الجهاد في "هوليوود"

الجهاد في "هوليوود"

لم يكد المخرج الاميركي من أصل ألماني فيرنر هيرتزوج ، ينتهي من شريطه السينمائي ، (ملكة الصحراء)  ، حتى بدأ الجدل حول ظهوره في فيلم ( جهاد في هوليوود ) الوثائقي ومضمونه في هذه الظروف الخاصة التي يعيشها العالم .

ويبدو أن هذا الاسم الملتبس الذي قصده مخرج الفيلم  ، مقصود من أجل افساح أكبر امكانية ل اللعب على مفردة الجهاد والتي باتت كناية عن الارهاب في الغرب ، بل أن الاعلام الغربي لا يجد ترجمة خاصة لها ، فأضافها الى قاموسه الاستشراقي الباحث في مضامين شرقنا الحزين حسب أهواء الباحثين المستشرقين .

فالنجم السوري ( جهاد عبدو )- والذي غادر بلاده متأثراً بما يجري فيها ، مثله مثل الملايين من أبناء جلدته ممن غادروا الى مكان أفضل يمكنهم من الحياة الكريمة - غادر الى الولايات المتحدة وهناك مارس فعلاً من أفعال الثورة وهذه المرة كانت  على الذات ، حينما قرر أن يعمل في مهن لم يعهدها سابقاً وذلك من أجل الايفاء بعهود قطعها  لنفسه في الاستمرار قوياً ، واقفاً ، دون أن يكسر .

فعمل على حد تصريحاته ، كبائع بيتزا وسائق تاكسي وهي مهن شريفة واعتيادية في الغرب، ولكن قبولها بالنسبة لنجم تلفزيوني قادم من الشرق ،  هو كقبول الدخول الى مدرسة ابتدائية للتمثيل ، وهي تحمل في طياتها شجاعة ما بعدها شجاعة بالنسبة لجهاد الانسان والفنان  ، حتى استعاد قليلاً من قوته ،مقتحماً ابواب مهنته من جديد ولكن عبر بوابة هوليوود هذه المرة فعمل في فيلمين :

a hologram for the king  و

 Queen of the desert

ومن هاهنا بدأت فكرة فيرنر هيرتزوغ المخرج الكبير صاحب رائعة فيتزكارالدو ،والتي منحته جائزة افضل مخرج في مهرجان كان السينمائي في عام 1982..في العمل على تلك الموضوعة المتراكبة والحدث الذي يتطور أمامه و أمام الملايين من الناس ،فقصة جهاد هي قصة متعددة الطبقات والايحاءات في عالم بات لا ينتظر من الأخر أكثر من صورة نمطية تتطابق مع ما صوره له الاعلام المقولب .فهل من المنطقي أن تتقبل هوليوود والتي تصنف كمصنع رئيسي لتصدير نظريات قولبة الرأي العام في الغرب والعالم عموماً ، فكرة ممثل ، مسلم ،لا بل يحمل اسم جهاد أيضاً .

ولكن ،وفي قراءة استشرافية لما هو حال تلقي الغرب لقصة جهاد عبدو ، الذي تخلى عن اسمه جهاد ليسهل اندماجه في بيئة تبدو لماعة من الخارج ولكنها تحمل في طياتها وخفاياها الكثير من العنصرية و التمييز في عالم مصاب بداء الاسلاموفوبيا، فما بالك بمدير أعمال جهاد وهو يقدمه لكبريات استديوهات هوليوود باسم ( جهاد ) وما تعنيه من ترجمة مباشرة وهي ( الحرب المقدسة ) ، فكان حرياً به تغيير اسمه ، ومن هنا بدأت الحكاية ، حكاية تشبه ربما حكاية سندريلا ، الاميرة التي تصل من العدم ( بالنسبة لهم ) الى قمة النجاح والنجومية ، او لنقل هي قصة استشراقية بامتياز ، يختلط فيها السندباد البحري ، بقصص الهروب من جحيم ديكتاتورية الشرق وظلمه ، وصولاً الى أنوار الغرب وابهاره  ، فقصة جهاد عبدو لا تشبه بتاتاً قصة عمر الشريف أو قصة مواطنه غسان مسعود على سبيل المثال ، فالاثنين كانا قد ذهبا الى هوليوود بظروف طبيعية ناتجة عن عقود مبرمة معهما سلفاً ،أما جهاد او كما أسمته هوليوود 

jay

 فقصته تشبه الى حد بعيد قصة  ميخائيل تشيخوف ، أو قصة برتولد بريخت ، الفارين من دكتاتورية البلاشفة والنازية على التوالي .ولم يجدا ملاذاً لفنهما الا الولايات المتحدة ، بلد الحريات كما تصف نفسها في أدبياتها ودستورها ..

 هذا الامر كان في النصف الاول من القرن العشرين ، فهل ينطبق هذا الامر مجدداً على بدايات القرن الواحد والعشرين ،هل لا تزال أميركا بلداً من الممكن له أن يفتح صندوقه الأسود أمام رجل قادم من الشرق الاوسط ، هارب من جحيم حرب محت بلده و ذكرياته من الوجود .

لعل ظهور هيرتزوج  في هذا الشريط الوثائقي ليس اكثر من اعادة انتاج لقصته المنقوصة ذاتها ، قصة ذلك الفتى الذي ولد في الفترة النازية و خضع للديكتاتورية ودفع مع الشعب الألماني اثماناً باهظة ثمناً لحماقات ديكتاتور دمر شعبه ، ولكن نقصان قصته يكمن في عدم اكتمالها بذهابه الى الولايات المتحدة الا في فترة متأخرة .وهذا ما حصل معه ..

ان الممارسات الاستشراقية التي تمارسها الدعاية الغربية على العالم في ظل مفاهيم ( الحرب على الارهاب ) و ( صدام الحضارات ) وحتمية المواجهة مع الاسلام ثقافياً وليس دينياً ، يمكن اختصاره في تغيير جهاد لاسمه ليصبح جاي .تماشياً مع الراهن في هوليوود وهو أمر لا ينتقص من جهاد مطلقاً ، فالرجل يجاهر بثقافته و وطنه و قيمه التي غادر من أجلها بلاده .وربما ينبغي على جهاد أن يخبرهم هناك في الضفة الأخرى من العالم أن كلمة جهاد لا تعني فقط في العربية ( الحرب المقدسة ) بل تعني فيما تعنيه أيضاً ، قول الحق كنوع من أنواع الجهاد بالكلمة ، وهذا ما أعتقد أن جهاد يفعله هناك في نقل حقيقة ما يجري هنا .

التعليقات (4)

    حسين حصل

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    أرجو أن يكون الكاتب أكثر دقة فجهاد عبدو ليس مسلما وإنما مسيحي

    موفق قات

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    مقال جميل ،تشيخوف توفى قبل ثورة البلاشفة،وجب التصحيح.مع مودتي.

    مسلم مغترب

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    انه من الصعب تسمية اﻻشياء بمسمياتها في الثقافة الغربية ﻻ ننا حرمنا منها ثقافتنا بل دافع طغاة العرب عن نفس المصطلح الزي فرض علينا (اﻻرهاب )ﻻن هزا يخدم مصلحتهم

    فارس الذهبي

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    اشكرك استاذ موفق العزيز أنا اتحدث في المقال عن ميخائيل تشيخوف وليس عن أنطون تشيخوف ...
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات