسكوت البعض واشتراك البعض الآخر مع النظام في نسف الشارع المستقل وضرب رموزه؛ عبر اغتيال مشعل تمو، وتغييب حسين عيسو، واختطاف جميل عمر الذين لم تفاوض الأحزاب لإخراجهم بل إن الجيش الحر (العربي حسب توصيف أبواق الأحزاب) رغم احتواءه على الكرد الذين هربوا من حصارها هو من فاوض لإطلاق سراحهم من براثن النظام ومن معتقلات (الهاغانا الجدد)
وعربيا في ساحات ربيعنا المصاب بالصقيع؛ لا ثورة تؤتي أكلها مالم نحقق ثورة على دواخلنا المشوهة وفكرنا القديم، وذا دور النخب التي فشلت في بنيانها الفكري والتنظيمي، ونهج عملها لنكتشف ضرورة عمل فكري وثقافي واع يؤسس لتحول ديموقراطي وليس ديموقراطية شكلية، سعيا لترسيخ هوية وطنية جامعة ضد ظهور الهويات الضيقة ما قبل الوطنية تفرغ الشحناء التي بثتها الأحزاب وقوى التجييش التي لعبتها بتشجيع من الخارج لفرض محاصصة سياسية.
ونحن كسوريين عرب خرجنا ضد أنظمتنا وأحزابنا، ويقر مثقفو الكرد بسلطة أحزابهم وعلينا التواشج من مختلف الإثنيات ضد السلطة العمياء، والنخب التي فشلت في اللحاق بركب الجماهير فهل سيتعاون المثقف الكردي مع العربي ضد نهج الأحزاب والكتل المنجزة جميعا مادمنا نلهث بالوطنية السورية؟ أم سينتظر المثقف الكردي انتصار أحزابه على الآخرــــ العربي ليفكر في الأمر؟ هنا يبدو الحزب الكردي أخا، أو ابن عم ضد الغريب (السوري) فأين المواطنة السورية في ذلك؟ وكيف لكتاب كثر مثل شفان ابراهيم في مقاليه في أورينت أن يطلب ثقتي به كشريك؛ ولا يفتأ يقول "كردستان سوريا وحق تقرير المصير لشعب كردي على أرضه التاريخية ويملك لغة وثقافة وتاريخا متمايزا عن تاريخ سوريا الحديث النشأة " إن في ذلك استعارة أو سرقة لتاريخ عريق لسوريا الدولة والحضارة ونسبها لمكون أصيل في جزء منه ومهاجر في غالبيته من تركيا، وللمعترض أقول دلني على قبر جدك في سوريا، أمام ذلك لابد من التذكير بصواب تم تهميشه إذ لا يمكننا القبول فكريا، أو سياسيا بمقولة شعب كردي؛ بل مكون كردي ومكون عربي يشتركان في مفهوم الشعب السوري وللمثقفين المتخندقين أقول كفى ظلما لأهلكم ولا تعزلوهم عن محيطهم إنهم أكرادنا ..
التعليقات (8)