تمثال الأسد ونعش الشهيد

تمثال الأسد ونعش الشهيد
من مفارقات ثورة الحرية والكرامة في سوريا ، تمثال "حافظ الأسد " في وسط مدينة القامشلي ، شمال شرقي سوريا ، حيث تجوب حوله راياتٌ مختلفةُ الألوان ، وشعاراتٌ تنادي بالإصلاح والتغير في البلاد ، وتطلق الحناجر صرختها مناديةً بأصواتٍ عالية ، مطالبةً بإسقاط الديكتاتور الإبن ، وبينما والد هذا الديكتاتور يلوّحُ بيدهِ اليمنى للجموع الغفيرة، يمتد كسراب نحو الأفق المجهول، فيمرُّ بجانبه موكب الشهيد ، وملفوفٌ حوله نعشه علمٌ له ثلاثة أشرطة أفقية متوازية ملونة من الأعلى للأسفل بالأحمر والأبيض والأسود، وتتوسطهما نجمتان خماسيتان خضراوتا اللون ، ضمن المستطيل الأبيض وهو "علم النظام السوري" وترتفع مجدداً صيحاتُ المتظاهرين بضرورة رحيل الرئيس وهي تقول "يالله إرحل يا بشار" ثمّ تنتهي مسيرة التظاهرة عند تمثال الفارس الذي لا يترجل من على صهوة فرسه أبداً " باسل الأسد" فتُنكّس الراياتُ وتعود أدراجها نحو مقابر الموتى وحيث تُدفنُ دموعُ اليتامى والثكالى، ويبقى التمثالُ صامداً في وجه رياحِ التغير وقبل غروب الشمس ، تراهم يمسحون وجه التماثيلِ من الغبار ، كي لا يتناثر .

ومن ثمّ تأتي التبريكات سريعاً"العاصمة دمشق "عبر خط ساخن بأشد عبارات لمواصلة العمل على قدمٍ وساق تحسباُ لأي طارئ قد يخلخل الإتصال مع المركز . وتبدأ جلسات الولاء والوقوف دقيقة صمت ، على روح قائد الدولة والمجتمع، وفق نظريتهم المزعومة التي تمت الموافقة عليها بإجماعٍ ومن خلال الغرف المظلمة . ويتكرر السيناريو ذاته في كنيسة "مريم العذراء " في حي الوسطى بالقامشلي وفي عشية الاحتفالات بالأعياد رأسِ السنة والميلاد ، بسلسلة من الإنفجارات ، التي هزت مدينة الحب" قامشلي" وفي حي الوسطى وسياحي ذات الأغلبية من المكون المسيحي .استهدفت مطعمي كربائيل في شارع السياحي، و ميامي في حي الوسطى بفارق دقائق ، وفقد  عشراتُ الأبرياءِ حياتهم في تلك التفجيرات، وتبدأ المفارقاتُ تظهر من جديد ، وتطلّ برأسها مرةً أخرى، وفي مراسم وطقوس الدفن، يتلو الكاهن صلواته ويشيد بمناقب" الشهداء " وعظمتهم ، وفي الختام ، يعلن الكاهن ، بأن السيدة العذراء سوف تتغلّب على الإرهاب ، ويعود علم النظام السوري للظهور من جديد ، وهو يلتفُ حول نعوش الضحايا ، ليواكبهم إلى مثواهم الأخير، وتم لف نعش شهيد إلى مثواه الأخير، في مقبرة " الكلدان " بالمدنية وسط سخطٍ وشجبٍ وإستنكار ، وامتعاض من المعارضيين ضمن المكون مسيحي ذاته .

ومن ضمن قائمة الشهداء ذاك الشاب الكردي أراس وهو وحيد لأبويه حديثُ عهدٍ بالحياة ، والذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ، والذي كان يعمل في مطعم ميامي لتأمين لقمة العيش لعائلته ، وسط هذه الظروف القاسية وهو ينتظر لم الشمل من والده في الذي لجأ إلى ألمانيا الاتحادية ، كان اراس محباً للحرية ، أنخرط في الحراك الشبابي منذ اللحظة الأولى من انطلاق ثورة الحرية والكرامة ، ويخرج باكراً في كل صباح من اليوم الجمعة للمشاركة في التظاهرات المناوئة للأسد فيحمل في جعبته علمان ، واحد كردي بألوانه الزاهية ، المطرزِ بثلاثة مستقيمات ، الأحمر والأخضر والأبيض والشمس وشمسُ الكرد تتوسطُ المستطيل الأبيض وعلم آخر ، بثلاثة مستقيمات أفقية متوازية ملونة من الأعلى حتى الأسفل بالأخضر والأبيض والأسود، و ثلاث نجوم خماسية حمراء اللون في الوسط ضمن المستطيل الأبيض إنه قدر السوريين في مدينة الحب والجمال ، قامشلي ، والتي وصلتها صرخات الدرعاويين منذ الأيام الأولى للثورة ، فلبّ أحرار قامشلي التواقين للحرية نداء أخوانهم في الجنوب الغربي من سوريا ، فرسموا خطّاً جميلاً وطويلاً يمتدُ من شمال شرق سورية ، إلى جنوب غرب سورية ، وتجاوز العرب و الكرد تلك الألغام التي زرعها النظام السوري مابين أكبر مكونين في سورية ، آلا وهما العرب والكرد ، ووضعوا خلافاتهم جانباً ، وصاحوا بأعلى أصواتهم ، واحد واحد واحد ، الشعب السوري واحد ، فاستشعر طغاة الشام الخوف ، وبدأت فرائصهم ترتعد ، فأوعزوا إلى أدواتهم من الكرد ، وسلّحوهم وسلّطوهم على الكرد ، وخطفوا ثورتهم بقوة السلاح ، وسجنوا إرادتهم ، وأبعدوهم عن ثورة السوريين وعاد الكرد إلى حظيرة النظام ، فريقٌ منهم خدعوهم ، بحجة الدفاع عن الأرض والعرض ، وفريقٌ آخر من الكرد ، مازال يقاوم ويرفض الإنصياع والخضوع للذلّ والعبودية والهوان ، ومازال يتوق إلى الحرية ونيل الكرامة ، وهم الأكثرية من الكرد ، بخلاف ما تحاول الأجهزة الإعلامية الكردية التابعة لطاغية الشام ترويجه ، والأكثرية هي المعيارُ والمقياس والأقلية المارقة هي الشواذ ، ولازلنا ننتظر أن يترجّل الفارس عن حصانه ، وأن تتحطم تماثيل هبل ، واللات والعزّة ، وأن تتحرر البلاد من الطغاة وأعوانهم ، ويُسدل الستار على الفصل الأخير ، من مسرحية السوريين الدامية ، لكي يضمدوا جراحاتهم وينعموا بربيعٍ هادئ وجميل .

التعليقات (2)

    ملاحظة

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    لو اراد الاكراد ان يتحرروا من ميلشياتهم المؤيدة للنظام لتخلصوا منها وقاتلوا مع الثوار ولكن السياسة الكردية قديمة ومعروفة يتحالفوا مع الشيطان في سبيل مستعمرتهم الموعودة وحاج حكي وتنميق سياسي وادبي اهدافهم واضحة وايديهم تلوثت بدم الشعب السوري

    kamal

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    صواريخ ستنجح أهم من تماثيل ابن الزنا
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات